الغرب الاستعماري عارياً/ راسم عبيدات


..... مليون مرة قلنا كما قال المأثور الشعبي "إللي بجرب المجرب عقله مخرب"،وكذلك كما قال الحديث الشريف "لا يلدغ المؤمن من جحره مرتين" ولكن يبدو أننا كفلسطينيين وعرب نلدغ بدل المرة عشر مرات ونجرب المجرب بدل المرة مئة مرة،ونتعامل مع الأمور على قاعدة أيضاً المأثور الشعبي"عنزة ولو طارت"،فنحن كنا وما زلنا كعرب وفلسطين نضع خطوطاً فاصلة بين المواقف الأمريكية والأوروبية الغربية في التعامل والمواقف من قضايانا ومن الاحتلال الإسرائيلي،ولكن الحقائق على الأرض تثبت أن المسألة ليست أكثر من تقاسم وتوزيع أدوار،وأوروبا الغربية لا تخرج عن العباءة الأمريكية،بل وفي أحيان كثيرة مواقف الغرب الأوروبي الاستعمار أكثر تطرفاً وتشدداً من المواقف الأمريكية من قضايانا وبالذات القضية الفلسطينية،فها هي بريطانيا الاستعمارية تعتقل الشيخ رائد صلاح،واحد من أبرز قادة الحركة الوطنية الفلسطينية الذين يدافعون عن وجودهم وحقوقهم في وجه أبشع استعمار واحتلال عرفه التاريخ البشري،الشيخ يعتقل بتهم لا وصف لها سوى بأنها أسخف من سخيفة وتأتي استجابة لضغوط اللوبي الصهيوني،فبريطانيا التي تعتقل الشيخ رائد صلاح بتهمة ما يسمى بمعاداة السامية،هذا الشيخ الذي هو واحد من رموز الحرية ودعاة العدل والمحبة والتسامح،وألقى ندوات ومحاضرات في جامعات إسرائيلية،وعبر عن أرائه ووجهة نظر بشكل واضح وصريح،وبريطانيا المتشدقة بالحرية والديمقراطية،هي أبعد عن كل هذه المعايير والقيم،ولا تعترف بها او تطبقها هي والغرب إلا عندما تخدم أهدافهم ومصالحهم،وعلينا نحن الفلسطينيين أن نغرس في ذاكرة أجيال شعبنا لمئة جيل قادم بأن بريطانيا هي المسؤولة الأولى وبشكل مباشر عن مأساة ونكبة شعبنا وتهجره وتشرده في المنافي والشتات،فهي التي زرعت اليهود في قلب فلسطين،وبدلاً من أن تكفر عن خطاياها وذنوبها توغل في ارتكاب الخطايا بحق شعبنا،وأيضاً يجب ملاحقتها في كل المحافل الدولية كمسؤولة عن ما حل بشعبنا الفلسطيني من مآسي ونكبات.

بريطانيا تعتقل الشيخ رائد صلاح بتهمة معاداة السامية،تعدل وتغير قوانينها وتشريعاتها وأنظمتها حتى توفر الحماية والحصانة لقادة الاحتلال الإسرائيلي الذين ارتكبوا جرائم حرب بحق شعبنا الفلسطيني من الاعتقال،وتهرب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق"عمير بيرتس" والمتهم بارتكاب جرائم حرب أثناء الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على لبنان في تموز/2006 حتى لا يجري اعتقاله بعد دخوله بريطانيا ووجود مذكرة اعتقال بحقه.

أما فرنسا بلد "الديمقراطية والحريات" فرئيس وزرائها ساركوزي "ينعق ليل نهار ويطالب في كل محفل ولقاء بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المأسور في قطاع غزة من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية،أما عندما يتعلق الأمر بأكثر من ستة ألآلاف مناضل فلسطيني قضى أكثر من 138 منهم عشرين عاماً فما فوق في سجون الاحتلال الإسرائيلي،ويتعرضون إلى ممارسات قمعية وإذلالية ترتقي إلى جرائم حرب،فإن لسانه يخرس وعيونه تعمى،وفرنسا التي تعرضت للاحتلال،تمنع المتضامنين الأممين وتعتقلهم وفي مخالفة صريحة للقانون الفرنسي نفسه من القدوم إلى فلسطين المحتلة للتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة منذ أكثر من خمس سنوات،وأكثر من ذلك تشطب وزارة التربية والتعليم الفرنسي في عداء سافر ووقح لشعبنا الفلسطيني مصطلح النكبة من منهاج التعليم الفرنسي استجابة لضغوط إسرائيلية،حيث أصدر وزير التربية والتعليم الإسرائيلي العنصري"جدعون ساغر" قراراً في تموز/ 2007 بشطب مصطلح النكبة وإخراجه من منهاج التعليم العربي في الداخل الفلسطيني- مناطق 48 - ، وفرنسا تحتضن وترعى مؤتمراً للمعارضة السورية وبإشراف عدد من قادة الحركة الصهيونية،معارضة تطالب بالحرية والديمقراطية كيافطة، ولكن هي في الحقيقة معارضة مشبوهة الأهداف والأجندات،فالغرب لا يجلب لا ديمقراطية ولا حرية للعرب،بل هذه القيم لا تعني له شيئاً إلا بمقدار خدمتها لأهدافه ومصالحه،والجميع شاهد ورأى والعراقيين جربوا وما زالوا يجربون نتائج الديمقراطية الأمريكية المزعومة في العراق، وكذلك فرنسا رعت واستضافت مؤتمراً للمعارضة السورية،معارضة تريد أن تستقوي بالغرب لتدمير سوريا يجب التعامل معها بحزم وشدة.

والأمور ليست وقفاً على بريطانيا وفرنسا اللتان تحنان الى مجدهما وتاريخهما الاستعماري،فحتى اليونان التي كانت صديقاً تاريخياً وتقليدياً للشعب الفلسطيني مورست عليها الكثير من الضغوط سياسياً واقتصادياً ودبلوماسيا من أجل منع أسطول الحرية "2" من الإبحار من موانئها،وفعلاً منعت اليونان أسطول الحرية من الانطلاق من موانئها باتجاه قطاع غزة المحاصر.

هذا الغرب الاستعمار في أكثر أشكال سفوره وعريه الآن،غرب زرع دولة الاحتلال الإسرائيلي في قلب فلسطين،من أجل منع توحد الأمة العربية،وكخادمة ومنفذه لأهدافه ومصالحه في المنطقة من المستحيل ان يجلب الخير والحرية لشعبنا الفلسطيني،فها هم يتصرفون كأشد المتطرفين الصهاينة عداءاً لشعبنا الفلسطيني،فالكونجرس الأمريكي صفق بحرارة ولثلاثين مرة لنتنياهو الذي ألقى خطابه أمامه،وهو يقول بأنه لا عودة لحدود الرابع من حزيران ولا لعودة لللاجئين الفلسطينيين،ولا لتقسيم القدس،ومجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين وافقوا على قرار يجمد المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية،إذا ما استمرت في مساعيها للتوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الخامس من حزيران/ 1967،فعدا عن أن هذا القرار يشكل تدخلاً سافراً ووقحاً في الشأن الداخلي الفلسطيني،فإنه يعتبر تنكراً لحق الشعوب في تقرير المصير الذي نادت وتنادي به أمريكا.

إزاء ما ذكر والذي يشكل غيضاً من فيض من المواقف العدائية الأوروبية الغربية لشعبنا الفلسطيني ولقضايانا العربية،فإنه بات من الملح والضروري لنا كعرب وفلسطينيين،أن نتوقف عن مسلسلات خداع الذات وخداع الشعوب والجماهير،وأن لا نستمر في تجريب المجرب،علينا أن ندرك جيداً بأن الغرب وأمريكا لن يغيروا من رؤيتهم ومواقفهم تجاه قضايانا،بدون أن يشعروا بأن مصالحهم في المنطقة العربية ستتعرض إلى مخاطر جدية،والمسألة ليست بحاجة إلى شعارات وخطب عصماء و"هوبرات" إعلامية،المسألة بحاجة إلى امتلاك الإرادة والى خطوات عملية على الأرض،حينها لن تجرؤ لا اليونان على منع سفن أسطول الحرية من الإبحار من موانئها،ولا بريطانيا على اعتقال الشيخ رائد صلاح،ولا فرنسا على منع المتضامنين الأمميين واعتقالهم من أجل عدم وصولهم للتضامن مع شعبنا المحاصر في قطاع غزة،ولا ولن يصفق أعضاء الكونجرس الأمريكي وبتبجح لنتنياهو في عداءه لحقوق الشعب الفلسطيني.

أما إذا ما استمر الواقعين العربي والفلسطيني على مهما عليه من تشرذم وانقسام وضعف،فلن تولد فقط دولة جنوب السودان،بل ستتوالد دويلات في اليمن وليبيا وسوريا وغيرها.

CONVERSATION

0 comments: