بعيدا عن الضمانات الدولية التي وردت في اتفاقيات جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين , وبعيدا عن منح القوات الامريكية سكان اشرف موقع المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة , والتي بموجبها سلم الاشرفيون اسلحتهم للقوات الامريكية في العراق , مقابل تعهد هذه القوات حمايتهم ا في مخيمهم الكائن شمال شرق بغداد في محافظة ديالى . وبعيدا عن كل المطالبات العراقية من النواب ومن زعماء الكتل السياسية والكتاب , وبعيدا عن دعوات البرلمانات الدولية وبالذات الكونغرس ومجلس الشيوخ الامريكيين والبرلمان الاوروبي ومنظمة العفو الدولية والاتحاد الاوروبي , التي طالبت الحكومة العراقية الكف عن تهديد حياة الاشرفيين , وضمان حمايتهم ريثما يتم تقلهم الى بلد اخر خارج العراق . بعيدا عن كل هذا فان الحكومة العراقية المأتمرة بأوامر ملالي طهران ترفض السماح للاشرفيين المرضى والمصابين بالسفر خارج العراق, وترفض اي حل توافقي لانهاء الازمة .
علاوة على كل ما تقدم فان الولايات المتحدة الامريكية والامم المتحدة يتحملان مسئولية كبرى في عدم حماية سكان اشرف , ولاسيما بعد تخلي القوات الامريكية التي تحتل العراق عن مسئوليتها عن حماية اشرف وايكال المهمة الى القوات العراقية . ومنذ عام 2009 اوكلت هذه المهمة الى قوات خاصة تتبع مكتب المالكي مباشرة .وصار ملف اشرف من مهمات رئيس الحكومة والتنظيمات التابعة لايران وفي مقدمتها جيش القدس بزعامة علي سلماني , المتهم الثاني بعد خامنئي بمحاولة قتل السفير السعودي في واشنطن .والمطلوب مع المالكي من قبل المحكمة الاسبانية لضلوعهما بارتكاب المجزرة التي وقعت بحق سكان اشرف في نيسان من العام الجاري 2011 . وبناء على تأكيدات الخبراء القانونيين الدوليين البارزين، فان الولايات المتّحدة والأمم المتّحدة تتحملان المسؤولية عن حماية سكّان أشرف والصمت والتقاعس حيال النقل القسري لسكان أشرف يمهد الطريق لجريمة كبرى أخرى ضد الإنسانية يمكن التنبؤ بها في الوقت الحاضر .
منذ اسابيع وحكومة المالكي ترسم سيناريوهات اخراج الاشرفيين من مخيمهم ,ـ وقد فصلت ذلك في مقالتي قبل اسيوع , وخلاصتها ـ , اما اجبار الاشرفيين على الذهاب الى ايران , وهذا الاجراء يعني سوقهم الى مقصلة الاعدام على يد ملالي طهران الذين اعدموا الالوف من الايرانيين ومعظمهم من مجاهدي خلق . واما نقلهم عنوة الى اماكن متفرقة في محافظات العراق , او طردهم الى بلد ثالث فورا .
ولما كان السيناريو الثالث صعب التحقيق في مثل هذه المدة القصيرة , اذ لا توجد دولة في العالم تقبل لجؤ هذا العدد الكبير اليها دفعة واحدة , وعلى هذا الاساس فان السيناريو الثاني هو الحل الذي ستنفذه حكومة المالكي . ماذا يعني هذا الحل ؟
اذا كان الاجهاز على الاشرفيين في مخيمهم دفعة واحدة امام انظار الرأي العام العالمي صعب ويوقع حكومة المالكي في ازمة كبيرة هو في غنى عنها في مثل اوضاعه المعقدة في هذا الوقت بالذات , فان الاجهاز عليهم بالمفرق سيكون سهلا , وذلك ضمن النظرية المعروفة في علم النفس " تفريد الخصم " , اي عندما يتم تفريق الاشرفيين قسرا, ونقلهم الى اماكن بعيدة عن انظار الناس محافظات العراق, يسهل اغتيالهم وقتلهم بطرق متعددة , ولاسيما في ظل الهيمنة الايرانية على العراق حاليا ومستقبلا بعد انسحاب القوات الامريكية نهاية العام الجاري .
ان هذا الاصرار على نقل الاشرفيين الى اماكن متفرقة في العراق سبقه مفاوضات بين خامنئي وبين الزعماء العراقيين في المنطقة الخضراء , حسبما اوضحته رئيسة جمهورية ايران المنتخبة مريم رجوي , كالاتي :
1. اغلاق أشرف ونقل سكانه داخل العراق هو مطلب خامنئي الذي ظل مسؤولو النظام الإيراني يؤكدون عليه مرارا وتكرارا بعد نقل مسؤولية حماية أشرف من القوات الأمريكية إلى الحكومة العراقية.
2. في 5 يناير/كانون الثاني 2009 وفي لقاء جمع المالكي بخامنئي بطهران «تعهد المالكي غلق ملف مجاهدي خلق عبر جدول زمني قريب» كما وأن « رئيس الوزراء العراقي طمأن خامنئي على أن العراق سيتولى غلق ملف منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة بشكل نهائي في خلال جدول زمني عبر اتصالات دولية لتدبير انتقالهم الى دولة ثالثة في أقرب فرصة»(جريدة الزمان الدولية)
3. في 28 فبراير/شباط 2009 وفي لقاء جمع الرئيس العراقي بخامنئي في طهران طالب خامنئي الرئيس العراقي ورئيس الوزراء العراقي بتفعيل التوافق الثنائي لطرد المجاهدين من العراق (التلفزيون الحكومي للنظام الإيراني)
4. في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 «أكد رئيس الوزراء العراقي ورئيس البرلمان الإيراني ضرورة طرد المجاهدين من العراق وشدد الطرف العراقي على تخلص بلده من وجودهم» (وكالة «مهر» للأنباء التابعة للنظام الإيراني )
5. وفي لقاء يوم 23مارس/ آذار 2009 جمع المالكي بمسؤولين أمريكيين في بغداد عرض المالكي خطة نقل سكان أشرف داخل العراق (صحيفة الغاردين 15 كانون الأول/ديسمبر2010)
6. تبين رسالة السفارة العراقية للبرلمان الأروبي بوضوح أن المهلة الزمنية في نهاية 2011 وإبادة سكان أشرف غير المسلحين والعزل هي مملاة من قبل النظام الإيراني بحيث تم التصريح في هذه الوثيقة :
- "إن وجود هذه المنظمة باية حال يثير المشاكل مع ايران".
- "إن وجود هذه المنظمة في العراق يعتبر تهديدا لأمن الدول المجاورة"
- ان "العراق، يريد بناء علاقات سلمية مع الدول المجاورة له (ايران)".
7. وفي تحدٍ سافر للقوانين الدولية والبيان الصادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في 13سبتمبر/أيلول 2011 حيث أعلنت المفوضية سكان أشرف لاجئين خاضعين تحت قانون الحماية الدولية , تصرح الحكومة العراقية في هذه الوثيقة بأنها لاتعتبر موقعا قانونيا لسكان أشرف ولاتعترف بهم لاجئين ولا اشخاصا محميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة ...
كيف ستتعامل حكومة اقدمت على مجزرة سكان أشرف في يوليو/تموز 2009 وأبريل / نيسان 2011 ومسؤولوها الكبار ومنهم رئيس الوزراء نفسه هم مطلوبون من قبل المحكمة الإسبانية بتهمة جريمة حرب والجريمة ضد الإنسانية وماذا ستفعل الآن بأشخاص «بلا موقع قانوني» وهم محبوسون في قواعد عسكرية متفرقة داخل العراق ؟
الحكومة التي نكثت تعهداتها ووعودها المكتوبة والشفهية للولايات المتحدة والأمم المتحدة كلها حول مراعاة التعامل الإنساني مع سكان اشرف هي غير جديرة بالثقة على الاطلاق وأن وعودها اليوم تأتي لامتصاص الضغوط الدولية وفتح الطريق أمام مذبحة مبرمجة وفقا للمهلة الزمنية.
8. في مفاوضات مطولة بين سكان أشرف وبين ممثلي الإدارة الأمريكية ومسؤولي الأمم المتحدة فلم يقدم الطرف الأمريكي ولا الأمم المتحدة أدنى ضمانات حول سكان أشرف بعد نقلهم داخل العراق. وعليه فان نقلهم القسري يعني الاستفراد بهم وهم متفرقين بعيدين عن الاعلام والراي العام الدولي .
9. إن اقحام فكرة النقل القسري يتنافي مع تأكيدات الأمين العام للأمم المتحدة في فقرة 66 من تقريره في 7 يوليو/تموزه 2011 الذي رفعه إلى مجلس الأمن الدولي والذي حث فيه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة المساعدة في دعم وتسهيل تنفيذ أي ترتيب بشأن أشرف يحظى بالقبول من حكومة العراق وسكان المخيم.
10. إن الخط الأحمر المبرر لسكان أشرف هو عدم الاستسلام للفاشية الدينية الحاكمة في إيران ولمطالبها الدنيئة والتمتع بأدنى ضمانات للحماية إلى أن ينتقل جميعهم الى دولة ثالثة.
11. أبدى سكان المخيم وخلال الأشهر الماضية أعلى الدرجة من المرونة حيث أنهم قبلوا في شهر أيار/ مايو ورقة عمل البرلمان الأروبي لنقلهم الى دول ثالثة وتخلوا عن حقوقهم القانونية للإقامة في مكان يعيشون فيه منذ 25 عاما.
12. وفي شهر آب/أغسطس الماضي 2011 ورغم أن ظروف أشرف الطارئة وخلفيتهم في اللجوء والاقامة لمدة 25 سنة في العراق كانت تستدعي اعادة تأييد عاجل لموقعهم القانوني في اللجوء بصورة جماعية الا أنهم قبلوا موقف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ورفعوا مطالب انفرادية للجوء الى المفوضية وابدوا استعدادهم لاجراء مقابلات انفرادية وشخصية.
13. إن سكان أشرف ولضمان الأمن وتسريع العملية في مجال المقابلات وبمثابة حل عملي لتنفيذها حيث ينطبق والتعليمات المعمول بها في المفوضية تقدموا بمقترح يتمثل في أن يتم فصل جزء من أشرف بشكل كامل واخضاعه للأمم المتحدة كي يرفع فيه علم الأمم المتحدة الى جانب أنهم أعلنوا استعدادهم لاجراء المقابلات في أي نقطة تعتبرها المفوضية ملائمة , شريط أن يتم توفير حمايتهم وفقا للمعايير المتبعة في الأمم المتحدة ولموظفيها بعيدا عن أي تدخل من قبل القوات العراقية , مع ضمان اعادة طالبي اللجوء الى أشرف وذلك تجنبا من تكرار التجارب الماضية في الخطف وأخذ الرهائن والتفخيخ والقتل والاغتيال.
14. وتزامنا مع ذلك ركزت المقاومة الإيرانية جميع جهدها على نقل سكان أشرف خاصة المرضى والمصابين منهم إلى خارج العراق وتناقش هذا الموضوع في كثير من الدول الأوربية وسائر البلدان وتحملت تكاليف باهضة في هذا الخصوص إلى الآن. ولكن رغم ذلك فان الحكومة العراقية تواصل عرقلة عملية تحديد هوية سكان اشرف من قبل المفوضية , مما يكشف وجود نوايا مشؤومة واجرامية تضمرها الحكومة العراقية ارضاء لملالي إيران.
15. لقد سعت الحكومة العراقية ومن خلال حملات تشويه وتضليل ومعلومات كاذبة إلى فرض خططها الاجرامية على الولايات المتحدة والأمم المتحدة وخاصة السيد كوبلر الممثل الجديد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق في محاولة للخداع للإيحاء بأن النقل القسري داخل العراق يعد حلا سلميا للملف. وعلى الصعيد نفسه أبلغتهم الحكومة العراقية أنه لو قام عدد كبير من سكان اشرف بمغادرة المخيم حتى نهاية العام الجاري يمكن للحكومة أن تعيد النظر في المهلة الزمينة ! بينما وفي الوقت نفسه تصر الحكومة على تقديم المفوضية خطة و جدولا زمنيا مقنعا لنقل سكان أشرف من العراق قبل أن تسمح للمفوضية بمباشرة واجباتها القانونية المعروفة، الأمر الذي هو يمثل طلباً تعجيزياً أمام المفوضية وصلاحياتها.
16. لذلك ما أقدمت عليه الحكومة العراقية الى اليوم ليس إلا لعبة وسيناريو معروف النوايا من قبل نظام الملالي والتمهيد للمزيد من العنف وسفك الدماء .
هذه الحقائق تؤكد بما لايقبل الشك ان نظام الملالي وحكومة المالكي سينفذان جريمة جديدة ضد الاشرفيين , تحت علم وسمع الولايات المتحدة والامم المتحدة ومنظات حقوق الانسان العربية والعالمية . وهي جريمة سوف تقود الى عواقب وخيمة في المدى القريب . فمن سيتحمل هذه العواقب غير الشعب العراقي الذي ليس له في هذا الموضع لاناقة ولا جمل, الا ارضاء ملالي طهران وتنفيذ اجندتهم في المحيط العربي .
* رئيس لجنة الاعلاميين والكتاب العرب دفاعا عن أشرف
arab.journalists.ashraf@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق