ستة أعوام على إعدام صدام حسين/ أسعد البصري

عندما مات حسن العلوي قال الرواة
(( الفتنة نائمةٌ لعن الله من أيقظها ))
---------
أنا عامل تنظيف في مطعم وقد أخذت
إجازة بسبب حبوب الكآبة التي أتناولها
أسكن غرفة لم أدفع إيجارها بعد .
المالك رجل هندي كلما طلبت منه الإنتظار
نظر إلى القناني الفارغة التي تملأ الغرفة
ولأنه لا يوجد ما أنظفه هذا اليوم
قلت أتسلى بكتاب حسن العلوي (عمر والتشيع - ثنائية القطيعة والمشاركة)
اليتيم............
مات حافظ الأسد و صدام حسين و هادي العلوي وبقي حسن العلوي يتيماً .
بعد أن رحل أخوته الثلاثة الكبار . الذين لم يشعروا يوماً بأهميته ،
كما لم يحملوه يوماً محمل الجد ، رغم كل الضجيج الذي صنعه لإثارة انتباههم.
هؤلاء الثلاثة كانوا يبتسمون عندما يسمعون اسمه أو يرونه .
لأنه بهلوان حتى وهو في عقده السابع
ما زال يرسم على الحيطان حماراً مربوطاً إلى شجرة .
عاش حياته ك (ضد نوعي) أكل وشرب على هذا الأساس .
فهو بعثي عراقي مرتد مع البعث السوري ،
وهو قومي عربي مرتد مع الصفويين
وهو صديق غادر ب صدام حسين مع حكومات الخليج .
أصاب أعداء صدام حسين من هذا الضد النوعي لكن أحداً منهم لم يأتمنه
ولم يقربه ولم يشعره بالإحترام كما فعل صدام حسين.
لهذا بكى عندما رآه يصعد المشنقة .
قبل ست سنوات أُعدِمَ الرئيس العراقي صدام حسين في عيد الأضحى
فكان كبش إبراهيم و ولده الذي طوّقتْهُ السماء.
رقصت الغوغاء حول جثته وقال موفق الربيعي حينها لوسائل الإعلام العالمية :
هذه تقاليد العراقيين وثقافتهم
أنهم إذا قتلوا أحداً رقصوا حول جثته .
حَزَنَ حسن العلوي لأن صدام حسين قد مات
دون أن يتلفظ ولو لمرة واحدة بكلمة شيعي أو سني
كان ذلك إحراجاً لنظريته سيئة الصيت
عندما ظهر شريط الإعدام فتح صلاح عمر العلي ديوان الجواهري وقرأ
(( تحدّى الموتَ واختَزَلَ الزمانا
فتىً لوّى من الدّهر العنانا ))
لما ظهرت الأغاني والتهاليل على التلفاز
اصطدمت بوجوم العراقيين من شماله إلى جنوبه ..
اتصل حسن العلوي بوزير الإعلام قائلاً أوقفوا الأغاني فإن الرجل قد مات .
ثم تذكر حسن العلوي ما قرأه عن جثة عبد الله بن الزبير
وكيف أنها ظلت مصلوبة حتى مر بها عبد الله بن عمر وقال :
أما آن لهذا الراكب أن ينزل...فلما سمع الحجاج قوله أنزل الجثة ودفنها.
تذكّرَ حسن مقولة عبد الله الزبير (( صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم ))
ثم تساءل :هل كان صدام يحاكم
أم أنه كان مصلوباً على محكمة أنزلته المشنقة عنها .؟
الذي حيّرَ المثقفين لحظة الإعدام في عيد الأضحى ليس الإعدام نفسه
بل قهقهات الرئيس أمام هؤلاء الملثمين الذين يهتفون هتافات غريبة على مسامعه .
لم يُحلْ لغز تلك القهقهات حتى أفشت زوجته السيدة ساجدة طلفاح السر
قائلة أنه كان كثيراً ما يسمع في منامه بيت دعبل الخزاعي :
(( إني لأفتحُ عينيْ حينَ أفتحها
على كثيرٍ ولكنْ لا أرى أحدا ))
وقد كان تفسير رؤياه يؤرقه ويزعجه ، حتى أنه سأل العرافين دون جدوى .
حين جاءت لحظة النهاية ورأى الملثمين شعر بارتياحٍ و فرحٍ غامر
هذا سبب ضحكه
لقد عرف أخيراً تأويل رؤياه .
صدام حسين سعى بجنون إلى هذا المصير
كان صوتٌ غريب يقود به إلى هذا المكان .
يقول الكاتب الوهمي مهدي حيدر في رواية عالم صدام حسين
إنّ ( صدّام ) أيام شبابه في القاهرة
ارتطم برجل مصري بدين في أربعينياته
يحمل صحيفة في يد والخضار في اليد الأخرى
وبعد أن اعتذر الرجل المصري ظل صدام حسين يراقبه
حتى غاب الرجل في الزحام .
ثم سمع صوتاً من أعماقه يقول :
لستَ أحد هؤلاء
حسن العلوي مرتد كبير في تاريخ العراق الحديث ،
لهذا يؤلف كتاباً عن عمر بن الخطاب وليس في أبي بكر الصديق .
لأن هذا الأخير قاس على المرتدين وقاطع لرؤوسهم .
يقول في كتابه ( عمر والتشيع ) ص ١٤٢
(( ومن يراجع لائحة أبي بكر ، والتي أصدرها في حروب الردة
يجد فيها سابقة واضحة الفقرات لقوانين الإجتثاث السائدة في أيامنا هذه ))
هامش
.........
أين هؤلاء الشعراء الذين كانوا يقولون
إن قصائدهم كقصائد لوركا
والنظام العراقي السابق كان يطاردهم بسببها
أين هذه القصائد بحق الجحيم ؟؟ مثل ماذا ؟؟ ما هذا الكذب ؟
لو كان هناك مثقفون و مبدعون وطنيون مناضلون
معارضون للرئيس السابق صدام حسين
لرأيناهم الآن ضد حكومة الفساد والمحاصصة الطائفية
إن التجربة أثبتت أنه لم يكن هناك مثقف واحد معارض فعلاً
للرئيس صدام حسين سوى سعدي يوسف
لأنه معارض حقيقي للفساد والإجرام الحالي في العراق أيضاً
التجربة أثبتت كذلك أن شعراء المعارضة السابقين
كانوا مجرد شعراء أمم متحدة و منظمات إنسانية
يعني شعراء لجوء و هجرة لا أكثر ولا أقل
هذه هي الحقيقة حتى لا توجعون راسنه بالكذب والنفاق
تصدق حزب البعث خلال مسيرته الطويلة على المعارضة بكاتبين
هما حسن العلوي و سعد البزاز وأعتقد أن النظام السابق كان مرتاحا لذلك
لكي لا يُقال في الخارج أن العراقيين العرب بلا عقول
والثقافة العراقية كلها كردية و فارسية
هناك مثل بصراوي عبقري يقول :
(( شافونه سودْ
عبالهم هنودْ ))
نحن نقرأ الكذب الحالي و نصمت
لأن هذا حكم القوي على الضعيف
مَنْ عنده رأي قوي فليكتبه بسحر و قوة
وإلا لا يدوّخنه بإسلوبه الركيك
عندما التحقت بالمعارضة العراقية في دمشق عام ١٩٩٢م
كان نوري المالكي يصدر جريدة أسبوعية بسيطة هي (الموقف الإسلامي )
وكان باقر الزبيدي يصدر جريدة المجلس الأعلى الشهيرة (نداء الرافدين )
أتذكر في السيدة زينب ريف دمشق أعطاني صديقي سيد محسن هذه الصحف
وقال هنا يمكننا التعبير عن أفكارنا بعيدا عن قمع النظام العراقي
حين تصفحت تلك الصحف قلتُ : هل هذه حقاً أفكاركم قال : نعم
قلتُ أنا سعيد أن النظام العراقي نجح في قمعها حتى الآن هذه كارثة
ضحكنا وقتها لكننا كنا مقتنعين بحرب أهلية قادمة لا محالة
التاريخ يراه الشاعر بوضوح بمساعدة الروح والموهبة
فهو لا يتحاور لأنه مُلهَم و ضحية إلهامه

CONVERSATION

0 comments: