عن أي شرعية يتحدث النظام السوري؟!/ محمد فاروق الإمام

من يستمع إلى أعمدة النظام السوري وأبواقه وهم يعلنون بمناسبة وبغير مناسبة كلما وقعت قيادته في شر أعمالها وسوء تصرفها وغباء أفعالها "أن القيادة السياسية في دمشق تستمد شرعيتها من إرادة الشعب السوري الذي يعبر وبشكل يومي عن دعمه وتأييده للقيادة السياسية وعلى رأسها بشار الأسد".
الخارجية السورية استدعت السفير الأمريكي والسفير الفرنسي ووجهت لهما اللوم لذهابهما إلى مدينة حماة دون استئذان الوزارة وهذا من حقها، واستنكر وزير الخارجية وليد المعلم، ضمن الأطر الدبلوماسية المعمول بها، في بيان أصدره يوم الثلاثاء 12 تموز الحالي "بشدة" تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون واعتبرها "دليلاً على تدخل الولايات المتحدة السافر" في الشؤون السورية، معتبراً أن هذه التصريحات إنما تشكل دليلاً إضافيا على تدخل الولايات المتحدة السافر في الشؤون الداخلية السورية" وإن هذه التصريحات "فعل تحريضي هادف لاستمرار التأزم الداخلي لأهداف لا تخدم مصلحة الشعب السوري ولا طموحاته المشروعة".
ولكن الذي ليس من حق وزارة الخارجية وليس من حق وليد المعلم ولا من حق السلطة الحاكمة في دمشق أن تدفع بمئات الشبيحة للاعتداء على السفارتين ومحاولة الوصول إلى داخلها وتخويف الموظفين ومحاولة الاعتداء عليهم وتكسير زجاج النوافذ ومحاولة الوصول إلى منزل السفير الأمريكي وتهديد حياته وحياة أسرته، ووضع صورة بشار على واجهة السفارتين ورفع العلم السوري على ساريتهما فهذا عمل يتنافى مع الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وخاصة وأن النظام السوري يعيش في أزمة داخلية مع شعبه يترنح أمامها وترتجف فرائصه لوقعها، وهو أحوج ما يكون إلى الابتعاد عن أي فعل يؤزم وضعه داخلياً وخارجياً، ومع أهم الدول التي كانت تقف حتى الأمس القريب إلى جانبه وتحاول حمايته وعدم سقوطه، وتناشد الشعب السوري على الاستجابة للتحاور معه، مؤكدة أن بشار الأسد رجل إصلاحي يمكن الوثوق به وبوعوده.
وإذا ما فكت واشنطن عقدة لسانها وبقت البحصة، بعد أربعة شهور من قمع النظام لشعبه وارتكابه أفظع الجرائم بحق أطفاله ونسائه وشيوخه ومدنه ودور عبادته وحرمة منازله وأسواقه ونهب بيوته ومتاجره وتخريب وحرق كل ما تقع عليه عينه من وسائل النقل والزرع والشجر والحيوانات.
أقول بعد أن بقت واشنطن البحصة وانفكت عقدة لسانها وأعلنت وزيرة خارجيتها هلري كلينتون أن الرئيس بشار الأسد قد "فقد شرعيته". وأخفق في الوفاء بوعوده، سمعنا صراخ رموز النظام وأبواقه تؤكد بأن شرعية القيادة السياسية في سورية "لا تستند إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها وتنطلق حصرا من إرادة الشعب السوري الذي يعبر وبشكل يومي عن دعمه وتأييده لقيادته السياسية وللإصلاحات الجذرية التي طرحتها على التدارس والحوار".
النظام السوري كلما ضاقت الأنشوطة حول رقبته وتأزمت أوضاعه في الداخل عمل على تحويل تلك الأزمة إلى الخارج لصرف أنظار العالم عما ترتكبه أجهزته الأمنية وشبيحته من بوائق وفظائع وجرائم بحق شعبه الذي خرج في مظاهرات سلمية تطالب بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، فقبل أكثر من شهر دفع بعدد من الشباب السوري والفلسطيني المتحمس إلى حتفهم في مرتفعات الجولان، ممن انطلت عليهم دعاوي النظام بأنه هو وحده النظام الذي يقود خط المقاومة والممانعة، لتخطي الحدود التي أقامها بنفسه مع العدو الصهيوني في الجولان بغية إفهام إسرائيل أن مقولة رامي مخلوف أن (أمن واستقرار إسرائيل مرتبط بأمن واستقرار النظام في سورية) هي حقيقة، وعلى تل أبيب أن تسعى لدى حلفائها في واشنطن وعواصم الغرب للتخفيف من لهجتها تجاه النظام السوري ، وإعطائه الفرصة ليتمكن من إعادة الأمور إلى سابق عهدها في سورية والصمت عما يرتكبه من بوائق وفظائع في قمعه للمتظاهرين السلميين، ولكن هذه اللعبة المكشوفة لم يحصد من ورائها هذا النظام إلا الخيبة ومزيد من الأعداء.
أما بالنسبة إلى الشرعية التي يؤكد عليها النظام بأنه يستمدها من الشعب فتلك كذبة ممجوجة، فالشعب السوري لم يمنح ثقته بهذا النظام في يوم من الأيام منذ تسلقه جدران الحكم على ظهر دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو الصهيوني في الثامن من آذار عام 1963، وأن الشرعية التي وصل بها بشار الأسد إلى الحكم هي شرعية (مشقلبة) لوى بها عنق الدستور وغير وبدل بقوة البسطار والبندقية مواد الدستور السوري ليوظف مادة تخدمه تنقص سن الرئيس من 40 سنة إلى 34 سنة مفصلة على مقاسه في أقل من ربع ساعة، جعلته على رأس السلطة في دمشق في غياب كامل للشعب وإرادته واختياره، فكفى هذا النظام تبجحاً بأنه يستمد شرعيته من الشعب السوري الذي مجه وأعلن خلال مظاهراته السلمية وعلى مدى أربعة شهور بأن (الشعب يريد إسقاط النظام) وعلى النظام أن يطأطئ الرأس لإرادة الجماهير وينصاع لمطالبها الشرعية العادلة قبل فوات الأوان، ويرتفع سقف مطالب المتظاهرين من إسقاط النظام إلى (محاكمة النظام)!!

CONVERSATION

0 comments: