حين تصبح العدالة نقيضا للاستقرار/ غازي أبو ريا

ألف وثلاثمائة عام ونيف مرت، وما زال الشيعة في العالم يجلدون أنفسهم حتى تثخنهم الجراح في ذكرى مقتل الحسين بن علي، والشيعة يجلدون أنفسهم ندما على عدم نصرة الحسين، وبكلمات أخرى بسبب خذلانهم له، وتركه يُذبح بأيدي الأمويين.
ولا تمر ذكرى مقتل الحسين بغير خطابات لقيادات الشيعة في العالم، وكذلك خطاب السيد حسن نصر الله، وهذه الخطابات تتحدث عن الظلم والعدالة، عن الغدر وعن التضحية، ورغم مئات السنين التي مرت، يرفض الشيعة وحزب الله نسيان الحدث، وكم فتنة مزقت الدولة العربية والإسلامية عبر التاريخ، بسبب الحركات الشيعية التي ظلت تنتصر لقضية استشهاد الحسين وعدالة قضيته رغم مرور مئات السنين.
لكن العدالة في مفهوم البعض ليست مصطلحا مطلقا، بل هي قضية انتقائية اختيارية، فلو أخذنا قضية اغتيال رفيق الحريري، وبالطبع لا اقارن بين الحدثين اطلاقا بل اتحدث عن مبدأ العدالة، والعدالة لا تحقق في هوية القاتل وأهميته الاجتماعية والدينية حتى تقرر قسوة العقوبة التي سينالها المجرم، العدالة هي القانون الذي يعرف الجناية بغض النظر عن المجني عليه، ويحدد العقوبة بغض النظر عن أصل وفصل الجاني.
لكن عدالة حزب الله، تبدو لنا اصبحت فوقنا جميعا، ومنذ حرب لبنان 2006، وحزب الله يتصرف وكأنه فوق المحاسبة، فوق الخطأ، وتحول نصر الله إلى إمام معصوم لا ينطق عن الهوى، ولا يزل لسانه، ولا يعرف الخطأ طريقا إليه. وحتى يضمن حزب الله إذعان الناس لمشيئته، بدأ يلوح بالعصا حيث لا ينفع الكلام، وعلى الناس أن يسعدوا بما يقرر حزب الله سواء أعجبهم القرار أو قض مضاجعهم، والصمت هو المطلوب وإلا....!!!!
حزب الله قرر لنا أن نؤيد بشار ونظامه، أن نؤيد القاتل من دمشق، من نفس المكان الذي انطلق منه قتلة الحسين بن علي ليعودوا برأسه على طبق!! وأن نشتم القتلى فهم مندسون ولهم امتدادات في الخارج، وهم أيضا – أي القتلى- عملاء لإسرائيل وأمريكا، وتيار المستقبل وساركوزي وبندر بن سلطان وحسني مبارك، باختصار شديد وضع نصر الله شهداء الثورة السورية في مكانة أشد الخونة عمالة، وكأنه يطالب بإعدامهم مرة أخرى.
أما نحن العرب فقد قرر لنا نصر الله أن نؤيد بشار ونظامه، ومن لا يقف مع بشار فقد وضعه السيد نصر الله مع الأمريكان والصهاينة، وبالطبع ليس لنا حق أن نسأل السيد لماذا قرر هكذا، وهل يسائل العبد سيده؟؟!! فأنا أتمنى محاكمة بشار ورحيل نظامه، وهذا الشعور يكفي لإدانتي بالعمالة لإسرائيل وأمريكا، مع أن مشاعري هذه لم أرثها، بل تغيرت وانقلبت منذ بدأ بشار ونظامه عملية القتل والقمع وإرهاب الشعب، بمعنى أن مشاعري انتصرت للضحية وللعدالة، فلماذا يصنفني حزب الله مع العملاء لأنني مع العدالة! وهل المطالة بالعدالة وبقصاص القتلة والمجرمين لا تنسجم مع مبادئ حزب الله!!
والأمر المضحك لولا عظيم الحدث، أن حزب الله يخير اللبنانيين بين العدالة وبين الاستقرار، وكأنه يقول لهم، إما أن تتنازلوا عن الوصول إلى الحقيقة في معرفة قتلة الشخصيات اللبنانية ومن بينها رفيق الحريري، أو أن لبنان سيصبح على كف عفريت!! وبكلمات أوضح، حزب الله يقول للبنان، ضعوا أصابعكم في أذانكم، وضعوا عصابة على أعينكم، وبالصمغ القوي أغلقوا أفواهكم، ويا كل لبناني، حزب الله يأمرك، إن قتل والدك اصمت! إن قتل ابنك اسكت! لا تبحث عن العدالة والحقيقة فهذه ليست من اختصاصك، حزب الله هو صاحب الإحتكار للحقيقة، لتوزيع الشهادات الوطنية، لتصنيف الناس، ودليل هذا الاستحقاق والاحتكار والامتياز هو الحرب مع اسرائيل، بمعنى أن حزب الله يستمد شرعيته من موقفه من إسرائيل فقط لا غير.
أعتقد أن حزب الله وحركة أمل وقيادتهما، يأخذون شيعة لبنان إلى أماكن لا تحمد عقباها، وكما يأخذ بشار العلويين إلى حيث يحقد الشعب السوري عليهم، ولا نعرف ماذا سيحدث إذا ميزان القوة مال، وكذلك، فإن الشعور بالقوة الذي ينتشي به قادة الشيعة في لبنان، يأخذ الشيعة في لبنان والمنطقة إلى أماكن من الكراهية وسط محيط من أهل السنة.
ومن الضروري أن نذكر بأن العدالة مفتاح الاستقرار والأمان والأمن، ومن يحاول طمس العدالة كمن يحاول إخفاء النور ونشر الظلام، ومن يبحث عن ألف حجة للتهرب من العدالة، فهو بهذا التهرب يزيد من الشبهات حوله، وبيده يضع الحبل حول عنقه، لكن الشبهات تصبح يقينا ولا تحتاج إلى أدلة أخرى، حين يحاول المشتبه به التهديد بإثارة القلاقل أو بالحرب إن اشتبهوا به!!
غريب يا زمان!! الحزب الذي عاش مئات السنين طالبا العدالة منتصرا للحسين بن علي، لا يخرج عن طوره في زماننا إلا إذا سمع لفظة "العدالة"!!!!!


CONVERSATION

0 comments: