أيها الحقوقيون لا تقرأوا هذا المقال/ جوزيف أبو فاضل


يئن "وطن الدرر" وعاصمته بيروت "أم الشرائع" من الفلتان في الأمن والسياسة والإعلام.. ونكاد نقول إن كل شيء فاسد في لبنان، بما فيها مؤسسات الدولة، التي لا تمشي معاملة المواطنين فيها إلا بدفع الرشاوى، إلى حد وصل فيه الموظف يشترط الرشوة مسبقاً لوصول صاحب الحق إلى حقه، وهناك الكثير من هذه الأمثلة، لكن المجال لا يتسع..

وعليه، إن الرادع لكل هذا الفلتان دواء واحد هو: العدالة ثم العدالة ثم العدالة..

فبالأمس القريب تأمّل اللبنانيون أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ستصلح الأمور عبر بيان وزاري "طنان رنان"، حفظ مقولة "الجيش والشعب والمقاومة"، وهو ثالوث إيجابي وليس سلبياً إطلاقاً، تعوّد اللبنانيون عليه والمقيمون بطريقة شرعية وغير شرعية.


تهريب السلاح.. والمعركة الكلامية

كذلك ضجت البلاد بقضايا تهريب السلاح إلى سورية، وهو أمر متروك للمسؤولين السوريين كي يخرجوا بملفهم هذا إلى العلن، بعد أن خرج التلفزيون العربي السوري الرسمي باتهام النائب جمال الجراح منذ مدة، والمقرب من عبد الحليم خدام، بأنه وراء تهريب السلاح إلى سورية، وأنه ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الجراح نفى يومها هذا القول، إلى أن ظهر ملف آخر وهو تهريب السلاح إلى سورية عبر ثلاث شبان ينتمون إلى تيار المستقبل، أو مقربين منه، وذلك عبر يخت سياحي إلى بانياس، عبر مرفأ سوليدير؛ قرب سان جورج، وفـُتح السجال واسعاً في لبنان بين الأكثرية الجديدة والمعارضة الجديدة حول موضوع تهريب السلاح إلى سورية، واستمر النقاش الحاد بين الفريقين، مع الإشارة إلى أنه تم إلقاء القبض من قبل مخابرات الجيش اللبناني على هؤلاء الشبان في جريمة مشهودة، ينقلون السلاح بسياراتهم التي كانت تحوي أربعة رشاشات من صنع "كلاشنكوف" مع ذخائرها وبنادق أم 16 مع ذخائرها، بالإضافة إلى مادة الكوكايين، التي هي على حد علمنا محظورة في لبنان والعالم.

إذاً، الأسلحة كانت موجودة في سيارة وبداخلها شبان، وقد نقل إليها السلاح المذكور في منطقة "الخندق الغميق"، وليس في زورق في مرفأ سوليدير.


الضغوطات على القضاء.. تابع

بعد التحقيق معهم، وهم متلبسون بالجرم المشهود، وأثناء توقيفهم مدة أسبوعين، لم يبق أحد إلا وتدخّل في قضيتهم من المعارضة المستجدة، وأثناء مثولهم أمام القضاء العسكري من النيابة العامة العسكرية حتى قاضي التحقيق العسكري، وتحت ضغط سياسي معلوم على القضاء، وفي اتصال "حاسم جازم" حضر على أثره القضاء في إجازته، قاطعاً إجازة الراحة المعطاة له قانونياً، ليخلي سبيلهم بالقانون، وليتركهم بسندات إقامة قانونية، ويذهبون إلى منزلهم بقوة القانون، فأدهشوا من أوصلوهم إلى بيوتهم "القانون والقضاء والعدالة"، وارتاح القانون معهم بأن القانون لا يسري إلا على الضعفاء وعلى الذين يركب لهم الملفات في لبنان.

نحن لسنا ممن يريد لأحد أن يبقى في السجن إذا كان بريئاً، خصوصاً هؤلاء الشباب من تيار المستقبل، لكننا نستغلها فرصة لنطلب إخلاء سبيل جميع تجار المخدرات والمروجين والمتعاطين بها، وكذلك من يحمل السلاح من دون رخصة، ومن يحوز على السلاح دون رخصة، ومن يتاجر بالسلاح الحربي أسوة بالمخلى سبيلهم أو المتروكين تركاً مع الاعتذار الذي لحقهم إلى منزلهم.

لكن قضية تهريب السلاح إلى سورية قد حسمت تماماً على الشكل التالي:

أثناء زيارة الأستاذ إبراهيم عوض؛ نائب رئيس المجلس الوطني للإعلام، لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وأثناء الدردشة، أعلم قهوجي عوض بأن التحقيقات لدى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني وفي الشرطة العسكرية أثبتت أن هؤلاء لا يوجد لديهم دوافع سياسية وراء تهريب السلاح، حسب ما برز في التحقيقات.

ثم تناقلت بعض وسائل الإعلام الخبر اليقين بأن قائد الجيش العماد قهوجي قال: "لم يثبت لدى الجيش حتى الآن وجود دوافع سياسية وراء تهريب السلاح، وإن ما فعلته مخابرات الجيش توقيف المطلوبين بالجرم المشهود داخل سيارة محملة بالأسلحة ومخدرات، وأن هدف هؤلاء جني المال"، فيما معناه أنها تجارة أسلحة ومخدرات أو ربما تعاطي المخدرات..


كلام القائد.. قائد الكلام

إن هذا الكلام الذي خرج به قائد الجيش قطع الشك باليقين، باعتبار أننا اعتدنا في لبنان على أن كلام القائد هو قائد الكلام، وهذا الكلام فاجأ الكثيرين من قوى 8 آذار، التي كانت تعول على أنها ألقت القبض على عصابة لتهريب السلاح إلى سورية، فتهريب السلاح إلى سورية حاصل، وهذا أمر معلوم ومعروف، نفى من نفى، وأكد من أكد، لكن ردة الفعل كانت أيضاً من الجانب السوري غير الرسمي، والذين بدأوا يطلقون لمواقفهم العنان بعد كلام العماد قهوجي، حيث قالوا: "المهربون اللبنانيون يأخذون مازوتنا الرخيص الثمن ويجلبون لنا الأسلحة والمتفجرات والذخائر لخلخلة نظامنا ودولتنا وقتل جيشنا وشعبنا"!

أما قوى 14 آذار، فـ"هيصة وليصة" و"فرحة ومرحة"، على أن جماعتهم خرجوا من السجن أبرياء لا ذنب لهم.



قانون المخدرات

وهنا ومن باب الصدق، لا يمكن القول إلا إن هؤلاء خرجوا بضغط على القضاء، وبالقول المشهود أن لا دوافع سياسية لهم حتى الآن وراء تهريب السلاح إلى سورية.

لكن كلام قائد الجيش العماد جان قهوجي مدروس جداً حين قال: حتى الآن..

في حين أن المستغرب في الأمر، والذي يحيّر الألباب وأولي العقول بأن هؤلاء المخلى سبيلهم هم خاضعون لقانون المخدرات في مواده 125 و126 (..) وما يليهما من مواد، بحيث يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مليونين إلى خمسة ملايين ليرة كل من حاز أو أحرز أو اشترى كمية ضئيلة من مادة شديدة الخطورة، أو ثبت إدمانه ولم يتعالج..

ويتابع قانون المخدرات في المادة المذكورة أعلاه: يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبالغرامة من 25 مليون إلى 100 مليون ليرة لكل من أنتج، حضر، باع، زرع، تبادل، تنازل مجاناً عن مادة شديدة الخطورة، أي مثل الكوكايين الذي كان بحوزتهم.


بعد المخدرات.. الأسلحة والذخائر

وكذلك في قانون الأسلحة والذخائر، وفي الفصل السادس في العقوبات "في المادة 72 وما يليها" التي تنص: "من ستة أشهر حتى ثلاث سنوات سجناً على كل من خالف هذه المواد بحمله وحيازته ونقله الأسلحة بأي وسيلة كانت".

إن المراقبين من مختلف انتماءاتهم ومشاربهم وطوائفهم يسألون مجلس النواب والقضاء اللبناني، وجناحهم الآخر، أي نقابة المحامين في بيروت، وعلى رأسها نقيبة المحامين أمل فايز حداد، وكذلك نقابة المحامين في طرابلس، وعلى رأسها نقيب المحامين بسام الداية، أليس من الواجب أن يسري القانون على الجميع؟ فلا يلقى القبض على المخبر التابع لمخابرات الجيش الذي يقوم بمهامه، ويترك الجاني مهما يكون انتماؤه السياسي أو الطائفي، وكذلك يطالبون وزير العدل النقيب شكيب قرطباوي، أن يضم صوته إلى هذه الأصوات، وهو المحامي العليم بما يجب أن يقوم به في العدلية اليوم قبل الغد وهذه اللحظة قبل الدقيقة المقبلة، لأن العدالة في لبنان أصبحت مثل كذبة "راجح"، فهي في تدهور مستمر وليست المشكلة في اكتظاظ السجون، بل المشكلة بالقوانين، بحيث دخلنا في غابة من التشريع في المجلس التشريعي أي مجلس النواب، ووجب تقديم قوانين مقبولة سريعاً قبل انفلات الحبل على غاربه.

وبذلك تنتفي التهمة بأننا لا زلنا في عدالة، "ألقينا القبض على الجثة وفر القاتل".. فإما أن تقدموا العدالة السامية على نصوص القانون الجامد، وإلا.. فالسلام عليكم.


*كاتب السياسي
...

CONVERSATION

0 comments: