إسرائيل تمارس سياسة استعمارية تحميها أنظمة عنصرية/ تيسير خالد

عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

جون دوغارد شخصية دولية لامعة برز دورها في فترات النضال ضد نظام الفصل العنصري البائد في جنوب إفريقيا وذاع صيتها في المنطقة بعد أن شغل في الفترة بين 2001- 2008 منصب المقرر الخاص للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمعنية بمراقبة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة .
من رحم المعاناة والتجربة في بلاده ، جنوب إفريقيا ، جاء لمتابعة ومراقبة حقوق الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي ، وسرعان ما اكتشف أن نظام الفصل العنصري ، الذي تطبقه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان حزيران 1967 أكثر قسوة ووحشية من ذلك النظام ، الذي كانت تطبقه سلطة البيض في بلاده .
كتب في أكثر من مناسبة يقول :"بصفتي ناشط سابق ضد نظام الابارتهايد الذي ساد في جنوب إفريقيا ، وأقوم بزيارات منتظمة لفلسطين بهدف تقييم حالة حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، فان المقارنة بين حالتي فلسطين وجنوب إفريقيا العنصرية تجذب اهتماما خاصا بالنسبة لي " .
كثيرة هي الشواهد ، رغم اختلاف الظروف وسياقاتها بين فلسطين وجنوب إفريقيا العنصرية ، التي أماط عنها جون دوغارد ، وغيره من المبعوثين الدوليين والسياسيين ورجال القانون الأجانب ، اللثام في وصف وحشية النظام العنصري . الذي تواصل إسرائيل بناءه في الأراضي الفلسطينية المحتلة . ولست هنا في سياق استعراض أوجه الشبه بين الحالتين ، بقدر ما أود التركيز في هذا السياق على مسألة غاية في الأهمية تناولها البروفيسور جون دوغارد في التقرير ، الذي قدمه الى مجلس حقوق الإنسان في كانون الثاني 2007 بصفته مقررا خاصا للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 ، وهي مسالة تستحق كل الاهتمام ونحن نتوجه الى الأمم المتحدة في أيلول القادم ندعوها الى الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، بما فيها القدس العربية .
فقد أثار البروفيسور دوغارد المسألة على النحو التالي ، من الواضح ان إسرائيل تمارس الاحتلال العسكري في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وفي ذات الوقت فان هذا الاحتلال ينطوي على أشكال من الاستعمار والفصل العنصري ، التي تخالف القانون الدولي .
وحتى هذه اللحظة ، فان الجانب الفلسطيني ، كما الجانب العربي ، لم يعط هذا الرأي الأهمية ، التي تستحق ، ولم يجعله في بؤرة تركيز العلاقة بين احتلال عسكري يتواصل منذ العام 1967 وبين نظام استعماري تقيمه إسرائيل وتحميه بأنظمة فصل عنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة . لا شك أن الفرق كبير بين الاحتلال العسكري وبين احتلال استعماري تحميه أنظمة فصل عنصري , كلا الاحتلالين يتعارض مع القانون الدولي ، بل يتفاوت موقف القانون الدولي من احتلال عسكري نتج عن نزاع مسلح وبين احتلال عسكري نتج هو الآخر عن نزاع مسلح ولكنه تحول الى احتلال استعماري .
كثيرة هي النزاعات المسلحة بين الدول ، وكثيرا ما تنتهي هذه النزاعات المسلحة الى احتلال بلد لأراضي بلد آخر ، سواء في حروب صغيرة أو حروب إقليمية أو حروب كونية . فألمانيا كما اليابان خضعتا للاحتلال العسكري ، غير أن ذلك الاحتلال بقي حالة طارئة مؤقتة ، لم تصادر فيها الدول المنتصرة سيادة الدول المهزومة ، بقدر ما مارست الإدارة المؤقتة في الإقليم الخاضع للاحتلال المؤقت . كذلك هو الحال في كل من العراق وفي أفغانستان منذ الغزو الأميركي والأطلسي لهذين البلدين . مثل هذه الاحتلالات لم ترق وهي لا ترقى الى مرتبة الاستعمار ن بل تبقى حالة مؤقتة تزول بالتوصل الى اتفاق بين المتحاربين أو اتفاق بين القوة القائمة بالاحتلال والسلطة السياسية المعنية للإقليم المحتل .
غير أن الوضع يختلف جوهريا بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي ، فإسرائيل لا تتصرف باعتبارها قوة قائمة بالاحتلال تقع عليها مسؤولية الإدارة المؤقتة للإقليم الخاضع للاحتلال ، وهو في هذه الحالة الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزه ولم تعط الحد الأدنى من الاهتمام أو الاحترام لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وجميع وكالاتها ، بما فيها محكمة العدل الدولية في كل ما يتصل بوجودها وسياستها وإدارتها للمناطق المحتلة ، بل هي واصلت تحديها للشرعية الدولية والقانون الدولي من خلال الادعاء بأن هذه المناطق أراض متنازع عليها ، لا تنطبق عليها لوائح لاهاي لعام 1907 او اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 ، ولا ينطبق عليها قانون النزاعات المسلحة ، ولا حتى فتوى محكمة العدل الدولية . كما هو حال فتوى المحكمة ، التي صدرت في التاسع من تموز 2004 حول جدار الفصل العنصري .
إذن ، إسرائيل لا تتصرف كدولة احتلال بقدر ما تتصرف كدولة استعمارية في كل ما يتصل بوجودها على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 ، وترتكب من خلال ذلك انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وانتهاكات جسيمة كذلك لحقوق الإنسان الفلسطيني ، وخاصة حقه في تقرير المصير ، وتضع قيودا مشددة على هذا الحق من خلال مؤسسات سياسية واقتصادية تبنيها ومن خلال أوامر عسكرية ولوائح إدارية وأنظمة فصل عنصري ، وهذا ما يجب أن يكون واضحا في إدارة المعركة السياسية مع دولة إسرائيل ، التي لم تعد دولة قائمة بالاحتلال وحسب بل دولة تمارس الاستعمار ، وخاصة الاستعمار الاستيطاني بأبشع صورة ، الأمر الذي يجب ان يدفع الجانب الفلسطيني الى تذكير المجتمع الدولي ، بدءا باللجنة الرباعية الدولية ، مرورا بمجلس الأمن الدولي والجمعية العامة وانتهاء بجميع وكالات الأمم المتحدة " بإعلان منح الاستقلال للمستعمرات لعام 1960" وبالاتفاقية الدولية للقضاء على الاستعمار وجميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965 ".
لم يعد الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 ، مجرد احتلال عسكري ، فقد تحول الى مشروع استعماري كولونيالي – استيطاني منذ زمن ، أهدافه واضحة وهي السيطرة على الأراضي الفلسطينية وضمها الى اسرائيل ووضع القيود المشددة على حق الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في تقرير المصير ، وهو أمر يحظره القانون الدولي ويدعو الى مكافحته وتصفيته . فالاستيطان ، الذي تديره وتبنيه اسرائيل وخاصة في الضفة الغربية بما فيها القدس ، يشكل انتهاكا للقانون الدولي ، بل هو يندرج وفق الفقرة الثامنة من نظام روما لمحكمة الجنايات الدولية في عداد جرائم الحرب ، وكذلك هو الحال بالنسبة لجدار الفصل العنصري ، الذي تقيمه إسرائيل في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 ، وخاصة بعد فتوى محكمة العدل الدولية ، التي دعت إسرائيل الى وقف العمل بهذا المشروع الاستيطاني الاستعماري وهدم ما بنته منه وجبر الضرر ، الذي لحق بالمواطنين وبالمؤسسات والإدارات العامة الفلسطينية الرسمية منها والأهلية . فالجدار ، الذي يمتد لمسافة تتجاوز 700 كيلومترا على طول خط الهدنه وفي عمق أراضي الضفة الغربية مخصص لضم نحو 9.8 بالمئة من أراضي الضفة الغربية فضلاً عن انه يضع جميع أحواض المياه الفلسطينية ، باستثناء الحوض الشمالي الشرقي ، وهو الأقل أهمية ، تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة ، ويرسم مع الكتل الاستيطانية وما تسميه اسرائيل بالمجال الأمني الحيوي في الأغوار الفلسطينية صورة التسوية السياسية مع الجانب الفليسطيني .
هنا ليس من الحكمة في شئ أن يبقى الجانب الفلسطيني في إدارة المعركة السياسية مع اسرائيل يتحدث عن احتلال عسكري ، فقد تجاوز الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية حدود الاحتلال العسكري وتحول الى حالة استعمارية بكل المقاييس الدولية . قواعد القانون الدولي تحرم وتجرم هذا النوع من الاحتلال الاستعماري وتدعو الى تصفيته ، وهذه القواعد لها صفة قطعية ، أي أنها ملزمة للقوة القائمة بالاحتلال وملزمة للمجتمع الدولي ودوله ، التي عليها ان تتعاون من اجل وضع حد لهذا الاحتلال ، فضلاً عن عدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناشئ عنه وعدم تقديم العون والمساعدة للدولة ، التي تمارس هذا النمط من الاحتلال الاستعماري كدولة إسرائيل .
اتفاقيات اوسلو وتوابعها يجب ألا تشكل قيدا على الجانب الفلسطيني في إدارته لهذه المعركة السياسية مع دولة اسرائيل في جميع المحافل الدولية ، بدءا بالرباعية الدولية وانتهاء بالأمم المتحدة ومؤسساتها ووكالاتها ، لسبب بسيط ، وهو أن هذه الاتفاقيات بما فيها اتفاقية باريس الاقتصادية لعام 1994 مخالفة في جوهرها وتفاصيلها للقانون الدولي ، لأنها اتفاقيات كان هدف إسرائيل من ورائها إضفاء الشرعية على مشروعها الاستعماري الاستيطاني بموافقة فلسطينية . حتى اتفاقية باريس الاقتصادية تقع في تعارض وتناقض صارخين مع القانون الدولي وأحكامه القطعية ، لأنها اتفاقية مبنية على إلحاق وضم الأسواق الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني بالأسواق الإسرائيلية والاقتصاد الإسرائيلي من خلال وحدة جمركية تقع في تعارض وتناقض مع القانون الدولي ، فالوحدة الجمركية التي فرضتها إسرائيل على الجانب الفلسطيني من خلال هذه الاتفاقية هي بالقطع وفق القانون الدولي تدبير من تدابير الضم الملازم للحالة الاستعمارية الاستيطانية ، المفروضة على المناطق الفلسطينية .
وعلى كل حال ، فان سياسة دولة إسرائيل في علاقاتها مع الجانب الفلسطيني لا تقف عند هذه الحدود ، أي حدود الاحتلال الاستعماري ، بل تتجاوز ذلك باتجاه توفير الحماية لهذا الاحتلال بسلسلة من التدابير والإجراءات ، التي تنطوي على ملامح واضحة لنظام فصل عنصري ، تعكسه طبيعة التواجد الاستيطاني وامتداداته الجغرافية وطبيعة جدار الفصل العنصري وامتداداته كذلك ، وهي تدابير وإجراءات توفر لها إسرائيل غطاء شرعيا زائفا بقوانينها الخاصة ، التي تقع هي الأخرى في تعارض وتناقض مع القانون الدولي ، فإسرائيل تقيم نظام سيطرة على المناطق المحتلة وتمارس أفعالا غير إنسانية تندرج وفق أحكام " الاتفاقية الدولية حول الفصل العنصري " في إطار الجرائم بدءا من قمع المقاومة السلمية للاحتلال ونظام التحكم المرافق له والإعدام خارج نطاق القضاء والقانون وتعذيب الأسرى وحرمانهم من حقوقهم والاعتقال والحجز بصورة تعسفية ، بما في ذلك الاعتقالات الإدارية ، مرورا بمناطق العزل على امتداد الجدار وامتداد نهر الأردن والحواجز العسكرية والطرق الالتفافية والأنفاق والجسور وما يرافقها من أنظمة تفرض قيودا مشدده على حرية تنقل المواطنين والسلع بين المدن والقرى الفلسطينية ، وانتهاء بالنظام والقانون القضائي المزدوج ، الذي يخضع فيه الفلسطينيون لولاية المحاكم العسكرية الإسرائيلية بينما يخضع المستوطنون على نفس الأرض للقانون المدني الإسرائيلي.
نعود من جديد إلى جون دوغارد ، تلك الشخصية الدولية اللامعة ، فقد سبق ان قدم للجانب الفلسطيني ، في تقريره ، الذي اشرنا إليه ، النصيحة بالتعامل مع نظام الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي ، كما تعامل شعب جنوب إفريقيا مع نظام الفصل العنصري البائد في ذلك الوقت وفي ظني أن الوقت قد حان للاستفادة من التجربة ، تجربة جنوب افريقيا وتجربتنا نحن كذلك لخوض وإدارة المعركة السياسية مع دولة إسرائيل بأساليب وسياسة جديدة تقطع مع تلك السياسية ، التي مكنت إسرائيل من الإفلات من المحاسبة والمساءلة كدولة تمارس مع الشعب الفلسطيني سياسة استعمارية تحميها أنظمة عنصرية .

CONVERSATION

1 comments:

فلسطيني مظلوم ـ كندا يقول...

كلام رائع يا تيسير بك خالد