هل هو الربيع العربي من أدخل القضية الفلسطينية الى الثلاجة؟ أم هم أبناؤها الذين انقسموا على انفسهم فأظهروا شغفهم بالسلطة على حساب أي مشروع وطني؟ أم هي اخفاقات مفاوضات السلام أمام التعنت الاسرائيلي؟ أم هي افرازات اتفاق اوسلو؟ أم هي الهزيمة غير المعلنة التي تكبدها الفلسطينيون وحدهم أمام التفوّق الاسرائيلي؟.
هل بقي شيئا من العروبة
أو أن كل هذه العوامل اجتمعت مع أسباب أخرى مقنّعة تندرج تحت باب المؤامرة(لا يراها المستهترون) أدّت الى تقوقع القضية الفلسطينية، وانتهاء الأمر بها لأن تصبح في آخر سلّم القضايا العربية.. وهذه "القضايا العربية" تعيدنا لطرح السؤال مبروما: هل بقي شيئا من العروبة في ظل "الربيع العربي"، هل يبقى منها شيئا عندما المملكة السعودية وامارة قطر تناديان بكل حميّة لتسليح المعارضة السورية، وفي ذلك دعوة مفضوحة لادخال الجمهورية السورية في حرب أهلية، لن يجني أهل سوريا منها سوى الخراب ودمار الوطن وأسس الدولة المدنية؟ كما هو الحال الليبي الذي هيّئته طائرات حلف "الناتو" بتغطية عربية، وهو الحال الذي قدّم اشارات عديدة تدل على ما هو قادم من تقسيم وشرذمة مناطقية وقبلية، إذ لا دولة مدنية ولا حرية ولا كرامة ولا من يحزنون.. بل كل ما يطل من المشهد الليبي الحالي ميليشيات راقصة على ايقاع الفوضى والخراب.
الشارع العربي
في أوج تغوّل ديكتاتورية النظام العربي الرسمي كانت الانظار تتجه صوب مصر التي خرجت من الصراع العربي - الاسرائيلي بعد توقيعها اتفاقية "كامب ديفد" مع العدو الصهيوني. وقد سموها زورا وبهتانا بأتفاقية سلام.. ربما هو سلام للاحتلال أهدته مصر العربية للمشروع الصهيوني, وقد وُعد المواطن المصري في حينها بالرفاهية والازدهار، ولكنه ظل يغالب الشقاء للحصول على رغيف الخبز ويشتهي اللحم الذي ظل مجرد أغنية في أفواه المطربين الشعبيين.
جاءت ثورة 25 يناير ليستبشر المواطن المصري ومعه العربي خيرا، بعد سنين طويلة كانت الشكوى هي الغالبة من غياب وتغييب الشارع العربي.
كان من السهولة بمكان اتهام النظام العربي الرسمي بالتخاذل والتقاعس أمام التحديات المفروضة على الأمة العربية وتحييد المواطن العربي من هذا الاتهام على أساس ان المواطن العربي لا يملك حريته وهو مصادر الارادة ومقهور من الاستبداد الرسمي... أما وقد جاءت الثورة المصرية وقبلها بقليل الثورة التونسية بقوى جديدة الى السلطة..قوى شعبية معارضة للانظمة البائدة، لم نلمس من توجهاتها السياسية وخاصة الخارجية وتحديدا ما يخص القضية الفلسطينية ما يخالف السياسات السابقة. وكأن جماعة الاخوان المسلمين ومن خلفهم السلفيين وبقية الجماعات الاسلامية ما جاءوا للسلطة في مصر الا للحفاظ على اتفاقية "كامب ديفد" المفرّطة بالحقوق العربية والتي لطّخت وجه مصر القومي..وفي تونس بعد المخلوع بن علي تطلق الحكومة الاسلامية بين الفينة والاخرى دعوات التأهيل والترحيب باليهود الاسرائيليين لزيارة تونس، وكأن هؤلاء ليسوا من المغتصبين الذين يمضي المشروع الصهيوني بهم وفيهم.
كل ما بدر من توجهات حكومات "الربيع العربي" الصاعدة يصبّ في مراضاة الولايات المتحدة الامريكية التي اخذت على نفسها عهدا بجعل أمن "اسرائيل" قضية مقدسة، وأثناء تحقيق هذا الامن المزمع يُسحق الانسان الفلسطيني وتُصادر أملاكه، ويظل وجوده وحياته في خطر دائم..ويظل لا يساوي شيئا امام قضية الامن الاسرائيلي.
فهل الذي يرضي امريكا وحلفائها هو ما يرضي الشارع العربي؟...اذا كان الجواب بالنفي فلماذا يستمر التخاذل والتواطؤ على كل المستويات الرسمية والشعبية؟، وتظل الاتفاقات المعلنة وغير المعلنة مع العدو هي ديدن النخب العربية الحاكمة أو الساعية الى الحكم؟..حيث هناك سباق محموم في الوطن العربي للتقدم لوظيفة "حراسة اسرائيل"، ولا يستثنى من هذا السباق قوى ما زالت تنادي بالمقاومة.
ان القوى السلطوية العربية الحديثة أوالسائدة ما زالت لا تأخذ اي اعتبار لكرامة المواطن العربي..اذ لا يظن احد ان بناء الكرامة العربية قد يقوم ويرتفع ان لم تكن فلسطين ورمزيتها هما الأساس. وهذا هو الاعوجاج أو الانزلاق الذي وقعت به ثورات "الربيع العربي"، بحيث ما أن تتمكن من السلطة وحتى وهي في الطريق اليها تطلق إشارات التطمين المعلنة والمضمرة باتجاه الولايات المتحدة الاميركية لتصل الى منتهاها في اسرائيل.
جرعة إضافية
عندما حزب المعارضة الفلسطينية المتمثل بحركة حماس يكتفي بالمقاومة القولية دون الافعال (وكأن الاحتلال افتراضي وغير واقع)، وتتحول أداته العسكرية الى عين ساهرة على حدود "اسرائيل"، فأن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية يأخذ جرعة إضافية من الجراءة ليدافع عن التنسيق الامني مع الاحتلال الاسرائيلي وليشن هجوما على المناضلين الداعين الى ايقافه ويصف تصريحاتهم بأنها "مزايدات رخيصة" .
الرئيس الشرعي والافتراضي للدولة الفلسطينية يفرض عليه الواقع والطبيعة ان يكون فلسطينيا بامتياز، وان نطق ينطق بمصلحة شعبه.. فهل ينطق الرئيس محمود عباس بما هو فلسطيني عندما يدافع عن سياسة التنسيق الامني مع احتلال لا يقدم بالمقابل سوى المزيد والمزيد من الاغتصاب والاستيطان.
ماذا يظل من القضية الفلسطينية مع تصريحات عباس الوقحة والتي لا تفسير لها، الا أنها تصبّ في مصلحة "اسرائيل" والمشروع الصهيوني برمّته. وهي أكبر اهانة توجّه للمناضيلن الذين ما زالوا يقبضون على الجمر ويحلمون بالحرية، وهي تلحق الاذى الفادح الى المسيرة الفلسطينية المضيئة بدماء آلاف الشهداء والاسرى.
أليس هو العار بذاته شاخصا في كلام الرئيس ويلحق بكل الشعب الفلسطيني الذي سمع بهذه التصريحات وظل صامتا ولا مباليا.
وكأن في الامر غموضا فيزيولوجيا يفوق الوعي والفهم ومعطيات معاني الوظائف في تشخيص الانتماء، حين نحيل تصريحات الرئيس الى أبعد من تغيير وقولبة في المواقف والاداء السياسي لنستدل على انحراف في الدماء.
الاعلام العربي
ها هو الشهيد في غزة وعموم فلسطين يصير قتيلا، والقتيل في سوريا وعموم بلاد الربيع العربي يصير شهيدا، هكذا ارادت قناة "الجزيرة" مؤخرا التحاقا بما كان محسوما منذ بداية انطلاق قناة "العربية" بتغيير المسميات واسقاط القدسية بما يتعلق بمكوّنات القضية الفلسطينية.. هكذا يترجم الاعلام العربي النفطي "حداثته" ويشطب اسم فلسطين عن الخريطة ليصير "اسرائيل". هكذا تطرح القضايا العربية حسب الرؤية الاوروبية والاميركية. وكأن ليس للاعلام العربي رؤية مستقلة وها هو يجتر ما ينتجه الغرب.
في المواجهة العسكرية الاخيرة ما بين غزة والاحتلال الصهيوني، كان التعتيم واضحا في الاعلام العربي وخاصة في القناتين الشهيرتين.. كان الخبر الفلسطيني يتأخر وأحيانا لا يأتي، وعندما يحين دوره في ذيل النشرات كان يطالعنا المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي ليصفعنا مزهوا بروايته الفاشية ويشتمنا في عقر دارنا، بينما الرواية الفلسطينية مدفونة في الركام، أو هكذا اراد لها تجار الغاز والنفظ.
وماذا بعد
الربيع العربي متهم، القيادة الفلسطينية بشقيها الضفاوي والغزاوي متهمتان، الممالك والامارات التي بلا ربيع وصنائعها من الاعلام العربي، كلهم متهمون بتغييب القضية الفلسطينية. والمعسكر الغربي شريك أساسي وأكيد.
يتقدم الربيع العربي وتتراجع القضية الفلسطينية.. المشهد صادم ومرير، وما كان ينبغي له ان يكون كذلك. ما كان لخطيئة تغييب فلسطين من مشهد الربيع ان يحصل بتاتا.
ماذا كان يضر الربيع العربي لو رفع العلم الفلسطيني الى جانب أعلامه، وأطلق هتافه لفلسطين الى جانب هتاف الحرية والكرامة..ماذا كان يضر لو نادى بسقوط الاحتلال الصهيوني الى جانب دعوته لاسقاط الديكتاتورية والاستبداد تمهيدا لاقامة الدولة المدنية والديمقراطية.
ماذا كان يضر..ماذا يضر لو يفعل؟.
_____________________
كاتب وشاعر فلسطيني
0 comments:
إرسال تعليق