
أما على الصعيد العربي فأبو عمار كان يجيد الإبحار في البحر العربي المتلاطم الأمواج وينجح في قيادة السفينة الفلسطينية الى شط الأمان رغم حدة وشدة التجاذبات والخلافات العربية وتدخلاتها ومحاولة استخدامها للورقة الفلسطينية في خلافاتها وتناقضاتها،وكان يقف على مسافة من تلك الخلافات،ويرى أن مصلحة الشعب الفلسطيني تتطلب منه حنكة وحكمة في القيادة وتسيير أمور الشعب الفلسطيني وتحديداً في دول الطوق،وكان قادراً على جعل القضية الفلسطينية حاضرة على طاولة القمم العربية،بل وكانت القيادة الفلسطينية تلعب دوراً مهماً في رسم وتحديد المواقف العربية من القضية الفلسطينية،وتوفير الدعم والإسناد لها سياسيا وماليا وتسليحيا وغير ذلك.
أما على الصعيد العالمي فابو عمار كان بمثابة رمز لكل الشعوب وحركات التحرر والقوى الثورية العالمية،وكان في كل جولاته يستقبل استقبال الأبطال والقادة الكبار،وهو من وقف على منبر الأمم المتحدة عام 1974 مخاطباً العالم من خلال ذلك المنبر حيث جرى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد قائلاً " لا تسقطوا غصن الزيتون الأخضر من يدي"،وأبو عمار الذي أوغل في التسوية كثيراً،معتقداً بأنه من الممكن انتزاع ولو الحد الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وإحقاق حق العودة،وجد أن ذلك ليس بالإمكان تحقيقه،حيث أن إسرائيل قيادة وشعباً غير ناضجة للسلام،والمطلوب هو استسلام فلسطيني وليس سلام،والرجل يحسب له في مفاوضات كامب ديفيد/2000،أنه وقف أمام كل الضغوط الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية وحتى العربية منها،من أجل التنازل والتخلي عن حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني،وهذا الموقف دفع بالأمريكان والأوروبيين وإسرائيل،من بعد وصفه برجل السلام الى القول بأنه ليس بالشريك في صنع السلام،وهو "إرهابي" وضالع في "الإرهاب"،أي دعم المقاومة ضد الاحتلال،ومن هنا كانت عملية السور الواقي في عام 2002 ومحاصرة الرئيس الشهيد في مقر المقاطعة برام الله ومحاولة الضغط عليه من أجل تليين وتغيير مواقفه،ضغوط كانت تمارس عليه من المقربين حوله ومن العرب والأمريكان والأوروبيين لتغيير مواقفه أو التنازل عن القيادة وصلاحياته،ولكنه رفض بإصرار وعناد،بل ومن المقاطعة المحاصرة والتي هدمتها بلدوزرات الاحتلال كان يقول"عالقدس رايحين شهداء بالملاين".
أمام عناد الرئيس الشهيد أبو عمار وثباته على مواقفه ورفض التنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية،كان هناك قرار أمريكي- إسرائيلي بتصفية الرئيس الشهيد والتخلص منه،حيث جرت عملية اغتياله بالسم، تلك العملية التي من حق شعبنا على قيادة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية،أن تنشر التقرير الطبي المتعلق بتلك العملية،وكشف ومحاسبة كل المشاركين والمتواطئين فيها،فلا أحد يختلف على أن إسرائيل هي من نفذت الجريمة،ولكن هناك أيدي وأدوات فلسطينية استخدمت في التنفيذ،هذه الأيدي والأدوات بالضرورة كشفها ومحاسبتها ومحاكمتها،حتى يطمئن الشعب الفلسطيني الى أن دم رئيسه لم يذهب هدراً ،وأن القتلة والمجرمين نالوا جزاءهم وعقابهم على خستهم ونذالتهم.
نعم نحن أحوج ما نكون فيه الآن فلسطينياً الى قادة عظام من أمثال الرئيس الشهيد أبا عمار والرفيق الشهيد حكيم الثورة جورج حبش،فهؤلاء قادة كانوا يحتكمون في خلافاتهم الى المصالح العليا للشعب الفلسطيني،وأن أي خلاف مهما كانت شدته أو درجته،لا تبرر الانقسام أو تشكيل البديل أو حسم ذلك الخلاف عبر العمل العسكري،نحن بحاجة الى وحدة حقيقة في إطار بيت فلسطيني جامع،تمثل فيه كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية،نحن بحاجة الى أناس يمتلكون الإرادة السياسية الحقيقية من أجل إنهاء الانقسام المدمر الذي يعصف بحقوق وثوابت ومنجزات ومكتسبات شعبنا.
نحن بحاجة إلى قيادة تعمل على مواصلة الكفاح ورفع راية النضال والمقاومة من أجل تجسيد حلم الرئيس الشهيد بأن يرفع شبل من أشبال فلسطين وزهرة من زهراته علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن مساجدها وأجراس كنائسها.
فأبو عمار الذي كان يردد من قلب المقاطعة المحاصرة في رام الله يردونك شهيداً ...شهيداً... استشهد من أجل أن لا يفرط بالقدس ولا بالثوابت الوطنية ولا بحقوق شعبنا وفي المقدمة منها حق العودة.
0 comments:
إرسال تعليق