إذا كان رب البيت بالكذب مولعاً!!/ محمد فاروق الإمام

عُيّر أحد وجوه العرب قديماً بسيرة ابنته فقال في ذلك شاعر العراق (سبط ابن التعاويزي):
وَقالوا اِستَبانَت يا اِبنَ عُروَةَ ابنَتُك فَقُلتُ لَهُم ما ذاكَ في حَقِّهِ نَقصُ
إِذا كانَ رَبُّ البَيتِ بِالدُفِّ مولِعاً فَشيمَةُ أَهلِ البَيتِ كُلِهِمِ الرَقصُ

قد يكون هناك بعض المبررات لكذب أبواق النظام السوري ورموز حكمه، ولكنني لا أجد ما يبرر كذب السيد الرئيس بشار الأسد لأهم هيئة عالمية ممثلة بشخص الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، الذي كان بالأمس القريب يحاول عبثاً أن يرد بشار الأسد على اتصالاته المتكررة قبل أيام، وإذ بنا نفاجأ أن هذا الرئيس الذي أدار ظهره لاتصالات بان كيمون يسارع للاتصال به ليؤكد له بانتهاء العمليات العسكرية في سورية وسحب الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية من المدن ووقف أعمال القمع بحق المتظاهرين السلميين، والبدء بتنفيذ الإصلاحات الجدية التي أعلن عنها في المراسيم والقوانين التي أطلقها، والسماح لمنظمات حقوق الإنسان والصليب الأحمر لزيارة المدن والمناطق السورية بكل شفافية دون أي تدخل من قبل السلطات الأمنية أو إعاقة تحركها وتنقلها.
لقد جاءت تأكيدات السيد الرئيس للأمين العام للأمم المتحدة بوقف أعمال القمع وسحب القوات العسكرية من المدن قبيل عقد مجلس الأمن لجلسته التي سيناقش فيها تقريراً لمنظمة حقوق الإنسان حول أعمال العنف في سورية التي – بحسب المنظمة – ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، بهدف دفع مؤيدي النظام في مجلس الأمن لتمييع هذه المناقشات ورفض أي تشدد تجاه النظام السوري أو إصدار أي قرارات تحمل بين ثناياها أية عقوبات بحقه، لكسب مزيد من الوقت لمتابعة مسلسل القمع الدموي البشع بحق الشعب السوري الذي بات يقف كله في خندق واحد وراء الثورة المنادية بإسقاط النظام ورحيل بشار الأسد.
العالم إلى وقت قريب كان يقف على مسافة واحدة بين النظام والثائرين عليه تاركين شعرة معاوية قائمة بينه وبين النظام على أمل أن يغير هذا النظام من سلوكه ويبدأ بإصلاحات تدريجية تنتهي إلى الديمقراطية آخر المطاف، ولكن هذا العالم يئس من كذب هذا النظام وخداعه وهو يشاهد يومياً مسلسل القمع الدموي الذي يجابه به المتظاهرين السلميين الذي لم يُشاهد مثيلاً له منذ عقود، وكان في مقدمة هؤلاء أصدقاء النظام وحلفائه والذين ليست من مصلحتهم سقوطه ورحيله، وكان لابد للعالم أن يتحرك ويفعل شيئاً من منطلق أخلاقي لوقف شلالات الدم التي باتت مشاهدها تقزز النفس وتهز الضمائر وتجرح المشاعر، فبادرت دول الخليج بالتنديد بقمع النظام السوري وسحب السفراء من دمشق للتشاور، ومطالبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا والعديد من الدول – بعد تردد وتقديم العديد من الفرص ليغير هذا النظام من سلوكه – برحيل الأسد وتنحيه عن منصبه، كما فرضت الولايات المتحدة مزيداً من العقوبات الاقتصادية على النظام (حظر الواردات الأمريكية من النفط السوري ومنتجاته، ومنع الأمريكيين من التجارة بهذه المنتجات) وصفتها هلري كلينتون بأنها ستضرب قلب النظام.
ومع أن الأسد في موقف لا يُحسد عليه، فلا يزال رافضاً للتنازل ولو قليلاً عن همجيّته وأكاذيبه. فبينما كان يعلن انتهاء العمليّات العسكريّة في البلاد كانت قواته تُطوّق وتقتحم عدّة مدن في أنحاء سورية، بما فيها مدينة حلب التي كانت إلى الأمس القريب تعتبر إحدى معاقل النظام ومؤيديه، حيث قامت عصاباته بشنّ حملة مداهمات واعتقالات وترويع لسكان العديد من أحيائها التي خرجت عن صمتها وأعلنت انضمامها إلى الثورة. واللاذقيّة التي ما زالت تتعرّض للحصار وإطلاق الرصاص على المدنيّين والاعتقالات العشوائيّة في العديد من أحيائها. وظهرت تقارير تُفيد بأنّ أعداد المعتقلين في المدينة الرياضية بالآلاف وليس بالمئات. ويقول شهود عيان أنَّ الجيش يقوم بسحب وتحضير جميع الجثث لعدسات تلفزيون الدنيا والتلفزيون السوري للتصوير. أمّا في حمص فقد قامت قوّات الأسد بإطلاق النار على المتظاهرين ومداهمة منازلهم في القصير وباب السباع وحي الخضر والوعر ودير بعلبة وباب الدريب وجب الجندلي والقريتين. ولم تسلم مدينة الرستن من قمع هذا النظام حيث سقط فيها سبعة قتلى من عائلة واحدة.
القمع الوحشي المتصاعد دفع المواطنين إلى المزيد من التحدي والتظاهر والمشاركة في الاحتجاجات بأعداد كبيرة، وخاصة في مدينة دمشق العاصمة، حيثُ تظاهرت منطقة القصور لأوّل مرة. أمّا كفرسوسة فلا زالت تتعرّض لحملة اعتقالات عشوائيّة منذ الأمس بعد المظاهرات. وتقوم قوّات الأسد بتمشيط طريق المتحلق الجنوبي واعتقال كافّة الشباب في العشرينيّات من عمرهم بعد الاعتداء عليهم علناً. وخرجت مظاهرة في شارع ميسلون في اللاذقيّة على الرغم من الحملة الوحشيّة التي تتعرّض لها المدينة، وكذلك في حماة على الرغم من التهديدات بتكرار الحملة العسكريّة التي تعرّضت لها.
وفي شأن آخر، خرج العديد من المتظاهرين بلافتات تعتذر للشعب الفلسطيني من المجازر التي ترتكب بحقّه الآن في مخيّم الرمل في اللاذقيّة، بعضها قالت "أنا آسف فالأسد لا يفرق بين الأهل والضيوف". تاجَرَ آل الأسد بالقضيّة الفلسطينيّة على مرّ عصور، واليوم ظهر دليل يفيد بأنّ "الممانعة" كانت فقط من أجل إضفاء طابع الشرعيّة على هذا النظام المنافق الكاذب.
يتوهم هذا النظام أن كذبه سينطلي على العالم ويغتنم المزيد من الفرص ليوغل بقمع الثائرين ويسفك المزيد من دمائهم، علّه يجرهم إلى ما يهدف إليه من قيام فتنة طائفية أو تدخل عسكري، ولكن ظنه خاب ومخططاته الشيطانية أفشلها شباب الثورة بوعيهم الوطني وحسهم القومي فلا مكانة أو فسحة في عقولهم لترويج الطائفية أو الحلول عن طريق التدخل العسكري الأجنبي، وهم مصممون على سلمية الثورة حتى إسقاط هذا النظام، غير آبهين بالثمن الذي سيدفعونه وبأعداد الضحايا مهما بلغت وبحجم المعاناة وعظمها فالحرية مهرها غال وهم مصممين على دفع هذا المهر!!

CONVERSATION

0 comments: