لماذا لم يتعرض حسن نصر الله في خطابه الأخير لما يجري في سورية؟!/ محمد فاروق الإمام

يتساءل المراقبون والمتابعون والمهتمون: لماذا تحاشى السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير الذي ألقاه يوم 26 تموز الحالي، بمناسبة ما يدعيه نصر تموز على القوات الإسرائيلية، ذكر ما يجري في سورية من أحداث، ودون أن يركب موجة ادعاءات النظام السوري – كعادته في كل خطاباته وتصريحاته السابقة - من أن هناك مؤامرة تحاك ضد سورية الأسد الذي يقود معسكر المقاومة والممانعة، وهذا أمر ملفت للنظر ويثير الكثير من إشارات الاستفهام والتعجب، فقد يكون سبب إحجامه عن الخوض في الحديث عما يجري في سورية، بحسب رأي هؤلاء المهتمين، أن ما بات يجري في سورية من حقائق على الأرض جعلته يعيد النظر ويدقق في الألفاظ التي كان يكيلها جزافاً ضمن مسار واحد، وهو التهجم على المتظاهرين الذين يثيرون – بزعمه - الفتنة والانشقاق في بلد الصمود والتصدي والممانعة خدمة للإمبريالية والصهيونية وتنفيذاً لأجندة خارجية تريد النيل من معسكر المقاومة الذي يقوده بشار الأسد وهو جزء منه كما يدعي؟!
مهما يكن فإن نصر الله بدأ يعيد حساباته ويفكر بسورية بعد سقوط الأسد الذي لابد منه إن آجلاً أو عاجلاً، وهذا ما جعله إلى اعتماد خطاب أكثر حذراً وأشد حيطة حتى لا يضع بيضه كله في سلة نظام متهالك تلوح كل المؤشرات إلى سقوطه بعد أن أخفق إخفاقاً ذريعاً بعد أربعة شهور قاسية عليه في ضبط الأمور المنفلتة في سورية رغم القبضة الأمنية الوحشية الرعيبة، وإخفاقه في تنفيذ وعوده الإصلاحية التي أطلقها منذ بداية الأزمة والتي لم يفعّل منها شيء على الأرض، رغم إصداره مراسيم وقوانين بالجملة (إلغاء حالة الطوارئ، إلغاء المحكمة العسكرية، قانون الأحزاب، قانون الإعلام، وقانون الانتخاب)، وإصدار ثلاثة مراسيم عفو عام عن السجناء والمعتقلين، والتي كانت كلها حبر على ورق وممسحة تحت أقدام ومجنزرات وفوهات بنادق الشبيحة وهروات رجال الأمن ورصاص بعض أسلحة فرق الجيش الموالية للنظام، التي أودت بحياة أكثر من 2000 مواطن سوري بينهم أكثر من مئة طفل وعشرات النساء ومئات الشيوخ، واعتقال أكثر من 15000 ألف مواطن واختفاء أكثر من 3000 آخرين، وتهجير ما يزيد على 15000 ألف سوري (جلهم من النساء والأطفال) إلى دول الجوار، إضافة إلى حصار المدن وتقطيع أوصالها وانتشار الدبابات وراجمات الصواريخ في ساحاتها وبين أحيائها ترصد حركة كل مواطن وباب كل بيت ودار.
وسبب كل هذا الإخفاق، يقول بعض المحللين، أن هذه المراسيم وهذه القوانين جاءت متأخرة جداً، وكان من الممكن أن تؤتي أكلها لو صدرت قبل 15 آذار المنصرم أو قبل اعتقال أطفال درعا وتعذيبهم المروع الذي شاهده السوريون والعالم على شاشات الفضائيات العربية والعالمية، وتفجير شلالات الدماء في كل شارع وساحة وحي وزنقة من المدن والبلدات والقرى السورية.
حسن نصر الله كان حذراً في خطابه ويزين بدقة كل كلمة يقولها وقد وجد نفسه في هامش ضيق ومحدود للمناورة وقد بدأ معسكر المحور الإستراتيجي الذي يضم النظام السوري وإيران بالإضافة إلى حزبه يتفكك ويتصدع بفعل الثورة الشعبية الجارفة في سورية، التي تتوسع يوماً بعد يوم عمودياً وأفقياً، حتى غدى ميدانها الخريطة السورية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، والجماهير الغاضبة تهدر على قلب رجل واحد، بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أو الطائفة أو المعتقد أو الانتماء: (الشعب يريد إسقاط النظام) وهذه الحالة جعلت حسن نصر الله يتعامل بحذر كبير مع ما يجري في سورية، ويعيد حساباته في الوقوف إلى جانب النظام على غير هدىً، فالتضليل له حدود والدجل له آجال والكذب حبله قصير، وخاصة وأن الشعب السوري قد أبرم أمره واتخذ قراره ولا رجعة بعد كل هذه الأنهار من الدماء وبعد تنسمه هواء الحرية ولذة طعمها وإن كانت مغمسة بالدم، وقد افتقدها لنحو خمسين عاماً عجافاً في ظل القبضة الأمنية الرهيبة في عهد الأب والابن من آل الأسد، الذين اختزلوا سورية الحضارة والتاريخ الضارب جذوره في الأرض لأكثر من 7000 آلاف عام بشخص الأسد (سورية الأسد) دون (سورية الحثيين) و(سورية الآراميين) و(سورية الفينيقيين) و(سورية الكنعانيون) و(سورية الغساسنة) و(سورية الحضارة الإسلامية) التي كانت لعاصمتها دمشق شرف إعداد جيوش الفتوح التي انطلقت شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً محررة الإنسان من عبوديته للإنسان إلى عبودية الواحد الأحد الديان، وجسدت قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
إن اندلاع الأحداث غير المسبوقة في سورية لم يكن في حسبان السيد حسن نصر الله، الذي ظن أو كان متوهماً أن النظام السوري سيتمكن من سحق الاحتجاجات ووأد هذه الثورة بسرعة دون أن يكون له انعكاسات سلبية عليه، ولكن مع استمرار الاحتجاجات التي كانت ككرة الثلج المتدحرجة تكبر يوماً بعد يوم، تنبه لضرورة عدم وضع نفسه في موقف حرج وهو يردد ما تقوله أبواق النظام وما يردده رموزه، من أن هناك مؤامرة أمريكية ترمي إلى تقسيم سورية، وأن هناك مندسين ومخربين وعصابات أصولية مسلحة تروع الناس وتقتل المدنيين والعسكريين لإذكاء الفتنة وزرع الفوضى.
وقد مجّ السوريون دعاويه في خطاباته السابقة لهم إلى الحفاظ على نظامهم والتمسك بقيادة الأسد الذي يقود معسكر "المقاومة والممانعة"، وترديد هذا الكلام من حسن نصر الله وتبني وسائل إعلامه والمتحالفين معه في لبنان الرواية الرسمية للنظام عما يجري في سورية، أثار غضب المتظاهرين السوريين على حسن نصر الله وحزبه وكل حلفائه في الثامن من آذار فأحرقوا صوره وأعلام حزبه، ولم يسلم من لعنات المتظاهرين ووصفه بذيل الأفعى التي تحكم سورية.
ويرى بعض المحللين أن حسن نصر الله وضع نفسه في موقف لا يحسد عليه، فكل احتمالات المستقبل في سورية في غير صالحه، سواء حلت الفوضى في سورية
أو جاء نظام جديد، أو تمكن النظام الحالي من إطالة عمره وهو ما هو عليه الآن من ضعف وهوان، وقد ترك انطباعاً في الشارع العربي حتى الوقت القريب أنه المقاوم والمدافع عن الحقوق القومية، فماذا سيكون حاله بعد رحيل النظام السوري السادي، وقد وقف إلى جانبه وهو يقتل الأطفال والنساء والشيوخ ويعتقل ويعذب ويحاصر المدن ويهجر الآلاف، ماذا تراه يقول للعرب والسوريين، وهو الذي يدعي مقاومة الصهاينة، الذين أمبهروا به ومنحوه لقب سيد المقاومة وقد انحدر بموقفه المشين الذي يتنافى مع أخلاقيات المقاومين وثقافتهم إلى أدنى مراتب القيم والأخلاق تجاه الثورة السورية التي تمثل ضمير السوريين وضمير العرب في كل مكان؟!
ويقول بعض الباحثين المشفقين على السيد حسن نصر الله وحزبه: (إن قوة حزب الله ترتكز على أساس أخلاقي وكلمات كبيرة مثل الحرية والتحرير، وأن حزبه ساند "الربيع العربي" في كل من مصر وتونس وليبيا والبحرين.. في كل مكان ما عدا في سورية، إنه تناقض غير مقنع).
ويقول آخرون: (إن حزب الله قلق بدون شك، إذ في حال انهار النظام كليا، سيتأثر في الصميم من الناحية الإستراتيجية، لاسيما إذا كان النظام الجديد الذي سيحكم سورية سيحمل روحا ثأرية من إيران وحزب الله).
حسن نصر الله بإمكانه أن يعود إلى الشارع العربي والسوري بصورته السابقة، التي اهتزت وسقطت، إذا أدار ظهره للنظام، الذي بانت كل عوراته وقد سقطت كل أوراق التوت عنها، وقطع كل علاقاته معه، وقدم اعتذاراً صريحاً وواضحاً إلى الشعب السوري عن مواقفه السابقة المؤيدة لهذا النظام السادي المجرم، وصحح من موقفه وموقف حزبه من إيران، وتوقف عن التبعية العمياء لها وتنفيذ أجندتها في المنطقة العربية وخاصة في سورية ولبنان، عند ذلك سيجد الشعب السوري كعادته متسامحاً ومتسامياً يمد يده إليه رغم الجراح والآلام!!

CONVERSATION

0 comments: