فلسطين، واسباب امتناع استراليا عن التصويت/ عباس علي مراد

ان المرء ليس بحاجة لإعادة سرد تاريخ القضية الفلسطينية منذ صدور القرار التقسيمي الذي حمل الرقم 181 الذي صدر عن الامم المتحدة عام 1947 والذي اخذ من الفلسطينيين 54% من فلسطين التاريخية واعطاه لليهود لإقامة اسرائيل، حتى تاريخ 29/11/2012 تاريخ صدور قرار الامم المتحدة والخاص بإعطاء فلسطين حق المشاركة كدولة مراقبة غير عضو في الامم المتحدة مروراً بقرارات اخرى ابرزها القرار 242 للعام  1967 والعموض الذي صيغ فيه حيث حذفت ال التعريف من دعوة القوات الاسرائيلية للانسحاب من اراضي وليس الاراضي التي احتلت في النزاع الاخير وصولاً الى اتفاقية اوسلو للعام 1993الذي امن لإسرائيل غطاءاً لمواصلة الاستيطان على مساحة ال 22% من الاراضي التي احتلت العام 1967 والتي كان من المفروض ان تقام عليها الدولة الفلسطينية بموجب تلك الاتفاقية، وكل ذلك تحت غطاء محادثات السلام والتي اصبحت عبثية وغير ذات قيمة الا لاسرائيل خصوصاً في ظل هذه الحكومة التي وصلت الى الحكم على اساس برنامج انتخابي واضح تتعهد برفض اقامة دولة عربية فلسطينية الى القرب من نهر الاردن والحرص على ان يكون النهر الحدود الشرقية الدائمة لإسرائيل. وكانت اسرائيل ولا تزال تحظى بدعم امريكي غير محدود للمشروع الاسرائيلي حيث تحرص ظاهرياً على حل الدولتين بينما تعمل عملياً عكس ذلك ،حيث تبخرت وعود كان آخرها وعد الرئيس الامريكي باراك اوباما في عام 2010 امام الامم المتحدة الذي قال فيه "عندما نعود الى هنا العام المقبل (2011) يمكن ان يكون لدينا اتفاق سيؤدي الى ظهور عضو جديد في الامم المتحدة هو دولة فلسطين مستقلة ذات سيادة، ومعارضة الولايات المتحدة وتصويتها الاخير ضد القرار الاممي الأخير حيث اعتبرت وزيرة الخارجية الاميركية ان حل الصارع يكون في محادثات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية وليس في نيويورك.
كان شهر تشرين الثاني \نوفمبر 2012 شهراً فلسطينياً بامتياز، ففي التاسع عشر منه بدأ آخر عدوان من الاعتداءات المستمرة على الشعب الفلسطيني وحقوقه بقتل قائد الجناح العسكري لحركة حماس أحمد الجعبري بالاضافة الى اكثؤ من 150 شهيداً وتجاوز عدد الجرحى الالف سخص بالاضافة الى الخسائر المادية التي بلغت مئات الملايين من الدولارات جراء العدوان الذي استمر لمدة ثمانية ايام رغم فشل اسرائيل بتحقيق كامل اهداف عدوانها بسسب الصمود الفلسطيني واستمرار تساقط الصواريخ على العمق الاسرائيلي.
وعلى الجانب السياسي وفي تجاوز للضغوط الاميركية التي مورست على السلطة الفلسطينية العام الماضي للتراجع عن الطلب في مجلس الامن للحصول على وضع دولة كاملة العضوية في الامم المتحدة طلبت السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس بالحصول على وضع دولة مراقبة غير عضو في الامم المتحدة بعيداً عن سيف الفيتو الاميركي المسلط على رقبة مجلس الامن.
نال الاقتراح الفلسطيني الذي صوت عليه في 29/11/2012 على موافقة 138 دولة ومعارضة 9 دول منها اميركا وكندا وامتناع 41 دولة من ضمنها بريطانيا، الماني واستراليا.
استراليا التي خاضت معركة دبلوماسية للحصول على مقعد غير دائم في مجلس الامن لمدى عامين كانت قد تعهدت الدفاع عن حقوق الانسان ودعم القضايا العالمية المحقة واتخاذ موقف مغير لحليفتها الولايات المتحدة كانت تنوي التراجع عن تلك الوعود التي لم يجف حبرها حيث كانت رئيسة الوزراء جوليا غيلارد تنوي التصويت ضد الطلب الفلسطيني في تماهي مع سياسة الولايات المتحدة ونتيجة الضغط الذي تمارسة السفارة الاسرائيلية واللوبي الصهوني، ولكن في ظاهرة ملفتة ومن اجل مصالح سياسية محلية وانتخابية تظهر مدى تأثير العولمة السياسية على شعوب العالم حيث دخلت قضايا خارجية واصبح لها تأثير على ميزان القوى السياسية في البلاد ودخلت زواريب السياسية المحلية حيث تلعب الديمغرافيا المتغيرة بسبب اعداد المهاجرين او المتحدرين من خلفيات اثنية وعرقية ودينية مختلفة. واستراليا لا تشذ ّ عن تلك القاعدة ومن اجل مصالح انتخابية بحتة والحفاظ على السلطة تحرك فريق وازن من جناح اليمين داخل حزب العمال خصوصا في غرب مدينة سدني والمعروف بتأييده التاريخي لإسرائيل ومجموعة من يسار الحزب ترأس التحرك وزير الخارجية الاسترالي بوب كار المؤسس لمجموعة اصدقاء اسرائيل في حزب العمال حسب صحيفة سدني مورنغ هارولد ومارس ضغوط على رئيسة الوزراء لدفعها للتراجع عن قرارها التصويت ضد مشروع القرار الفلسطيني واستبداله بموقف اقل سلبية وهو الامتناع عن التصويت والمعروف ان جنوب غرب مدينة سدني تسكنها نسبة مؤثرة من المواطنين من حلفيات عربية واسملامية والحكومة الحالية التي تتراجع شعبيتها في تلك المناطق بحاجة الى تلك الاصوات من اجل العودة الى الحكم في الانتخابات التي ستجري العام القادم، هذا بالاضافة الى ان رئيسة الوزراء كانت تخشى على قيادتها للحزب واستمرارها في رئاسة الوزراء بسبب منافسة رئيس الوزراء العمالي السابق كيفن راد والذي يدعم حل الدولتين والذي يتحيـّن الفرص لتحدي زعامة رئيسة الوزراء داخل مجلس حزب العمال حيث له انصاره ويحظى بشعبية واسعة لدى الرأي العام تظهرها بشكل متواصل استطلاعات الرأي العام.
بالاضافة الى ذلك تحرك وفي الظل كل من رئيس الوزراء العمالي الاسبق بوب هوك ووزير الخارجية العمالي الاسبق كارث ايفنز دعماً لتحرك وزير الخارجية وحثوا نواب المقاعد الخلفية للضغط على رئيسة الحكومة لتغييرها موقفها.
وللحد من تداعيات قرارها على علاقتها مع اللوبي اليهودي والذي غضب من موقفها سارعت رئيسة الوزراء للإعلان عن ان قرار الامتناع عن التصويت لن يؤثر على دعم استراليا لإسرائيل والتوصل الى حل الدولتين في الشرق الاوسط ،ولم يتاخر هذا الدعم الذي جاء عندما صوتت استراليا في الامم المتحدة مع حفنة من الدول الصغيرة والولايات المتحدة وكندا الى جانب اسرئيل ضد ثلاثة قرارات تتعلق بحقوق الفلسطينيين وهي:
القرار المعنون "البرنامج الاعلامي الخاص الذي تضطلع به ادارة شؤون الاعلام بالأمانة العامة بشأن قضية فلسطين
القرار المعنون "اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف
القرار المعنون "شعبة حقوق الفلسطينيين بالأمانة العامة"
. اما موقف المعاراضة الفيدرالية التي يتزعمها طوني ابوت وحسب ناطق بإسم المعارضة وصف قرار الحكومة الامتناع عن التصويت على سلبيته بالغباء الحاد سائلاً الحكومة عن الضمانات التي حصلت عليها من الفلسطينيين عن عدم ازالة اسرائيل من الوجود حيث يـُظهر الى اي مدى تأثير المقولة الاسرائيلية التاريخية.
لكن وزير الخارجية اعتبر هذه التصريحات المتطرفة بأنها هجوم على كل العرب الذين يريدون السلام كأي شعب آخر ونفى ان يكون موقف استراليا بحثاً عن دعم اصوات المسلمين الانتخابية في غرب سدني واضاف لا اقدم اعتذار عن الحقيقة ان لاستراليا مصالح في العالم العربي ولو صوتنا ضد اقرار لكانت تلك المصالح قد تعرض للضرر مع اكثر من 20دولة عربية واستطرد كار قائلا بما ان استراليا صديقة دائمة لاسرائيل وستبقى كذلك، لكن علينا ان نرسل لهم رسالة بشأن النشاطات الاستيطانية في الضفة الغربية التي يجب ان تتوقف لانه قد يصبح من المستحيل اقامة الولة الفلسطينية  .
ونختم بقول ابن الرومي: "اياك واستضعاف حق، انه في كل حين حاضر الانصار" وهذه المناصرة للقضية الفلسطينية جاءت من المهاجرين وابنائهم رغم عدم وجود لوبي قوي يوحد قواهم المتعاطفة والمنتصرة للقضية الفلسطينية ،هذا بالاضافة الى ان نسبة لايستهان بها من الشعب الاسترالي تتعاطف مع القضية الفلسطينية.
سدني استراليا

CONVERSATION

0 comments: