ما كتبه شربل بعيني يصب في خدمة أبناء الأمة/ د. فؤاد الحاج

هذا المقال كتبه الاعلامي المهجري المعروف فؤاد الحاج كتعليق على مقال شربل بعيني "أبو الهول.. سيهدم لا محالة" وقد نقلناه الى صفحة كلمة حرة لأهميته:

العزيز شربل بعيني
تحية طيبة
إن هؤلاء المتأسلمين بقصد أو بغير قصد يسحبون الأمتين العربية والإسلامية إلى عصور الظلام والاستبداد قبل .
فبعد أن قام مرشحون متأسلمون في مصر بإضافة حرق روايات لنجيب محفوظ وأرشيف أغاني أم كلثوم وفايزة احمد ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من الفنانين الكبار إلى شعاراتهم الانتخابية، وبعد أن قام متأسلمون متشددون آخرون بمحاولة حرق المتحف الفرعوني ومحاولة تحطيم تمثال أبو الهول.
وقد شهد الشرق العربي مؤخراً محطات ذات دلالات خطيرة أذكر منها:
قيام جماعات متأسلمة متشددة في سورية بتحطيم تماثيل نصفية لأبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني على اعتبار "أنهما من أنصار آل البيت" وهذا افتراء كبير لأهم شعراء العرب عبر التاريخ. كما قام هؤلاء المتأسلمين بتحطيم تماثيل أخرى لرموز عربية وإسلامية في حلب وادلب ومعرة النعمان مثل أبو العلاء المعري والفارابي وغيرهم.
وكذلك في طرابلس (الفيحاء سابقاً) التي كانت رمزاً للتعايش لكل أبناء لبنان من كل الطوائف والمذاهب التي لم يكن يتلفظ بها أو يعرفها ابن لبنان قبل عام 1975، أصبحت طرابلس اليوم مع الأسف معقلاً لكل المارقين الذين يعملون على تحقيق مخططات أعداء الأمتين العربية والإسلامية بقصد أو بغير قصد. وما أذكره عن طرابلس أيضاً يمكن أن يقال عن جنوب لبنان وباقي المناطق اللبنانية التي أصبحت مرتعاً وموطىء قدم لأتباع إيران وللمدعومين من حكام بلاد نجد والحجاز، وذلك تحقيقاً لمنهج "الفوضى البناءة" الأمريكية التي هي في حقيقتها فوضى هدامة، وتحقيقاً لقيام ما يسمى "الشرق الأوسط الجديد"، ضمن فيدراليات وكونفيدراليات طائفية مذهبية، وهو ما يعمل أعداء الأمة الداخليين قبل أعداء الخارج لتحقيقه. والمتابع لمجريات الأوضاع في البلدان العربية عامة يلاحظ أن كل الدساتير تم البدء في تغييرها لتصبح طائفية وليست وطنية وقومية، وأن من يعيد قراءة الدستور اللبناني تحديداً يجد أن مشاكل لبنان إنما هي مختصر لمشاكل الأمتين العربية والإسلامية التي كرستها "اتفاقية الطائف" كتابة نصية بعد أن كانت عرفاً شفهياً، حيث بات لبنان طائفياً مذهبياً وقاطنيه أصبحوا طوائف لا مواطنين مع الأسف الشديد، وهكذا ستصبح باقي البلدان العربية دون استثناء طوائف متناحرة في تسلسل ما يسمونه "الربيع العربي".
لذلك أقول أنه لا ولن تستقيم مصلحة الوطن حتى تقام فيه الوطنية مقام الطائفية والمذهبية البغيضة التي كانت وستبقى آفة الوطنية والقومية، ولا يعنى فيما أقوله أنني ضد الدين بل على العكس من ذلك أني من أشد المتحمسين والمدافعين عن الدين ولا أفرق بين هذا أو ذاك وأنني ضد الإلحاد مهما كان ومن أينما أتى. كما أنني أؤمن بأن مَنْ لا دين له لا يمكن أن يكون لديه إيمان، ومن كان كذلك لا يمكنه أن يكون أمينا على أرض أجداده ووطن أحفاده.
مما تقدم يمكنني التأكيد أن ما كتبه الزميل العزيز شربل بعيني كشاعر يصب في خدمة أبناء الأمة لأن دور المثقف الواعي في هذه المرحلة من أصعب الأدوار خاصة وأنه يخاطب العقل العربي الذي ليس بحاجة إلى تجديد لأنه كان من الأزل العقل الذي بارك الله فيه أمة العرب واختارها أمة للرسالات السماوية وخاتمة للأنبياء والمرسلين باختيار النبي العربي محمد (صلوات الله عليه) القائل: (إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق). تلك الأمة التي قال فيها أمير الشعراء أحمد شوقي: (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا)، والأمة اليوم تمر في مرحلة فقدان الأخلاق والقيم وهي من أخطر المراحل التي تمر عبر التاريخ، من هنا يأتي دور المثقف الواعي الذي يريد أن يحافظ على الوطن والمواطن في مواجهة أعداء الأمة الذين يعملون على إعادة صياغة عقل العربي طائفياً ومذهبياً، وتكريس الصراع بين أبناء الأمة.
والحديث يطول وفي القلب غصة ولكن الأمل باق في المثقفين الواعين من أبناء الأمة في أماكن تواجدهم في الوطن الأم وفي بلاد المهجر.
د. فؤاد الحاج
ملبورن – أستراليا
16/12/2012

CONVERSATION

0 comments: