يوم الأسير وخزة ضمير/ سامي الأخرس

لم نعد نجيد البحث عن الإجابات بقدر إجادتنا لصياغة الأسئلة، ووضع علامات الاستفهام وتركها فضفاضة بحالة فراغية تتمحور بذهن القارئ، بما أن الإجابات لم تعد في الرؤوس الخاوية المغلقة، والقلوب الصماء التي لم تُبصر النور، وتباشير الحقيقة التي لم نعلم منها سوى كلمة صماء تتكون من عدة أحرف، فاستثنينا الإجابات عن مجموعة القضايا الأساسية في معركتنا المصيرية الأولى، ألَّا وهي تحرير الإنسان قبل تحرير الأرض، فمن يُعمر الأرض هو الإنسان، أما التراب بلا إنسان فهو صحراء لا حياة بها، وما أكثر صحاري هذه المعمورة غير المأهولة بالحياة، ولأن الإنسان باعث الحياة وشعلتها فالأساس حريته، قبل حرية الأرض.
من هنا لا بد أن نعيد صياغة فهمنا للحرية وإجاباتها، وإعادة الاعتبار لمن يستحقها فعلًا، ألَّا وهو الأسير الفلسطيني الذي لم يعد في ذهننا سوى عندما يخوض معركته منفردًا وحيدًا في معركة متشعبة، يواجه من خلالها عدة أعداء، الأخطر منهم التجاهل والإهمال من شعب مُدين للأسرى بكل شيء، ومن أسرى تم تحريرهم فألهتهم مصالحهم ونزوات القيادة والمنصب، وثورة لم تعد تملك الإجابات عن تحرير الأسرى.
السابع عشر من نيسان(ابريل) يوم الأسير الفلسطيني الذي يخوض في هذه المرحلة معركة العزل والقمع، من إدارة السجون الصهيونية الاحتلاليه التي تهدف إلى هدم الإرادة لجموع أسرانا، وهدم الأساس الثوري الذي رسخته السجون كأكاديمية ثورية أبدعت في فرض أدب السجون على المعترك الثقافي الفلسطيني، بل والعالمي أيضًا، والمدرسة النضالية الأساسية في البناء الثوري الحديث التي شكلت الرافد الحيوي للثورة الفلسطينية، والمسيرة الكفاحية البطولية لشعبنا الفلسطيني، وكذلك معركته ضد تجاهله وتعليبه وربطه بمصير مفاوضات لا نهاية لها، فأي مفاوضات مع مُحتل لا يمكن لها أن تبدأ إلَّا بتبادل الأسرى إلَّا المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية أجلت ذلك للنهاية خلافًا للأعراف الدولية والعالمية المتعارف عليها، وها هي المفاوضات منذ تسعة عشر عامًا لم تخرج عن طور البروتوكولات اللقائيه مخلفة آلاف الأسرى لمواجهة الموت البطء، والقمع الممارس ضدهم.
مع هذه المعطيات وأمام الصمت الشعبي والرسمي عن قضية الأسرى لم يعد أمامنا كفلسطينيين سوى الانتفاض في وجه هذا الجمود والبحث عن إجابات ومعطيات جديدة لنصرة أسرانا وتحريرهم، تخرج عن نطاق التقليدية وفوبيا الشعارات والتحركات الخجولة، فلن تجدي خيمة اعتصام أمام مقرات الصليب الأحمر، ولن تجدي مسيرات ينظمها كائنات الكاميرات ومحبي الإعلام، ولن تجدي كل المقالات والدراسات، كما لن تجدي جولات نشطاء وزارة الأسرى في العواصم الغربية، ولن تجدي ثرثرتنا عبر الصحف الالكترونية والورقية، وكذلك الدورات والمهرجانات الرياضية التي تنظمها جمعية الأسرى والمحررين لإحياء ذكرى ويوم الأسير، كما لن تجدي معركة تفتح بين وزير أسرى وأسيرة مضربة عن الطعام، بل المجدي فعلًا وقولًا حل وزارة الأسرى وتحويلها لمنظمة مستقلة تبحث عن سبل لتحرير الأسرى، وليس تعليب قضيتهم في معلبات المخصصات والكنتينا، وملذات ترفيهية فضفاضة حولت السير للاهث خلف سعادته الشخصية دون سعادته الوطنية، فكم كنا نشعر بالزهو والانتصار عندما كنا نحقق نصر على إدارة السجون لأجل الوطن وقضايانا، وكم كنا نشعر بتعاظم إرادتنا وجماهير شعبنا تقف خلفنا، وكم كانت فرحتنا ونحن نرى في الأعياد كيلو حلويات تقتحم الأسوار لتجد طريقها لنا في زنازين التحدي، وكم كانت همومنا مشتركة والوطن قاسمنا، فلم نحبط نفسيًا ولم نهدم معنويًا، ولم نسأل أين مخصصاتنا؟ بل كنا نسأل متى حرية وطننا؟
إذن فالمطلوب خطوات فعلية من جموع شعبنا التي عليها محاصرة العدو في المؤسسات الدولية حصارًا شعبيًا وليس سياسيًا ودبلوماسيًا، كما حاصرت جموع شعبنا وأنصار قضيتنا حصار غزة وأفشلته، وهو ما يجب أن يبدأ تطبيقه وتفعيله لأجل أسرانا، والعودة للإنسان وتحريره من خلال حصار شعبي على كل المؤسسات الدولية بدءًا من الأمم المتحدة ومؤسساتها ومنظماتها، ومحكمة العدل الدولية، ومقرات الصليب الأحمر بكل العالم، وانتهاءً بمقرات الحكومة الإسرائيلية وبرلمانها، وانطلاقًا من الجو والبر والبحر، فأساطيل الحرية لأجل غزة يمكن أن تكون أساطيل حرية لأجل الأسرى، وهذا الفعل لن يكون إن لم تشكل مقاومتنا رافدًا فعليًا للبحث عن سبل تحرير الأسرى، دون التقيد بالزمان والمكان والحالة السياسية، فالفدائي الذي اغتال وزير صهيوني ثأرًا لأمينه العام قادر على اختطاف وأسر وزير، والفدائي الذي أسر جندي من معسكره ودبابته وعاد به ببزته العسكرية قادر على أسر العشرات أمثاله، ورجل الاستخبارات الذي يقيم بالسفارات الفلسطينية حماية لمؤسساتنا الأمنية والمدنية قادر على ملاحقة عشرات رجال الإستخبارات الصهيونية إن تفرغ لذلك وكان جزء من أولوياته، هذه حقائق وليست خيال وأحلام بل حقائق طبقت ونفذت على الأرض عندما توفرت الإرادة والعزيمة على الفعل، فلماذا لا نفعل لأسرانا ما فعلنا لأحزابنا وكرامتها؟
فلنعد ولنبحث عن إجابات أخرى نعيد بها أسرانا لدفء الأرض والوطن ونستل السيف من غمده ونعلن عن انطلاق عام تحرير أسرانا من سجون العدو وكل سجون العالم الأخرى التي أصبح الفلسطيني وثورانا الآخرين في حالة استباحه لهم.
16 نيسان 2012م

CONVERSATION

0 comments: