قبل واحد وعشرين سنة هزت ضمير العالم المجازر التي ارتكبها الصرب بحق شركائهم في الوطن من مسلمي البوسنة والهرسك في تطهير عرقي وديني غابت صوره عن العالم منذ طرد المسلمين من الأندلس، وقد أقام لهم الأسبان محاكم التفتيش السيئة السمعة والتي كانت صفحة مظلمة من صحاف التاريخ الإنساني البشع، يتحاشى الكثيرون استرجاع ذكراها المؤلمة. وكنت ككل باقي البشر هزتني تلك المشاهد المقززة للنفس البشرية التي كان يتناقل الإعلام صورها عبر الشاشات الفضائية وتكتظ بها صفحات الجرائد في العالم شرقه وغربه، فقمت بإعداد كتاب عنوانه (البوسنة والهرسك شلال دم يتدفق)، ضمنته تلك المجازر بكل خصوصياتها المؤلمة ممهورة بالصور والوثائق، والتي كانت تحكي أبشع الفظائع التي لم يسجلها التاريخ الإنساني منذ قرون طويلة، حيث يتم تطهير عرقي وديني في جزء من هذا العالم هو مهد الحضارة المدنية الحديثة (أوروبا)، ونحن نعيش في كنف النظام العالمي الجديد الذي يدعي المدنية والرقي والحضارة واحترام حقوق الإنسان. وقد أثار هذا الكتاب في نفوس العديدين لواعج الألم والحزن، ومنهم الصديق العزيز الدكتور غازي ربابعة الذي اعتمده في الكلية التي يدرس بها في الجامعة الأردنية لطلابه في منهاج (دراسات معاصرة) وقد قال لي إن كتابك جعل كل من قرأه من طلاب وطالبات الكلية (يعيطوا).
وظننت كما ظن الكثيرون أن مثل هذه المأساة لن تتكرر، وقد خاب ظننا فهذه سورية وبعد 23 سنة من مأساة البوسنة والهرسك تتجرع من نفس الكأس التي تجرعه أهلها، فإذا كان هناك تطهير للون واحد من الناس هم المسلمون ففي سورية تطهير لكل أهلها من مسلمين ومسيحيين ودروز وعلويين وإسماعيليين وأكراد وآشوريين، فرصاص العصابة السادية التي تحكم سورية لا يستثني أحد من كل هؤلاء، فهو يستهدف كل ما يتحرك على الأرض أو يدب عليها، ولا تمييز بين طفل أو شيخ أو امرأة أو رجل، ولا ينجو منه حيوان في مزرعة أو وسيلة نقل عابرة أو شجرة تهزها الرياح، فكل ما فوق الأرض مستهدف محكوم عليه بالموت بأثر رجعي لا مفر منه.
سيناريو البوسنة ينفذ في سورية اليوم ويتفوق عليه وحشية وفظاعة يستحي من فعلها مجرمو البوسنة لهولها، صحيح أنهم كانوا يقتلون الناس ولكنهم لم يكونوا يمثلون بأجسادهم ويقطعون أطرافهم ويبقرون بطونهم ويقتلعون عيونهم ويحفرون الأخاديد في وجوههم وصدورهم وظهورهم ويحرقونهم وهم أحياء.
مذيع (سي إن إن) يتحدث عن ذكرى المجازر البوسنية ويسأل كريستيانا مامبور (المراسلة الشهيرة): "هل يمكن مقارنة البوسنة بسورية؟ هل التاريخ يعيد نفسه؟
لكننا بعد 20 عاماً لم نتعلم الدرس.. ها نحن نشهد بوسنة أخرى في العالم العربي.. نلوم الغرب على ذبح شعب مسلم في قلب أوروبا؟ ولكن الشام بضعة منا
الآن ايران والصين وروسيا مع مهل الحكام العرب يقتلون المسلمين على ارضكم فهل سنصمت على مذابح الشام الآن.. كما صمتنا على مذابح البوسنة!!".
أقولها بكل أسف: نعم العالم كله بعربه وعجمه شريك لسفاح سورية.. أقولها بكل أسف أن جمهورية إيران الإسلامية "التي هكذا تسمي نفسها" وتعلن أنها ستقيم ميزان العدل في الأرض وتنتصر للمستضعفين في العالم في مواجهة الاستكبار العالمي، وحزب "المعمم نصر اللات" الذي يدعي التزامه بولاية الفقيه والدفاع عن المسلمين والعداوة للصهيونية.. أقول إن ملالي قم ومعممي الضاحية الجنوبية هم شركاء للمافيا الحاكمة في دمشق في ذبح المسلمين في سورية، ويتنكرون للحديث النبوي الشريف الذي يقول: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره".
كما أقول بكل أسف ومرارة أننا لم نسمع من العرب إلا جعجعة وبيانات وتنديد وطرح مبادرات ومهل، وهبوط وصعود في وتيرة المواقف الإعلامية التي زادت الآلام على السوريين وجعلت السفاح الباغي يزداد توغلاً في دماء السوريين وذبحهم والتنكيل بهم، وقد خبر كل هؤلاء وهو على قناعة أن كلام العرب غثاء ووعودهم هباء وجعجعتهم خواء!!
وثبت أن أصدقاء العصابة الحاكمة في دمشق إذا قالوا فعلوا وإذا هددوا نفذوا، فهذه أساطيلهم تجوب سواحل سورية تتربص بكل من يقترب من أسوار حكامها، وهذا الفيتو كرت أحمر يشهر في وجه كل من يقترب من أعتاب بيت آل الأسد تلويحاً أو تلميحاً، وهذه قوافل الحرس الثوري الإيراني تتوافد على مدار الساعة عبر حدود دولة المالكي نصرة لحمى آل الأسد، وهذه ميليشيات حزب اللات تجتاز الحدود ليل نهار دعماً لشبيحة الأسد ومجرميه.
ونحن لنا الله.. لا سند لنا إلا هو.. هو حسبنا وعليه توكلنا وهو رجاؤنا وأملنا فصبراً يا أهلنا في سورية، فإنني والله لأرى النصر قاب قوسين أو أدنى أستشرفه من جنون السفاح وما يرتكبه من فواحش وآثام وجرائم، وسيشرب من نفس الكأس التي سقانا منها هو وأبوه من قبله عاجلاً أو آجلاً.. فإن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؟!.
0 comments:
إرسال تعليق