لحظة ضيق اصابتني،لا اعرف اسبابها ولا مسبباتها،اختنقت في ليل حالك السواد وقمره بدر يشع من قلب السماء مستصرخا للحياة،قررت حينها ودون ان افكر ان احمل امتعتي واترك مقود سيارتي يأخذني الى حيث اجد متنفس هواء،الى مكان بلا حدود ولا حواجز ولا جدران ولا احجار،الى حيث الطبيعة شكلت ذاتها لتمتعني بأجمل لحظات الحياة،اردت رؤية اللون الاخضر وهو يتواءم مع الازرق مخترقا حدود المكان.
سرت من رام الله تاركة ورائي احجارها ونفاق اهلها متوجهة الى اريحا،كم احب السفر من الاعلى الى الاسفل،احيانا وبلحظات شعورك انك بالقمة تحتاج ان تنزل القاع لتشعر بقوتك وضعفك في ان واحد،من قال ان القمة هي انتصار وعظمة وقوة وجبروت،بل على العكس لحظات النزول تعيدك الى حيث بدأت والى حقيقتك التي تتجاهلها احيانا في اوج عطائك ونفوذك،سرت في ليلة ربيعية انزل وانزل وانا انظر امامي باحثة عن عواكس الطريق لارى الطريق خوفا من السقوط في هاوية في منطقة الخان الاحمر،وفجاة بدأت عيناي تنكمشان،لم اعد اسيطر على حركتهما ولا على حركة سيارتي التي اخذت تتمايل يمينا ويسارا،هو النوم فقد حان وقته،فكرت للحظة ان اعود من حيث اتيت،الا انني قررت تحدي حركاتي عيناي اللا ارادية والسير باتجاه بيسان.
في طريق يفتقد للانارة ولازدحام السيارات اسير،اسمع اصوات زمامير الحافلات مع اضاءة مصابيح تزفني الى اليمين،فقد كنت اترنح ما بين اقصى الشارع يمينا واقصاه يسارا وانا استرق النوم خلف المقود واجفل مستفيقة لارى نفسي اسير في طريق ملتوية،قررت وخوفا على حياتي ان اسمع اغاني وبصوت عال عسى ان تساعدني على اقصاء النعاس،وبكذبة مني حاولت الاستمتاع بها على الرغم من انني كنت اسمع وائل جسار "انا بعشقك"ولكن دون جدوى،فتناولت اللاب توب وفتحته على اغنية وردة التي اعشقها في يوم وليلة ،فعلا تمتعت بها الا ان البطارية نفذت وعدت اترنح ولو شاء القدر ان ينهيني لعددت الان بين الاموات.
بدأ هاتفي المحمول يرن وقررت الرد على امل ان يساعدني على الاستمرار في طريقي،كان مصطفى على الهاتف،وسألني هل انا نائمة فأجبته بالقبول والنفي،حينها طلب مني التركيز واصر على مواصلة الحديث معي ونصحني بغسل وجهي،وفعلا اخذت اتجاه اليمين وبدأت بغسل وجهي ومكياج عيناي الاسود انتشر في كل ثنايا وتعابير خدودي وانفي وفمي.
سرت ومازالت الطريق طويلة،مرت الساعة الاولى بصعوبة،ولم يكن احساسي في تلك اللحظة يرغب في اي شئ في الحياة سوى مطلة تعيده الى الروح،فكانت طبريا هي العنوان،بدأت اسير وبلهفة أتامل خيط انارة الحاجز،ما اطول الطريق،لم يبزغ حاجز بيسان بعد،استمريت بغسل وجهي طوال الطريق حتى بدأ الجفاف يظهر عليه،لتران من الماء سقيت بهما عيناي لاستفيق،ولكن فعلا اجمل لحظاتي كانت ان ارى فيها سريرا ووسادة وشرشفا يحتضنني واغوص في اكناف الاحلام،لم اشعر بقيمة النوم الا في هذه الاوقات.
الاردن على يميني والصحراء على يساري وما بين هذا وذاك ارى ربيعا معتما يحيطني بين اسياج المكان،ناضلت البقاء الى ان وصلت الى ما ابحث عنه"اه ه ه ه ه ه ه ه وصلت الحاجز"لم افكر حينها ان المجندة ستوقفني وليكن فأنا لا ابدو عربية المظهر وعليه ستقول لي كالعادة سفر موفق.
اوقفت السيارة التي امامي وقالت العبارة المعروفة"سفر موفق" واقتربت مني،نظرت لي وانا ارتدي بيجامتي الخضراء الفضفاضة وحذاء بيتي ووجهي مبتل وعيناي سوداوتان من الكحل والماسكارا،نظرت الى صورة الهوية وسألتني،الى اين فأجبتها الى طبريا،فطلبت مني التوجه الى نقطة التفتيش الى اليمين.
وصلت المكان فأخبرتني بضرورة اخراج كل ما في السيارة من مقتنيات وارسالها الى غرفة الفحص،فرفضت قائلة"انا ممنوع احمل بايدي لاني عاملة فيها عملية"فتوجهت واحضرت عجلة ووضعت الاغراض عليها،وبدأت ارى الامن يحيط بالسيارة وادوات فحص تنبش حتى في المطور واسفله،بدأت اضحك وانظر الى هؤلاء الاقزام واقول بداخلي"دولة تافهة"،تقدمت المجندة خطوات نحوي وهي تنظر لي من الاسفل للاعلى قائلة باللغة العبرية"تفضلي جوا للفحص:"فدخلت ووجدت جهاز الفحص البشري وجهاز فحص الامتعة،وسألتها هل انا في المطار فقالت نعم،فقلت ما هذا ايعقل ما تفعلون منذ متى وانتم تفحصون على هذا الحاجز بهذه الطريقة،فأنا امر كثيرا من هنا ما الجديد؟؟؟؟فأجابت "احنا بنفحص هيك من سنة 1948"ضحكت وقلت بالعربية"هاي دولة ولكم انتو فستق فاضي".
في لحظة اجراء البحث الامني سألني الشرطي،هل انت متزوجة؟؟؟؟اجبته لا فقال لي منذ متى انت منفصلة؟؟؟فأجبته منذ سنة ولم اجد الوقت الكافي لتغيير بطاقتي الى مطلقة،ولكن ما الذي تفعله الا تراني ارتدي البيجامة واحمل هوية زرقاء،انا من القدس ولست من ايران،ما هذا الفحص اأنت جاد ومقتنع بما تقوم به؟؟؟؟فأجابني هذا عملي وهذا فحص امني من باب الحيطة،لم اتحمل سلوكهم فقلت له انا صحفية وسأكتب وانشر تصرفاتكم غير المبررة فقط لكوني عربية،فأجابني لا نحن نفحص الجميع هكذا،فكذبته وبدأت اوجه حديثا قاسيا فقال لي انا شرطي واراني بطاقة الشاباك الاسرائيلي.
انهى الجنود الفحص الداخلي للسيارة فطلب مني احدهم ارجاع الامتعة فرفضت،فقاموا بأرجاعها الى السيارة وقالت المجندة واخيرا سفر موفق.
بدأت القيادة وانا اشعر بأن بركانا يغلي بداخلي،منذ العام 48 ونحن نفحص بهذه الطريقة،وبدأت احدث نفسي 64 عاما ونحن نتحمل الظلم والاستبداد والاحتلال،تمنيت لو اغمضت عيناي ووجدتهم خلفى في طريق اللاعودة،استفقت من النعاس وبدأت قيادتي تأخذ مجدها بأعين مفتوحة نحو الحياة نحو الحرية،سرت باتجاه طبريا لاطل على فلسطين من جديد،وصلت المكان وجلست بين الاغصان استمتع بعبق الحياة،رأيت الحاضر ومستقبله الاجمل،امضيت يومين اتنفس روحي وعدت الى حيث خرجت وما زال حاجز بيسان يراوح مكانه في ذاكرتي
0 comments:
إرسال تعليق