الإتحاد الأوروبي.. والموقف من الاستيطان؟/ راسم عبيدات

.....من بعد حصول فلسطين على عضوية دولة غير عضو في هيئة الأمم المتحدة،ردت إسرائيل على تلك الخطوة السياسية،باستمرار عمليات الاستيطان في القدس والضفة الغربية،وفق المخطط الذي رسمته الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة،وضمن البرنامج الذي جاءت على أساسه،وأعلنت عن نيتها إقامة ثلاثة ألآف وحدة استيطانية جديدة،ضاربة بعرض الحائط كالعادة كل قرارات الشرعية الدولية،ومعتبرة ومعرفة نفسها بأنها دولة فوق القوانين،ولا تعنيها تلك القرارات لا من قريب أو بعيد،ورئيس وزرائها المتطرف نتنياهو أعلن بأن الاستيطان سيتواصل ويتصاعد وفق المصالح الحيوية لدولة الاحتلال،وهم مطمئنين إلى أن ردود الأفعال من قبل الاتحاد والأوروبي والولايات المتحدة على تلك الخطوة،لن تخرج عن ما هو مألوف في المواقف الأوروبية والأمريكية التقليدية من إبداء الأسف الى الشجب والاستنكار،او عمليات الحرد الشكلية،وهي لم تصل إلى حد اتخاذ أي شكل من أشكال العقوبات بحق إسرائيل،والدول الأوروبية التي أعلنت أنها تفكر في استدعاء سفرائها من تل ابيب للتشاور كخطوة احتجاجية على ما تقوم به إسرائيل من إجراءات وممارسات قمعية بحق الفلسطينيين وبالذات المقدسيين من تكثيف للاستيطان وهدم للبيوت واستيلاء على الأراضي والعقارات،وزيادة لوتيرة القمع بحقهم  من خلال الاعتقالات إلى الضرائب المتعددة وسن القوانين والتشريعات العنصرية المستهدفة طردهم وترحيلهم من المدينة المقدسة وغيرها،فهذا الموقف الأوروبي ليس إلا ذراً للرماد في العيون،لا يغني ولا يسمن  من جوع،فسياسة الإتحاد الأوروبي تجاه حقوقنا وقضيتنا ليس فقط تكيل بمكيالين و"تعهر" القوانين والمواثيق والأعراف الدولية،وحتى القيم الإنسانية،بل هي تدعم وتساند الاحتلال في كل ما يقوم به من إجراءات وممارسات بحق شعبنا الفلسطيني،ولكي لا ينخدع البعض فلسطينياً وعربياً في تلك المواقف والتي هي أخطر من الموقف  الأمريكي،ذلك الموقف الذي هو منحاز بشكل مطلق للموقف الإسرائيلي علناً وبدون أي مواربة أو رتوش،ولا يرى الأمور والمواقف بغير العيون الإسرائيلية،بل في بعض الأحيان تكون المواقف الأمريكية من الحقوق الفلسطينية،أكثر يمينية من الموقف الإسرائيلي نفسه،ولكن الأخطر من ذلك هي المواقف الأوروبية،فعلي سبيل المثال لا الحصر فرنسا أعلنت رسمياً أن الاحتجاج على ما تقوم به إسرائيل من تصعيد وتكثيف للاستيطان لن يصل إلى حد فرض عقوبات عليها ،وكذلك في قضية التصويت لصالح العضوية المراقبة للدولة الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة،الدول الأوروبية التي دعمت الطلب الفلسطيني وصوتت لصالحه اشترطت على السلطة الفلسطينية عدم التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية،لكي لا تجري محاكمة قادة وجنود الاحتلال ومستوطنيه ورجال مخابراته على ما ارتكبوه من جرائم حرب بحق شعبنا الفلسطيني،وهذا معناه أن الدول الأوروبية التي تغير قوانينها وأنظمتها القضائية لمنع  اعتقال ومحاكمة قادة الاحتلال المرتكبين لجرائم حرب بحق شعبنا على أراضيها،لن تدعم في يوم من الأيام حق شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة.
فبريطانيا التي أوجدت هذا الكيان في قلب العالم العربي،وهي المسؤولة المباشرة والأولى عن كل ما لحق بشعبنا الفلسطيني من جرائم وطرد وتشريد وتهجير قسري عن أرضه،امتنعت عن التصويت،وهي الآن تريد أن تخفف من حدة النقمة الفلسطينية عليها،فعمدت الى خطوة علاقات عامة احتجاجية على مواصلة إسرائيل لاستيطانها  وتصعيده،من خلال التهديد باستدعاء سفيرها هي وأربعة دول أوروبية أخرى من تل ابيب للتشاور كخطوة احتجاجية.
المواقف الأوروبية وخصوصاً الإتحاد الأوروبي تقوم على أساس رؤيتها باستمرار إدارة الصراع،وليس العمل على حله،فهي تقدم المال المشروط سياسياً واقتصادياً للشعب الفلسطيني،وتبيعنا شعارات وبيانات شجب واستنكار،وفي أحسن الحالات تصريحات وتقارير وبيانات في الغالب لا تكون رسمية تدين ما تقوم به اسرائيل من ممارسات وقمع بحق الفلسطينيين،تذهب مباشرة الى الملفات والأدراج في هيئة الأمم المتحدة دون تطبيق أو تنفيذ كسابقاتها،ودول الإتحاد الأوروبي لن ترتقي في مواقفها من إسرائيل الى حد اتخاذ أية قرارات أو فرض عقوبات عليها،ما دامت لا تشعر بأي خطر جدي على مصالحها في الوطن العربي،وهي لا تريد للفلسطينيين أن يحصلوا على دولتهم واستقلالهم وحق تقرير مصيرهم لا بالمقاومة ولا بالمفاوضات،وأقصى ما يريدونه للفلسطينيين هو تحسين ظروف حياتهم الاقتصادية تحت الاحتلال،فأثناء الحرب  العدوانية التي شنتها اسرائيل على شعبنا في قطاع غزة،مجمل المواقف الأوروبية،لم تساوي فقط بين الضحية والجلاد،بل حملة الضحية المسؤولية عن العدوان،حتى ان وزير خارجية بريطانيا وسفيرها في تل ابيب ذهبا الى أبعد من ذلك،حيث توجها فوراً الى "كريات ملاخي"للتضامن مع المستوطنين ضد قصفهم بالصواريخ الفلسطينية،في حين لم يكلفا نفسيهما عناء المطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي او إدانته على غزة،والذي نتج عنه استشهاد عشرات الأطفال الفلسطينيين.
استمرار الاحتلال في مواصلة الاستيطان وتكثيفه،يغلق الطريق أمام أية حلول سياسية،او ما يسمى بحل الدولتين،وخصوصاً ان حملة الإستيطان الجديدة تستهدف عزل شمال الضفة الغربية عن جنوبها،ولذلك على السلطة الفلسطينية،بدلاً من أن تكون خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المراقبة،مدخلاً للعودة إلى المفاوضات العبثية،او تحسين شروطها،يجب العمل على إنهاء ظاهرة الانقسام بأسرع ما يمكن واستعادة وحدة الوطن،وكذلك يجب عدم الركون الى المواقف الأوروبية الغربية في الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان،فهي فقط تبيعنا أوهام وشعارات ومواقف لفظية،وهي الداعم الأكبر لإسرائيل في كل ما تقوم به من إجراءات وممارسات لإنتهاك القانون الدولي،وكذلك هي التي توفر لها المظلة والحضانة والحماية في المؤسسات الدولية التي قد تتخذ بحقها أو العقوبات التي قد تفرض عليها،وهذا يوجب علينا كفلسطينيين ضرورة التوجه الى خوض معركة سياسية جديدة من خلال التوجه لمحكمة الجنايات الدولية من أجل إلزام إسرائيل بوقف كل أنشطتها الإستيطانية،وتفعيل القرارات السابقة الخاصة بالقضية الفلسطينية،وبالذات الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي الدولية،بخصوص عدم شرعية جدار الفصل العنصري .

CONVERSATION

0 comments: