وأخيراً قالت لجنة حقوق الإنسان كلمتها في النظام السوري/ محمد فاروق الإمام

وأخيراً وبعد ثمانية أشهر سالت فيها الدماء أنهاراً من أجساد السوريين الثائرين على الظلم والاستبداد في احتجاجات سلمية حضارية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، خلفت ما يزيد على خمسة آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى والمفقودين وعشرات الآلاف من المهجرين والمعتقلين.. أقول أخيراً تمكنت لجنة حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم أمس الثلاثاء 22/11/2011 من إدانة النظام السوري الهمجي المتوحش الذي استباح الإنسان والحيوان والحجر والشجر وكل ما يجد في طريق آلته العسكرية الجهنمية دون وازع من ضمير أو أخلاق أو قيم أو حتى من أبسط الحواس الإنسانية التي تبلدت في عقول وأفهام ساديي النظام السوري.
وأدان القرار بقوة "انتهاكات السلطات السورية المستمرة والخطيرة والمنهجية لحقوق الإنسان" مشيراً إلى "عمليات القتل التعسفية" و"اضطهاد" المحتجين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وجاءت الإدانة في قرار حصل على تأييد 122 صوتا مقابل اعتراض 13 صوتا وامتناع 41 عن التصويت.
واتهم مندوب سورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري (الإيراني الأصل) الدول الأوروبية التي دعمت القرار وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا "بالتحريض على الحرب الأهلية". وبأنها تسعى لشن "حرب إعلامية وسياسية ودبلوماسية على سورية والتدخل في شؤونها الداخلية".
وقال إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا "جزء من تصعيد العنف في بلادي" وأنها "تنشر الفتنة العنيفة" في سورية، مضيفا أن مشروع القرار "تناسى الإشارة إلى الجماعات المسلحة التي تعبث بأمن المواطنين وسلامة الممتلكات العامة والخاصة".
وقد علق كثيرون على صدور هذا القرار، ومن بينهم (مارك ليال غرانت) سفير بريطانيا في الأمم المتحدة الذي قال أثناء مناقشة القرار إن "المجتمع الدولي لا يمكنه أن يظل صامتا"، مؤكدا إخفاق الحكومة السورية في تنفيذ خطة وقف العنف التي تقدمت بها الجامعة العربية.
أما السفير الفرنسي (جيرار ارو) فقال إن صدور إدانة من الأمم المتحدة أصبح الآن أمراً "ملحا لأن الوضع يتدهور باستمرار"، مؤكداً خلال الاجتماع أن سورية "رفضت" خطة الجامعة العربية وإن عدد الضحايا يتزايد.
في حين أكد السفير السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي على جهود الجامعة العربية لإنهاء العنف، إلا أنه أشار بأصابع الاتهام إلى حكومة الأسد عندما قال إنه "تم وضع عوائق تعيق تحقيق هذه الأهداف"، وقال إن على المجتمع الدولي "أن يبعث برسالة إلى الشعب السوري" عن طريق هذا القرار.
وبالتزامن مع ذلك، دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بشار الأسد إلى التنحي "لتجنب المزيد من إراقة الدماء" في سورية، كما صرح أمام الكتلة البرلمانية لحزبه "العدالة والتنمية" في مجلس النواب مخاطبا بشار الأسد "عليك التنحي من أجل خلاص شعبك وبلادك والمنطقة".
وعلق وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه) على قرار لجنة حقوق الإنسان في بيان جاء فيه: "منذ عدة أشهر والنظام السوري يمارس بحق شعبه القمع الوحشي الذي خلف أكثر من 3500 قتيل وعشرات الآلاف من المعتقلين الذين يمارس بحقهم التعذيب بصورة اعتيادية، هذا الوضع غير مقبول على الإطلاق".
وأضاف جوبيه أن "التصويت دليل على تحرك المجتمع الدولي لإدانة هذه الانتهاكات الخطيرة والمستمرة لحقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري، ليطلب الوقف الفوري للعنف ضد المدنيين، وليدعو سورية إلى إتاحة المجال للجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان للقيام بمهمتها على الأرض".
وفي نفس السياق، دعت فرنسا الثلاثاء سورية إلى استخلاص العبر من إدانة لجنة حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة حملة القمع التي يشنها النظام السوري، وقالت إن فرنسا، التي تسعى منذ أشهر لاستصدار قرار يدين سورية في مجلس الأمن الدولي، توجه "دعوة مشددة إلى النظام السوري للإصغاء لرسالة الأمم المتحدة واعتبار ما يمكن أن يترتب عليها من عقبات. أمام الوضع الشديد الخطورة ستواصل فرنسا جهدها من أجل وقف انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات ضد المدنيين في سورية".
وفي رسالة واضحة إلى النظام السوري من عاصمتي أصدقائه في موسكو وبكين تلمحان فيهما إلى إمكانية تغيير موقفهما تجاه النظام السوري الذي لا يستمع إلى نصائح الأصدقاء ولا يفي بوعوده إليهم، امتنعتا عن التصويت على قرار الجمعية العامة، حتى لا يظن هذا النظام أن الفيتو الروسي والفيتو الصيني ملك يمينه تشهره موسكو وبكين لحمايته إلى ما لا نهاية، وتجنيبه أية عقوبات من المجتمع الدولي كما فعلت في مواجهة قرار لمجلس الأمن الدولي يدين حملة القمع في سورية منذ آذار الماضي والتي تقول الأمم المتحدة إنها خلفت أكثر من 3500 قتيل.
وبالتوازي مع إعلان قرار لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة في إدانة النظام السوري أعلن المجلس الوطني السوري الذي يضم معظم تيارات المعارضة في بيان أنه "يجري مشاورات موسعة مع عدد من الشخصيات والقوى السياسية السورية بهدف الإعداد للمرحلة الانتقالية وفق ما نصت عليه مبادرة جامعة الدول العربية".
واتفق مسؤولون في المجلس الوطني مع "عدد من الشخصيات الوطنية ومسؤولي قوى سياسية وناشطين من الحراك الثوري في القاهرة" على "تشكيل لجنة تحضيرية تضم ممثلين عن قوى سياسية وشخصيات مستقلة تتولى الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني سوري يشرف على الإعداد للمرحلة الانتقالية برعاية الجامعة العربية".
وعلى صعيد العقوبات الاقتصادية المتوقعة من الجامعة العربية بعد أن تجاهل نظام دمشق المهلة التي وجهت إليه لإنهاء العنف الدموي، من المتوقع أن تعلن الجامعة العربية في اجتماع الخميس عقوبات اقتصادية على سورية بعد أن علقت عضويتها،
فقد أعلن محمد التويجري الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في جامعة الدول العربية مجموعة من التدابير التي قد تخنق البلاد، وقال إن هذه العقوبات تشمل "السفر، والتحويلات المصرفية، وتجميد الأموال في الدول العربية، وإيقاف المشاريع القائمة في سورية والمشاريع المشتركة، والتعاملات التجارية، وتعليق عضوية دمشق في منطقة التجارة العربية الحرة"، وكشف الأمين العام المساعد أن "اجتماعاً استثنائياً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي سيعقد خلال الأيام المقبلة من المحتمل أن يكون في القاهرة، لإقرار العقوبات الاقتصادية على النظام السوري". وقال إنه يجري العمل بحيث "لا تطول العقوبات الاقتصادية الشعب السوري".
وعلق أحد أبواق النظام السوري على فرض مثل هذه العقوبات قائلاً: "نحن نعرف كيفية التعامل في الشدائد كوننا نعاني منذ سنوات من العقوبات"، وقال "إن كانت روسيا حصننا السياسي فإن العراق ولبنان وإيران هم أوكسجيننا الاقتصادي".
وجاء الرد الهمجي من قبل النظام على قرار لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة التي أدانت قمعه للمتظاهرين السلميين سريعاً على يد الكلاب المسعورة والذئاب الكاسرة والضباع الجائعة التي أطلقها من عقالها، لتقطّع أوصال المدن وتحاصر أحياءها، وتستبيح البيوت وتنتهك الحرمات وتقتل ما يزيد على ثلاثين مدني من بينهم أطفال ونساء وشيوخ، وتدك المدن بمدفعية دباباتها لتسقط المنازل على رؤوس ساكنيها بعد قطع الماء والغذاء والدواء والاتصالات عنها.
آن للعالم أن يتخذ قراراً سريعاً في مواجهة هذا النظام القمعي البشع الذي ما سبقه إلى همجيته أي نظام استبدادي في أي بقعة من عالمنا، فقد فاقت فعاله ما كان يجري في أقبية محاكم التفتيش وزنازين السجون النازية والفاشية.. آن لهذا العالم أن يتخذ قراراً سريعاً ينهي هذه المأساة الفظيعة وتضع حداً لآلة القتل الفتاكة، التي تحصد أرواح السوريين كل يوم منذ أكثر من ثمانية أشهر، وإلا فالتاريخ سيذكر بحروف سوداء قانية سفر حكومات هذه الدول التي تتحكم بهذا العالم الذي يدعي التحضر والمدنية.

CONVERSATION

0 comments: