الإتحاد الأوروبي والخروج من مأزق أيلول/ سامي الأخرس

ليس من الغريب أو المفاجئ ما دعا له وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي في اجتماعهم بالأمس فيما يتعلق بإستحقاق أيلول، أي؛ فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية، والدعوة لحوار أو مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، الذي يأتي بمثابة خروج من مأزق مصداقيته أمام الرأي العام المحلي الأوروبي. فدول الإتحاد تشهد إنقساماً واضحاً في مواقفها من الدولة الفلسطينية أو من استحقاق أيلول، بعدما بدأت حركة الفعل الفلسطيني دفعها بإتجاهين، أولهما: الإتجاه الرسمي من خلال الدبلوماسية الفلسطينية والعربية التي توحدت في قالب واحد وهو مواجهة الإندفاع الإسرائيلي والضغوطات الأمريكية، وثانيهما: التحرك الشعبي للجاليات الشعبية الفلسطينية المقيمة بأوروبا، مما يؤكد القناعات الراسخة لدى الرأي العام الأوروبي بحقوق الشعب الفلسطيني وعدالة مطلبة.
هذا الإندفاع وهذه المطالبات الفلسطينية هي تعبير عن حالة قصوى لجأت إليها السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل إستحقاق أيلول، ورفع سقفها السياسي، وحشد ديبلوماسيتها لأعلى مستوياتها، في مشهد يوحي بأن السلطة الوطنية قد تأكدت من حسم المعركة التي تخوضها لصالحها، مما يضع السلطة الوطنية في مأزق فعلي من خلال عدم وضع البدائل التي يمكن استخدامها كخيارات بديلة في حال عدم الحصول على موافقة الأسرة الدولية ممثلة بالأمم المتحدة بالإعتراف بالدولة الفلسطينية، مما يؤكد عشوائية المنهجية السياسية الفلسطينية من جهة، وعشوائية الخطط المستقبلية التي تتجلي في سؤال ؤئيسي وحيوي، ما هي الاستعدادت الفعلية للسلطة الوطنية في حال موافقة الأمم المتحدة بالإعتراف بالدولة الفلسطينية؟! هذا السؤال يفرضه علينا حالة التشرذم الفلسطينية الداخلية، والضعف الذي تعاني منه السلطة الوطنية سياسياً، ومادياً في ظل المتغيرات التي تعصف أولاً بالمنطقة العربية التي اصبحت تتعرض لحالة إنعدام بالتوازن، وثانياً حالة من التفسخ الذي تعيشة حركة فتح صاحبة المشروع السياسي المتعاطي بقوة مع إستحاق أيلول وكأنه طوق النجاة، وهذه الحالة تتمثل بتيار قوى يعبر عنه الرئيس محمود عباس، وتيار أضعف يقوده النائب محمد دحلان، وتيار ثالث ينتظر ما تسفر عنه عملية الحسم.
وربما حالة اللاتوزان التي تعيشها المنطقة عامة هو ما عبرت عنه سوريا بالأمس من خلال اعترافها بدولةف لسطينية على حدود عام 1967م، وهو عبارة عن إنقلاب سياسي شامل في العقلبة السياسية السورية التي كانت حتى الأمس لا تعترف إلاّ بفلسطين كاملة محررة، هذا الإنقلاب الطارئ دلالة على أن أوضاع المنطقة أصبحت في حالة اهتزاز وسيطرة أمريكية على مقاليد الحركة والمتغيرات في المنطقة برمتها من جهة، وهو ما استدركه النظام السوري الذي يعيش حالة أو مأزق سياسي فعلي داخلي فرضته عليه الأحداث الداخلية، والخارجية، المحيطة به، وبمنطقتنا العربية التي أصبحت تتعرض لإهتزازات عنيفة كما يحدث في " مصر، ليبيا، تونس، السودان، العراق، اليمن، فلسطين، الصومال، البحرين" ومجموعة أخرى تنتظر وتترقب مجريات الأحداث وهي تدرك أن ثورة البركان ربما تصيبها بأي وقت.
حقائق وشواهد ليست بعيدة أو منفصلة عن الموقف الأوروبي المستحدث اليوم، والذي يعبر عن مخرج فعلي لجميع الأطراف التي تواجه إستحقاق ايلول لعام 2011م.
أولاً: دعوة السلطة الوطنية وإسرائيل للمفاوضات المباشرة حول استحقاق أيلول يعتبر مخرجاً أولياً للأزمة التي يعيشها الإتحاد الأوروبي داخلياً حول موقفه من إعلان الدولة الفلسطينية، هذه الأزمة عبرت عنها العديد من الدول الأوروبية من خلال رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني، بعملية خداع بصري تعرضت لها السلطة الوطنية في إندفاعها صوب هذا الإستحقاق دون وضع بدائل أخرى. كما مثل مخرجاً للمأزق الأوروبي أمام الرأي العام الضاغط على حكوماته في ظل ما يشهده من تحولات ايجابية نحو القضية الفلسطينية، وهو ما تجلى في قضية الشيخ رائد صلاح الأخيرة في بريطانيا.
ثانياً: الدعوة الأوروبية تمثل كذلك مخرجاً للولايات المتحدة الأمريكية التي تتوجه بكل ثقلها حالياً في أهتزازات المنطقة العربية وسيناريوهات هذه المتغيرات، وكذلك في مواجهتها للضغوطات الشعبية بعدما إنكشفت عورتها في أفغانستان والعراق وليبيا، وسقوط مبرراتها التي كانت تسوقها تحت أوهام الحرب على الإرهاب، وحقوق الإنسان، وتحول الرأي العام العربي حول تبني القضية الفلسطينية في حركاتة الشعبية وهي حالة ضاغطة تواجه سياسات الولايات المتحدة في ظل المتغيرات الأخيرةالتي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية تمريرها دون التدخل بشكل مباشر.
ثالثاً: كما تمثل الدعوة الأوروبية مخرجاً لإسرائيل التي اصبحت تجد صعوبة في إقناع الرأي العام العالمي بمواقفها السياسية تجاه القضية الفلسطينية وخاصة بعد حرب غزة الأخيرة عام 2008م، وسقوط مبرراتها التي كانت تلجأ لها في دعايتها السابقة، وهذا المخرج هو ورقة إسرائيل الرابحة التي تستطيع من خلالها اللعب بها بكل إبداع من خلال المراوغة التي تجيدها وتتقن أبجدياتها في مواجهة مفاوض فلسطيني لا يملك من الأوراق اي مصادر قوة، بل أصبح مفاوض عارياً مع الإنقسام الداخلي، وإنشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية.
رابعاً: إعتبار الدعوة الأوروبية مخرجاً للسطلة الوطنية الفلسطينية التي وصفها نبيل عمرو بأنها صعدت لأعلى الشجرة ولن تعرف كيف تنزل، وهو فعلاً يعبر عن حالة الإندفاع السريعة غير المتوازنة التي إنتهجتها السلطة الوطنية فيما يتعلق باستحاق أيلول، فهي لا تمتلك أي بدائل عقلانية يمكن من خلالها اللجوء إليها، في ظل حالة الضعف والوهن التي تعاني منه السلطة في المرحلة الحالية، وحالة الهشاشة الجغرافية، والسياسية، والمالية، والمأزق الشعبي الذي تجد نفسها فيه من خلال صراعها مع حركة حماس في غزة والضفة، وصراعها الداخلي ما بين غضب فتح على رئيس الوزراء سلام فياض من جهة، وغضبها على الرئيس الفلسطيني بعد تصعيد قضية محمد دحلان. وعليه ربما تكون الدعوة الأوروبية مخرجاً منطقياً للسلطة الوطنية في حال مواجهتها للرفض الدولي والأمريكي لاستحقاق أيلول.
هذه الاحتمالات جميعها تعبر عن حالة التخبط السياسي المفروض واقعياً علينا كفلسطينيين، مما يتطلب منا التوجه أولاً لإستحقاق أهم من استحقاق أيلول لا ينتج لنا سوى دولة على الورق بلا أي معالم أو حدود أو سيادة، ألاّ وهو استحقاق المصالحة والوحدة لافعلية التي من خلالها يمكن تصليب جبهتنا الداخلية المفتتة، وتوحيد موقفنا الوطني الفلسطيني نحو القضايا الرئيسية، والثوابت الوطية، ووضع إستراتيجية الحياة لهذه الدولة التي نريد، وتحديد ملامحها المستقبلية الأساسية جغرافياً وسياسياً، وإقتصادياً، وسيادتها على الأرض، وسيادتها على قراراتها وذاتها.
فالحالة العامة دولياً وعربياً وفلسطينياً هي حالة متشابكة معقدة، تحتاج إلي إستدراك واعِ لفهم وفك طلاسم معادلتها، وأستيعاب أبعاد ما يحدث من متغيرات في الوعي المفاهيمي الشعبي والرسمي، وإدراك حجم هذه المتغيرات في الفهم الأمريكي للمنطقة ورؤيته تجاهها وإستراتيجيته المستحدثة والمستولدة من حركات الفعل الشعبي، ومن ثم التحرك صوب الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

CONVERSATION

0 comments: