يقوم أول رئيس لبناني بزيارة دولة لأسترليا. وزيارة دولة هي أعلى رتب الزيارات المتبادلة بين الدول، أي انها فوق الزيارات الرسمية.
وحتى لا نغرق في لغة المجاملات والترحيب حيث قام زملاء عديدون بهذه المهمة، سنحاول في هذه القارة النائية ان نقدم تقييماً واقعياً ومنطقياً لشخصية الرئيس ميشال سليمان ودوره على الساحة اللبنانية والاقليمية وسط الغبار الكثيف في معمعة المعارك السياسية الذي يكاد يحجب الرؤئ والحقائق.
ان الرئيس الزائر ليس صاحب كتلة نيابية أو زعيم حزب سياسي يتطلع الى لعب دور على الساحة المستقبلية رغم امتلاكه الحق ليحاول لعب هذا الدور.
ولكن الرئيس اللبناني يتمتع بميزات لم يمتلكها أي رئيس قبله منذ الاستقلال. فقد كان جميع الرؤساء السابقين ينتمون الى احزاب وتكتلات وقوى سياسية متناحرة لم توفر لهم اي نوع من الاجماع. حتى الرئيس فؤاد شهاب مؤسس الجيش اللبناني وواضع أسس الدولة الحديثة لم ينعم بدعم وتأييد شاملين كما هي الحال مع الرئيس سليمان.
لم نسمع صوتاً ولم نقرأ كلمة في لبنان او في بلدان الانتشار تشكك بتمثيل العماد سليمان لجميع اللبنانيين. نعم انه رئيس توافقي. ولكن الاحتفاظ بالأصول الدستورية والثوابت الوطنية والبقاء على مسافة واحدة من جحافل التناقضات المتناحرة على الساحة السياسية الداخلية والاقليمية هما من الممارسات الشاقة التي نجح بتجاوزها والعبور فوقها.
ويدرك اللبنانيون جميعاً ان دستور الطائف قلّص صلاحيات رئيس الدولة. وقد سبقه رئيسان بعد اتفاق الطائف حكم كل منها ٩ سنوات دون ان يقدر اي منهما ان يكون رئيس اجماع او توافق يحظى باحترام وتقدير جماعي.
فالرئيس سليمان لم يصل الى الرئاسة بايحاء خارجي او بمساومات وصفقات، بل كانت تجربته على رأس المؤسسة العسكرية هي الدافع الاول لتجعله رجل اجماع وتوافق. فقد سجل نجاحين بطوليين عندما كان على رأس المؤسسة العسكرية: الاول إشرافه الامني المباشر على التظاهرات والتحركات المليونية التي انفجرت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث لم تهرق نقطة دم واحدة رغم التحديات والتظاهرات المضادة والمتناقضة.
اما النجاح الثاني فكان في حسم معركة مخيم نهر البارد المريرة حيث واجه الجيش اللبناني مؤامرة غدر كلفته ٠٧١ شهيداً ومئات الجرحى. وهذه المؤامرة لم تتوقف بعد وما زالت سهام أتباع العبسي تستهدف المؤسسة العسكرية، واصبح لهم من يمثلهم في المجلس النيابي بالتحامل والتشكيك بدور حماة الوطن.
من التجني وصف مواقف الرئيس ميشال سليمان بالمائعة والمترددة لانه التزم ومنذ اليوم الاول لاختياره رئيساً بمبادىء علنية، بعضها شديد الحساسية مثل شعار الجيش والشعب والمقاومة واستمرار التنسيق والتفاهم مع الجانب السوري، ومقاربة علاقات لبنان مع جميع الاقطار العربية بانفتاح أخوي معهود أمّن للبنان المساعدات المتواصلة، اضافة الى إتقان السير بين ألغام الصراع الداخلي المستفحل منذ اليوم الاول لاعتلائه سدة الرئاسة.
وقد أطلق بعض صرخاته الجريئة من أستراليا محذراً اللبنانيين والعرب من لهيب النيران السورية الذي قد يطال لبنان والعرب جميعاً، وناشدهم السعي لاطفاء ذلك اللهيب، وقال ان لبنان كان وسيبقى ساحة لتلاقي العرب وليس لتصارعهم، واشار الى ان التغييرات المرجوة في المنطقة تحلم بالديمقراطية والحرية.
اما الذين يتوقعون المنجزات والاصلاحات من الرئيس اللبناني، فعليهم ان يعوا ان ما تبقى له من صلاحيات دستورية لا تشفي غليل المتعطشين الى قيام الدولة الحديثة، كما ان الصراعات داخل الحكومات المتعاقبة حوّلت الرئاسة الى مؤسسة تهدئة ومساومات لتقريب وجهات النظر.
على صعيد الزيارة الاسترالية، فقد تركت شعوراً لدى المغتربين عن اهتمام السلطة اللبنانية بهم وبدورهم وبالتصاقهم بالوطن الأم اكثر من معظم جاليات الانتشار بسبب هجرتهم الجديدة.
ان دور الرئيس اللبناني، حاضراً وعلى ضوء ما يمتلكه من صلاحيات في دستور الطائف، بات مقتصراً على الاشراف والمراقبة وتسهيل مهمات رؤساء واعضاء الحكومة ومحاولة تجاوز التناقضات المتراكمة. ولا نظن ان منح رئيس البلاد ورمز وحدتها بعض الوزراء والموظفين سيقدم او يؤخر في أداء الرئيس الاول الذي يجب ان يبقى دائما رئيس وأب الجميع ومرجعيتهم عند بروز الأزمات، والعماد سليمان هو أفضل من وعى ويعي هذا الواقع.
0 comments:
إرسال تعليق