كنا عالجنا موضوع اعتقال العميد المتقاعد فايز كرم والحكم عليه في مقالين سابقين دار الاول حول سيرة الرجل وسوابقه ومواقفه التي لم تؤشر مطلقاً الى انحراف خطير كالذي اتهم به. اما المقال الثاني فكان لمعالجة الحملة السياسية - الاعلامية العنيفة التي استهدفت العميد كرم والبعيدة كل البعد عن القوانين والعدالة وهدفها الاساءة الى الفريق السياسي الذي انتمى اليه كرم.
فقد مثل كرم امام محكمتين ولم يشكك احد بنزاهة القضاة الذين لفظوا احكامهما. المحكمة الاولى العسكرية برئاسة العميد نزار خليل الذي لم يتطاول احد على نزاهته وجرأته وعلمه القانوني الواسع طوال فترة خدمته، والمحكمة الثانية ترأستها القاضية اليس شبطيني المرشحة حالياً لرئاسة مجلس القضاء الاعلى والمعروفة بتمسكها الدقيق بالقوانين وعدم تأثرها بالضغوط السياسية طوال حياتها وكان الى جانبها قاضيان من كبار القضاة.
وقد أدين المتهم في المحكمتين تحت بنود المادة ٨٧٢ بتهمة الاتصال بجهة معادية وليس بتهمة العمالة وتسريب المعلومات الى الاعداء. ورأت محكمة الاستئناف ان الحكم جائر بعض الشيء فأزالت حكم حرمانه من الحقوق المدنية. وكنا اعتقدنا ان القضية انتهت ودفع الرجل ثمن الخطأ الذي ارتكبه بقصد او بغير قصد.
وكانت المفاجأة يوم خروج العميد كرم من السجن منهياً عقوبته القانونية، إذ انفجرت حملة عنيفة مبرمجة من جهات لم يتوقعها احد لا ركزة قانونية لها ولا اخلاقية، بعد ان عملت الجهات التي اعتقلت كرم على إلصاق أبشع التهم به.
جاءت الحملة اعلامية - سياسية. وكانت الصحف التي يظنها البعض متعاطفة مع الخط السياسي الذي ينتمي اليه كرم مثل »الاخبار« و»السفير« اكثر شراسة وتحاملاً وتجنياً من أجهزة إعلام الذهب الأسود التي تسيطر على الارض والفضاء. ليس هناك من قانون يجيز الاعتداء على مدان او بريء بعد ان تقول العدالة كلمتها، وهناك اكثر من مئة مدان ومتهم صدرت وتصدر الاحكام بحقهم في قضايا مماثلة ولم يشكك احد بمصداقية او قانونية اي حكم. ومن المتهمين والمدانين اعضاء سابقون في مختلف الاحزاب الناشطة على الساحة اللبنانية، كما يعرف الجميع الفريق الاسرائيلي الفاعل في هيكلية النظام اللبناني.
لقد قرأنا بعض الكتابات والتعليقات المتجنية التي تورط فيها عدد من »كتاب الاجرة« الذين لم نتصور انحدارهم المتأخر الى مستوى الاساءة الشخصية... فلو كان هؤلاء حريصين على القانون والعدالة لكانوا رفعوا اصواتهم يوم صدور الاحكام وطالبوا المراجع المختصة باعادة النظر في ما جرى. ويعرف الجميع ان الذين كانوا وراء اعتقال كرم وتوجيه التهم اليه عملوا ما بوسعهم من ضغوط وتلفيق وحاولوا زج وزير العدل السابق ومدعي عام التمييز وتذرعوا باضاعتهم لاشرطة التحقيق دون فائدة. كان اثبات اختفاء الاشرطة المسجلة مادة كافية لاطلاق سراح كرم وتبرئته كما توقع كبار رجال القانون في حينه، اذ لم يسبق لاي جهة امنية في العالم ان اضاعت تسجيلات متهم والأصح او المرجح ان التسجيلات أخفيت او أتلفت لانها كانت لمصلحة كرم.
اما الحملة السياسية فجاءت غوغائية تصدّرها الفريق الظلامي ابتداء من أتباع حزب التحرير والعبسي والضاهر والشهال وسائر المجموعات الما قبل السلفية الملتزمة بمحاربة اسرائيل ولكن عن بعد ٠٠٣ كيلومتر او اكثر. ولا يجوز ان نناقش هؤلاء حيث لم يعرف اي منهم لماذا تظاهر او رفع صوته شاتماً حزب الله وايران دون ان يتذكر اسرائيل.
كانت التصريحات السياسية متشابهة وجاء اطرفها على لسان النائب فتفت الذي عاتب السيد حسن نصرالله لانه لم يطالب باعدام فايز كرم كما طالب دائماً باعدام عملاء اسرائيل... لا شك ان فتفت يعرف جيداً المادة التي أدين وفقها كرم ويعرف جيداً انه لم يقدم اقداح الشاي بيده لضباط اسرائيل ولم يقل يوماً امام التلفزيون عن المقاومين »خلوا اسرائيل تقطعهم وتلعن ابوهم«.
وللتذكير فقط وليس للتشفي لعلّ في التذكير افادة، يدرك فتفت وشركاؤه ان احد قياديي تيارهم مسؤول المستقبل في البقاع سابقاً المدعو زياد الحمصي اعتقلته مخابرات الجيش اللبناني وبحوزته اجهزة ارسال الكترونية متطورة كان يبث عبرها يومياً معلومات عسكرية وسياسية الى اسرائيل ونال حكماً بالاشغال الشاقة لا يقل عن ٥١ عاماً... لم يحاول احد استغلال تلك الحادثة وتوسيع الاتهامات لتشمل رفاق المتهم او تياره لان لا مسؤولية عليهم، وهكذا تقضي الاعراف والاخلاق... كذلك لم يفتعل احد صراخاً يلفت الانظار الى ان المتهم ينتمي لفريق سياسي معين. لقد زج الرئيس السنيورة نفسه وكرر ما قاله فتفت وهو المعروف بالاتزان والتعقل وكان عليه ان لا يتورط في هذه المعمعة.
كنا نتمنى ان لا نكتب ثالثة عن قضية فايز كرم بعد ان اخذ القانون مجراه... ولكن الاحقاد والغرائز تحاول العبور فوق القوانين والاعراف الخلقية. فقد ذكرنا منذ المقال الاول ان القضاء له الكلمة الفصل، وليس على الذين صدموا بما جرى مع كرم من امثالنا الا الثقة بالقانون حيث لا وصاية ولا ارهاب يخيف احداً رغم تجاوز بعض الاجهزة لمهماتها ولكنها عجزت عن تجاوز العدالة.
0 comments:
إرسال تعليق