إن من يشاهد وحشية رجال الأمن والشبيحة وبعض عناصر الجيش السوري وهم يقمعون المتظاهرين السوريين السلميين ويسلخون جلودهم ويبقرون بطونهم ويقلعون عيونهم ويشوهون وجوههم ويقطعون أطرافهم بسادية فاقت ما كان يفعله الصرب العنصريين بأهل البوسنة والهرسك المسلمين، ومن يشاهد المآذن وهي تهوي في دير الزور بفعل قصف مدفعية الدبابات، ومن يرى المساجد في درعا وحماة واللاذقية وجبلة وبانياس وحمص وتل كلخ وجسر الشغور ومعرة النعمان وكفر نبل وتلبيسسة وغيرها وقد فتحت في جدرانها فوهات ودمر ما فيها من محتويات ومزق فيها القرآن وألقي به أرضاً، يحسب أن الصرب جاؤها من وراء البحار وفعلوا ما فعلوا تعبيراً عن حقد دفين وعنصرية مقيتة وسادية غالية.
المؤلم أن ما فعل كل هذه الجرائم أناس من أبناء جلدتنا ممن يشاركونا الوطن ويحملون هويته ويدعون أنهم حماة الديار والمشفقين على ساكنيها، وما هم إلا مجموعات من سفهاء الأمة تربوا على يد سفاح ورث العداء لهذا الوطن وأهله فتمكن من مشاعرهم وجوارحهم، بعد أن نزع من صدورهم ضمائرهم وأطفأ سُرج عقولهم، فصاروا كالبهائم الكاسرة والضباع الجائعة التي لا تتورع عن القتل والذبح والتمثيل كي ترضي السفاح وتشبع نهمه من أشلاء البشر، وتروي ظمأه من دماء أحرار الوطن، وهو يطلب المزيد والمزيد، وآلة القتل وسفك الدماء تتدحرج لا تتوقف عجلتها في طول البلاد وعرضها، طالما أن هناك وقود يحركها وبهيمي يقودها.
مناظر القتل بدم بارد، والتمثيل بالمقتولين والجرحى والمعتقلين، شيء تعافه النفس وتقصر العيون عن التحديق بها لبشاعتها، هي شريط يومي يشاهده العالم على شاشات الفضائيات العربية والعالمية في مقدمة أي نشرة من النشرات الإخبارية على مدار الساعة منذ خمسة أشهر، تعيد ذاكرتنا إلى ما كنا نشاهده على بعض هذه الفضائيات قبل عشرين سنة، عندما كان الصرب الساديون العنصريون يفعلون نفس الشيء بالمسلمين من أهل البوسنة والهرسك فيذبحون ويقتلون ويبقرون بطون الحبالى ويقطعون رؤوس الرجال ويسبون النساء وينتهكون الأعراض ويدفنون جثث ضحاياهم في مقابر جماعية كما يفعل صرب سورية اليوم، وكان لي شرف تدوين وتوثيق هذه الوقائع في كتاب نشر عام 1993 تحت عنوان (البوسنة والهرسك شلال دم يتدفق).
لقد كانت عدالة السماء بانتظار مجرمي حرب البوسنة والهرسك من الصرب الساديين العنصريين حتى بعد 15 سنة من تواريهم عن الأنظار وتمكنهم من الاختفاء، فقد كان آخر المطلوبين للعدالة القائد العسكري لصرب البوسنة الجنرال (راتكو ملاديتش)، وقد سبقه إلى زنازين العدالة رفيق دربه وشريكه في الجريمة الزعيم السياسي لصرب البوسنة (رادوفان كاراجيتش) وهما المسؤلان مسؤلية مباشرة عن قتل 8000 بوسني في مذبحة سربرينتسا الشهيرة، وحصار العاصمة البوسنية سراييفو لأربعة سنوات ذاق فيها السكان مرارة القصف والقنص والتجويع الذي أدى إلى مقتل 10000 من سكانها المدنيين الأبرياء، وألحق بالمدينة دماراً هائلاً في بنيتها التحتية وأبنيتها التاريخية لاسيما المساجد ودور العلم والطب والثقافة، كما يفعل صرب سورية اليوم بمعالم حضارة بلدنا وإرث تاريخها.
فإذا ما لاحقت عدالة السماء مجرمي حرب البوسنة والهرسك حتى وقعوا في شباكها، فإن هذه العدالة ستلاحق قادة صرب سورية الذين أمروا بالقتل والاعتقال والتدمير والتخريب والنهب والسرقة والسلب وانتهاك الأعراض والحرمات والمقدسات، ومحاصرة المدن وتقطيع أوصالها، ومنع وصول الدواء وحليب الأطفال والماء والغذاء إلى أهلها، وروعوا السكان وأجبروهم على ترك منازلهم والفرار إلى الدول المجاورة لينعموا فيها بالأمن والأمان الذي حرموا منه في أوطانهم.. ستلاحقهم هذه العدالة إلى أن يقعوا صاغرين في شباكها مهما طال بهم الزمان ويجرجروا إلى قفص الاتهام صغاراً أذلاء كما حدث في مصر، وسينادي كبير القضاة على كبيرهم فيجيبه بانكسار (حاضر سيدي).
عندها سيفرح السوريون بنصر الله وقد أذل الله الجبابرة والطغاة، وينسون سنين القهر وعذاباتها وجراحاتها، متطلعين إلى المستقبل بعيون ملؤها الأمل، تستشرف القابل من الأيام بكل حلاوة الحرية ولذة الكرامة ونعيم الديمقراطية.
0 comments:
إرسال تعليق