المجتمعات العربية منذ (سايكس بيكو) وحتى وقتنا الحاضر كلما خطت خطوة نحو التقدم والرقي كلما تراجعت خطوات كثيرة، ورغم التطور الكبير في شتى مجالات الحياة، ورغم اكتشاف الثروات الهائلة في الوطن العربي من نفط وغيره، إلا أن هذه المجتمعات لم تستطع اللحاق بالركب الحضاري المعاش نظرا للتطور التكنولوجي المتسارع والتضخم المعرفي الهائل في كافة مناحي الحياة من جهة، وغياب الديمقراطية ومفاهيمها عن هذه المجتمعات من جهة أخرى، بحكم الأنظمة الديكتاتورية التي استبدت بحكمها لفترات طويلة، بالإضافة لعوامل التخلف الأخرى كالثقافية والاقتصادية والخطابات الدينية.. ولو أخذنا على سبيل المثال المجتمع المصري الذي كان يعتبر قبل فترة وجيزة محورا للحضارة العربية، ففي ثمانينات القرن الماضي وضعت خططا لمكافحة الأمية الحرفية كلفت الخزينة المصرية كثيرا، حيث بلغت نسبة الأمية 17.1% من مجمل السكان في العام1986، لكنها في العام 2009 أي بعد ثلاثة عشر سنة من الخطط والبرامج وهدر الأموال وصلت النسبة إلى 29%، هذا يعني أنها تتقدم إلى الخلف..! لن ندخل هنا في نقاش هذا الموضوع، ويكفي أن نقول بأن مصر كدولة عربية استقلت من نير الاستعمار في نفس الفترة التي استقلت فيها الهند وكذلك اليابان.. لكن أين مصر اليوم من اليابان أو الهند، علما بأنها كانت تمتلك من الثروات البشرية والطبيعية ما يؤهلها لأن تكون أفضل بكثير من الهند واليابان، حيث كانت نسبة البطالة في عهد الملك فاروق لا تزيد عن 2%، وكان الجنيه من الذهب يساوي 98 قرشا، وكان الدولار الأمريكي يساوي 25 قرشا، وأن مصر أقرضت بريطانيا ما يعادل 29مليار دولار حاليا.. وهذا لا يعني أن الدول العربية الأخرى تختلف عن مصر فهناك العراق أيضا وسوريا والجزائر واليمن والمغرب.. كلها دول يمكن أن تكون أفضل بكثير مما هي عليه الآن..!
حركات التغيير أو ما يسمى بالربيع العربي التي بدأت من تونس ومن ثم مصر وليبيا واليمن وسوريا لن تؤدي إلى خير على المنظور القريب إذا ما أخذنا بعين الاعتبار فوز أو استحواذ الإخوان المسلمون على هذه الثورات؛ لأنهم ببساطة غير مؤهلين للقيام بالتنمية الشاملة للمجتمعات العربية، ولا يمتلكون الرؤية الفلسفية والسياسية والتاريخية للتطور الحضاري للعالم، أو كما جاء في مذكرات علي عشماوي أحد قادة التنظيم الإخواني الخاص، كما جاء في كتاب (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين، ص 26) : " أن تاريخهم مع بعضهم البعض تاريخ انقلابات وصراعات واغتيالات ونزاعات ومؤامرات ، وأن فكرهم السياسي ضحل جدًا، ورؤيتهم السياسية قصيرة النظر، وليس لديهم الفكر والدراسات اللازمة للعمل السلطوي فهم ليسوا رجال سلطة لأنهم حالمون ورومانسيون أكثر منهم عمليون والنجاح في الحكم غير النجاح في قيادة جماعة، هذا إن كانوا يريدون أن يعدلوا بين الناس وأن يخدموا الناس.." وهنا نضيف أن حكمهم لغزة كنموذج إخواني أو إمارة إسلامية كما يحلو لبعض منهم تسميتها، مدة تزيد عن ستة سنوات كشف من خلالها عجز الإخوان المسلمون من النهوض بغزة لا على الصعيد السياسي والاقتصادي ولا على الصعيد الاجتماعي .. ويمكن اختصار كل ما يمكن قوله في هذا المجال بأن حركة حماس خلال فترة وجيزة استطاعت تغيير المجتمع الغزي نحو الأسوأ، وما لم تستطع إسرائيل القيام به في غزة خلال الثلاثين سنة.. قامت به حماس في ثلاثة سنوات.. إضافة إلى شق الصف الفلسطيني وشرذمته بما يخدم إسرائيل.. من هنا لا نتوقع لدول الربيع العربي التقدم والرخاء.. وأن التخلص من الأنظمة الديكتاتورية واستبدالها بأنظمة على طريقة معاوية وابنه يزيد وإلهاء الناس في قضايا الحرام والحلال وفتاوى لا تسمن ولا تغني من جوع..
قديما كانوا يدرسونا مادة تسمى "المجتمع العربي" أما اليوم فحذفت هذه المادة من المدرسة كما حذفت الفلسفة والمنطق.. لا نعرف إلى ماذا تروم هذه الأنظمة وما الذي تريده من شعوبها..؟ بينما هناك دولا ومجتمعات في العالم ليس بينها روابطا كثيرة مثلما هي موجودة بين الدول العربية أساسها الدين والدم واللغة والتاريخ المشترك، ونلاحظ أن دولا مثل أوروبا تتوحد لتصبح دولة واحدة ولو في مجال السوق كخطوة أولى، بينما هناك دولا عربية تنقسم إلى دويلات كما حصل في السودان مؤخرا، وكذلك المجتمع الفلسطيني قبل أن يصبح دولة معترف بها.. المواطن العربي في ظل هذه الأنظمة وما تتبعه من سياسات يعاني كثيرا إلى درجة يبحث فيها عن موطن آخر ليس عربيا ويخجل من جنسه ويتنصل من مجتمعه..! لماذا يحتاج المواطن العربي إلى تأشيرة دخول لبلد عربي آخر بينما المواطن الأوروبي والأمريكي يمكنه التنقل بسهولة بين الدول العربية؟؟ لماذا يوجد 15 مليون مواطن عربي لا يجد قوت يومه بينما يعمل في دول الخليج 13مليون عامل أجنبي ..؟ لماذا يوجد في الوطن العربي دولا فقيرة ودولا غنية؟؟ هل تركيز الثروات في بعض الدول العربية كالسعودية ودول الخليج منة من الله لجميع خلقه؟؟ أم منة من الملوك والأمراء كي يعيشون مرفهين على حساب الفقراء والجوعى؟؟ لماذا يتم استيراد المواد الغذائية والوطن العربي قادر على تغطية احتياجات سكانه وما يزيد؟؟ الجزائر تكاد أن تكتفي ذاتيا لحاجة سكانها من القمح، لكن الغريب أن أمريكا تبادلها طن القمح الجزائري بأربعة أطنان من القمح الأمريكي، لجودة القمح الجزائري وقدرته على التخزين.. لكن الأغرب عندما نعرف أن أمريكا تنتج القمح الأمريكي على الأرض الجزائرية..؟
لماذا كل دولة عربية لها نظامها التعليمي بما يلائم سلطانها وتنابلته؟؟ لماذا لا تتوحد المناهج التعليمية في الوطن العربي بما يتلاءم وحاجة المواطن العربي في ظل الانفجار المعرفي والتقني الكبيرين؟؟ هل يمكن أن نتعظ مما سبق؟ ونحاول أن نرضي أنفسنا قبل إرضاء الآخرين؟ الولايات المتحدة الأمريكية التي تستحوذ على مقدرات الوطن العربي، وتهيمن على سياسات واقتصاد بلادنا وبالتالي تهيمن على ثقافتنا وأخلاقنا، فهي استطاعت ذلك من خلال فيدرالية ولاياتها الخمسين، وليس من تفرقتها.. نعتقد أن المجتمعات العربية يمكنها أن ترتقي بشعوبها وتصبح قوية إذا ما توحدت في مناهجها التعليمية وبرلماناتها السياسية لتصبح نظاما سياسيا برلمانيا واحدا والتخلص من النظم الرئاسية والملكية وتوزيع ثروات الوطن العربي بشكل عادل وإفساح المجال للمواطن العربي بالإبداع والخلق بشكل حر، وبدلا من استيراد العقول مقابل هجرة عقولنا علينا منح الفرص لأبنائنا، وبدلا من استخدام العمالة الأجنبية أحرى بأبنائنا العمل بدل الجوع والفقر.. علينا أن نكون مثل الولايات الأمريكية بدلا من التحبب لها والتباهي بها.. الخروج من المأزق سهل، لكن الدخول في صراعات مع الشعوب كارثة ودمار.. والتاريخ سيسجل ظلم الحكام وقهرهم لشعوبهم الذي لن يطول.. وإذا بقي الشعب السوري يدفع من دمه وقوته قربانا لنظام عفن استمر أكثر من أربعين سنة فإن ذلك كفيل بدفع باقي الشعوب العربية لتغيير أنظمتها.. وإذا ما لم تساعد الظروف والمرحلة الزعيم الخالد عبد الناصر لتوحيد الوطن العربي قبل أكثر من ستين عاما؛ فأن الظرف الدولي وحاجة المواطن العربي في ظل متطلبات العصر قادرة على خلق فيدرالية عربية باسم "الولايات العربية المتحدة"..
0 comments:
إرسال تعليق