المبادرة العربيّة تجاه سوريّة..."خنجر ذو نصلين"/ النائب المحامي سعيد نفاع

المبادرة العربيّة تجاه سوريّة بدأت كما يقال ب"الرجل الشمال" بغض النظر إن خرجت إلى حيّز التنفيذ أو لم تخرج، ففيها تهديد مبطّن من ناحية ومن الأخرى تتجاهل سقوط مئات القتلى من قوات الأمن والجيش السوريّ، أكثر أو ما يقارب ما سقط في معركة جبل الشيخ في حرب تشرين 1973، ممّا يجعلها تماما كما قال مندوب سوريّة الدائم في الجامعة، مبادرة تنظر بعين واحدة على الحدث السوريّ، وأنا أضيف ب"عين" صهيوناتويّة.
لا يمكن الخوض في تناول المبادرة التي خرجت بها الجامعة العربيّة دون الرجوع إلى بعض التطورات والتحركّات والتصريحات التي شهدتها الساحة الشرق أوسطيّة عشيّة التئام الجامعة ومنها على الأقل، التطورات على الساحة الليبيّة، تحرّكات "الأمير آل- ثاني" لإيران، زيارة المبعوث الروسي المزمعة لسوريّة وتصريحات الرئيس السوري للفضائيّة السوريّة والسيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير في يوم القدس.
الرئيس السوريّ بدا في المقابلة هادئا وحازما لجهة رفض أي تدخل في الشأن السوريّ الداخلي ولو من باب إعطاء الوعظ، ولجهة التحذير من أي تدخل عسكريّ في سوريّة. لا نعرف ولكن نستطيع أن نتصور أن "آل- ثاني الأمير" سمع من إيران ما يجب أن يسمع وبمعزل عن ما أُعلن على لسان وزير الخارجيّة الإيراني من تمني على القيادة السوريّة الأخذ ب"مطالب الشعب"، وعن ما أعلن على لسان قائد عسكريّ إيرانيّ رفيع المستوى تزامنا: "يريدوها حربا فلتكن حربا".
السيّد حسن نصرالله في خطابه بمناسبة يوم القدس، لم يترك مجالا للاجتهادات فأعلنها صراحة أنه لولا سوريّة لما حقّقت المقاومة ما حققت لا في العام 2000 ولا في العام 2006، مضيفا ما معناه أن سلامة المنطقة من سلامة سوريّة وخراب سوريّة فيه خراب المنطقة أو في كلماته بتصرّف: أي تطور إيجابيّ في سوريّة سينعكس على المنطقة برمتها وكذا أي تطور سلبيّ.
سبق ذلك تطور بقي نوعا ما في الظل ألا وهو إعلان إسرائيل قطع العلاقات "الدبلوماسيّة" وإن لم تكن على مستوى سفارة، مع قطر لدعمها لحماس والمطلب الفلسطيني للاعتراف الأمميّ، ليعود الناطق باسم وزارة الخارجيّة وليعلن أن قطر هي من بادر إلى ذلك (!). هذا الخلاف بين "توأميّ" أميركا وبالذات الآن، هو محاولة تبييض صفحة قطر الأداة النشطة للغرب، خصوصا إذا عطفنا ذلك على تصريح "الوزير آل- ثاني" اللافت حول أنّ سوريّة دولة مركزيّة وشقيقة وعلينا أن نذكر أن لها حدودا مع إسرائيل (!).
وإذا عطفنا على كل ما جاء، الموقفَ الإسرائيلي المعبّر عنه في تصريح رئيس الموساد السابق مئير داجان وفي ورقة العمل المتطابقة ل"المعهد الأورشليمي للسياسات الخارجيّة" المعدّة على يد البروفيسور أيال زيسر أهم الخبراء الإسرائيليين في الشأن السوريّ، وفي تصريحات وزير الدفاع أيهود باراك القديمة- الحديثة، الموقف القائل: أن سوريّة من دون الأسد ونظامه أفضل لإسرائيل لأن سوريّة مع الأسد قويّة والخصم الأساس لإسرائيل وبهذا فهي العائق أمام الهيمنة الإسرائيليّة بتحالفها مع إيران وحزب الله، أما سوريّة مع المعارضة وبقيادة الأخوان المسلمين فهي أضعف وغربيّة التوجهات وهذا أفضل لإسرائيل.
عطف كل هذه الأمور على بعضها وربطها فيما يدور في الكواليس ولا نعرفه ولكن بالمنطق البسيط نستطيع أن نتخيّله، وإضافة كثير ممّا هو معروف كالموقف التركي "المستضبع" أمام إسرائيل والغرب و"المستأسد" على سوريّة وغيره، عطفها على بعض وربطها يوصلانا إلى أنّ اتخاذ الجامعة العربيّة مبادرة تجاه سوريّة الأمر الذي لم يحصل مع ليبيا، وحتّى وإن كنّا لا نعرف كنهها يوصلنا إلى أن هذه المبادرة تحمل في طيّاتها "خنجرا ذا نصلين".
هذه المبادرة يمكن أن تُقرأ على أنها "براء ذمّة" تجاه سوريّة مما يعرفه بعض أصحابها، بمعنى أن هنالك أمرا خطيرا مخبأ لسوريّة وهم شركاء فيه ويتوّخون أن يحموا أقفيتهم خوف أن يطالهم مكروه إن طال سوريّة مكروه. فهم ومن ورائهم حلف الناتو وربيبته إسرائيل يعرفون أن سوريّة ليست فعلا لا تونس ولا مصر ولا ليبيا وعلى الأقل لناحية الإجماع الذي عمّ العرب والمسلمين ولو متأخرا عند بعض الحكّام والعالم دعما للثورات فيها ورغم دور الناتو الدنس في ليبيا، فلن يحظى أي عدوان على سوريّة بدعم إجماعيّ عربيّ إسلاميّ على الأقل ولا يستهينَنّ أحد بتداعيات ذلك منطقيّا وعالميّا ولن يكونَنّ أحد في منأى.
يُمكن أن تُقرأ كذلك على أنها فعلا وعلى الأقل لدى البعض، ولو كان الأمين العام للجامعة جهة مقررة لقلنا عنده، أنها من باب "حسن نيّة" تجاه سوريّة وهذا سيثبته كنهها، فإن كانت دعما لمسيرة الإصلاح أو حتّى تحمل اقتراحات جديدة للإصلاح وفيها منح غطاء للمعارضين السوريّين الوطنيّين للمشاركة في طاولة الحوار لإغناء مسيرة الإصلاح ووضع آليّة للإسراع فيها حفاظا على دماء السوريّين مواطنين وقوى أمن، إن كانت كذلك وبغض النظر عن دوافعها يمكن أن تعتبر حينها أنها من باب "حسن النيّة".
من نافل القول أن الأيام القريبة ستكشف ذلك، وبغض النظر إن كانت المبادرة من باب "براء الذمّة" أو "حسن النيّة" فهي "خنجر ذو نصلين" يمكن أن ينغرسا في خاصرة سوريّة ولكنهما حتما سيرتدان إلى نحور القابضين على مقبض الخنجر وبالذات تلك التي لها حدود مشتركة مع سوريّة كتصريح "الشقيق الوزير آل- ثاني".
ملاحظة: تستطيع أيها القاريء أن تتهمني أنني عدوّ الحريّة وحقوق الإنسان ووو...، ولكنيّ حين أرى على الأقل، الساسة الإسرائيليين "يفركون أياديهم بهناء" بحكم موقعيّ الذي لا أُحسد عليه، ولسان حالهم يقول "يوق فلسطين"، أصير أفهم معاني الحريّة بشكل آخر !
/ أواخر آب/2011
saidnaffaa@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: