بات النظام السوري منتوف الريش يستعجل رصاصة الرحمة/ محمد فاروق الإمام

اعتاد الناس في سورية منذ 18 من آذار 2011 على التظاهر باحتجاجات سلمية مطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية، وقيام الدولة المدنية التي يتساوى فيها الناس على أساس هوية المواطنة التي لا تقصي أحد لا لعرقه ولا لدينه ولا لطائفته ولا لمذهبه أو معتقده.
هذه الاحتجاجات السلمية أرقت النظام وأرعبته.. وهو الذي وضع رأسه على وسادة من حرير لنحو نصف قرن لا يداعب مخيلته إلا الأحلام اللذيذة الوردية حيث حوك المؤامرات وصفقات المال وعلو كعب الجاه وتسبيح جيوش المطبلين والمزمرين والهتافين بحياته يرددون ما يرى وما يختار لهم من شعارات، ولعل صورة سلطان الطرب (جورج وسوف) وهو يجثو على أقدام سلطان المال رامي مخلوف ابن خال السيد الرئيس، والهستيريا التي أصابت الممثلة اللعوب (رغدة) على خشبة المسرح وهي تهتف لبشار الأسد أصدق تعبير عما وصلت إليه جوقة الحكم في سورية وما امتلكت من ترف وصولجان ما سبقها إليه أحد في بلداننا العربية في مقابل تفقير الشعب وتجويعه وتجهيله وقمعه، حتى باتت تناطح قصص ترفه وصولجانه - في خرافتها - قصص علي بابا والأربعين حرامي وعلي الزيبق وألف ليلة وليلة.
ولم يعرف هذا النظام أن دوام الحال من المحال.. وأن سياج الأمن التي أقامه من حوله لن يصمد إلى الأبد في حمايته والمنافحة دونه مهما أكسبه من ميزات وأغدق عليه من منح وعطايا وأموال فلكل أمر بداية ونهاية، وأن حبل الفساد كحبل الكذب قصير ونهايته وخيمة مهما طال الزمان أو قصر، وقديماً قال الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي:
لــــكـــــل شـــــــــيءٍ إذا مـــــــــا تـــــــــم نـــقـــصـــان = فـــــــلا يُـــغــــرُّ بــطـــيـــب الــعـــيـــش إنــــســــانُ
هــــــــي الأمــــــــورُ كــــمـــــا شــاهــدتــهـــا دُولٌ = مَــــــــــن سَــــــــــرَّهُ زَمــــــــــنٌ ســـــاءَتـــــهُ أزمــــــــــانُ
وهـــــــذه الـــــــدار لا تُــبـــقـــي عــــلــــى أحــــــــد = ولا يــــــــدوم عــــلـــــى حـــــــــالٍ لــــهـــــا شـــــــــان
أيــن الـمـلـوك ذَوو التـيـجـان مـــن يـمــنٍ = وأيـــــــــــن مـــنــــهــــم أكــــالــــيــــلٌ وتــــيــــجــــانُ ؟
وأيــــــــــن مــــــــــا شــــــــــاده شــــــــــدَّادُ فــــــــــي إرمٍ = وأين ما ساسه فـي الفـرس ساسـانُ ؟
وأيـــــن مـــــا حـــــازه قـــــارون مـــــن ذهــــــب = وأيـــــــــــن عـــــــــــادٌ وشـــــــــــدادٌ وقــــحــــطــــانُ ؟
أتـــــى عــلـــى الـــكُـــل أمــــــر لا مَــــــرد لــــــه = حــتــى قَــضَــوا فــكــأن الــقــوم مــــا كــانــوا
هذا ما نشاهده في الحالة التي آل إليها النظام التونسي والنظام المصري اللذان يتجرعان اليوم من نفس الكأس التي سقيا منها التونسيين والمصريين لأكثر من ثلاثين عاماً، وكلنا سمع القاضي عندما صاح على حسني مبارك باسمه قال: (حاضر يا فندم). النظام السوري اهتزت أركانه وقد تحدت كبرياءه وصلفه وغروره مجموعة من المحتجين صعقته بهتافها (الله سورية حرية وبس) فانتفض كالملسوع يجرد في مواجهة هؤلاء المحتجين جيوش رجال الأمن والشبيحة الذين لم يتورعوا في قتل العديد من هؤلاء المحتجين وكان جُلهم من الأطفال، ظناً منه أنه بعمله هذا سيوقف الاحتجاج ويجفف منابعه بالضربة القاضية، فإذا به يفتح أبواب جهنم عليه وتندلع الاحتجاجات والمظاهرات في مجمل المدن والبلدات والقرى السورية حيث الشعب محتقن تتأجج في جوفه تراكمات السنين الطويلة وما كانت تحمله من عذابات وجراحات، ولم يتورع هذا النظام في حمأة انفعاله عن زج الجيش في تلك المعمة بكل ما يملك من آلة عسكرية جبارة متوحشة، راحت تحاصر المدن وتستبيح الحرمات والمقدسات دون أية خطوط حمر فكل ما هو أمامها من إنسان وحيوان وشجر وحجر هدف لنيرانها القاتلة الحارقة المدمرة.

ولم تقلل آلة القمع المدمرة من الزخم الشعبي وارتفاع معدلات المشاركة في التظاهر أفقياً وعمودياً وكماً وكيفاً حتى بات الشعب بأجساده العارية في مواجهة النظام وآلته القاتلة الحارقة المدمرة غير هياب بالنتائج وهتافه يعانق الجوزاء ويدق قبة السماء (شهداء بالملايين إلى الجنة رايحين).
خمسة أشهر كانت جُمَعُها كابوس على النظام (جمعة الحرية، جمعة الكرامة، جمعة الغضب، جمعة صالح العلي، جمعة العشائر، جمعة الله معنا، جمعة لا نركع إلا لله) أرقت هذه الجمع حياته وسودت أيامه، فراح يتخبط كالديك الذبيح دون أن يجد من يقف إلى جانبه، فقد تحلل عنه الأقرباء والأصدقاء والصامتين لحماقاته وسفاهاته وردات أفعاله التي كانت كلها تسير في غير صالحه، ففي أسبوع واحد راحت شظايا اللهب تتساقط عليه من كل حدب وصوب، من دول عربية كانت إلى الأمس القريب تصدّق دعاويه وافتراءاته وتغدق عليه المساعدات والأموال، ودول أجنبية وقفت إلى جانبه تؤيده وتؤازره وتحميه، تقصقص اليوم أجنحته وتقلم أظافره وتنزع أوراق التوت عن عوراته حتى بات وحيداً منتوف الريش مستسلماً لقدره ينتظر سكين الجزار ويستعجل رصاصة الرحمة.
قد يقول قائل إن ما تقوله هذيان وضرب من المحال فلا زال النظام يضرب بقوة ووحشية وهمجية ذات اليمين وذات الشمال ولا يتورع عن جز الرقاب وبتر الأطراف وبقر البطون واستهداف بيوت الله وإسقاط مآذنها، ودباباته ومدرعاته تجتاح البلاد طولاً وعرضاً تدك وتدمر وتستبيح وترفع الأعلام وصور الرئيس وشارات النصر، فكيف لمثل هذا النظام الذي يملك هذا الجيش القوي وهذه الألوف المؤلفة من رجال الأمن والشبيحة بات منتوف الريش يستعجل رصاصة الرحمة؟!
أقول هذه القوة وهذا العنف وهذا القمع هو مكمن ضعف النظام السوري وتهاويه وسقوطه، ولنا فيما حدث في الساعات الأخيرة لسقوط نظام حسني مبارك ونظامه المثل وشاهد العيان، حيث كنا نشاهد جيوش الأمن (ثلاثة ملايين عنصر) تضرب ذات اليمين وذات الشمال ومدرعات الأمن تدهس المتظاهرين بالعشرات في القاهرة والإسكندرية والسويس وبور سعيد وغيرها لنجد هذه الألوف المؤلفة كأنها (فص ملح ذاب) أو أشباح طواها الظلام.
وهذا ما سنراه قريباً وقريباً جداً في شامنا الحبيب، حيث ديك النظام منتوف الريش مستسلماً لقدره ينتظر رصاصة الرحمة التي ستأتيه من حيث لا يدري، وقد تكون من أخ أو قريب أو صديق أو معاهد أو حليف، فإنها رمية الله التي تنتظره (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).

CONVERSATION

0 comments: