الأمر بالأردني والنهي عن الفلسطيني!/ نافزعلوان

كان فكر الحسين ( رحمه الله ) بمنح الجنسية الأردنية لما يقترب من المليوني فلسطيني من الفلسطينيين أبناء الضفة الغربية يتجه صوب تجربة الهوية العربية الموحدة، لم يكن إنتماء الضفة الغربية (إدارياً) للأردن ولا حتي ما كان يوسوس به شياطين الناصرية أن الأردن يعتبر الضفة الغربية من نهر الأردن هي جزء لا يتجزأ من الوطن الأردني هو ما كان في فكر الحسين، لقد كان الحسين ( رحمه الله ) يعلم أن هناك أردن وهناك فلسطين وهناك أردني وهناك فلسطيني والخطوة بمجملها كانت نموذج لتجربة الهوية العربية الموحدة وعلي قادر ماكان رائداً في تلك التجربة كان فشل تلك التجربة بحجم ريادة الفكرة ، درس وجهه الحسين لكل الدول العربية حتي وإن كان الثمن باهضاً علي الأردن شعباً وحكومة.

الجنسية والهوية العربية الموحدة لا تصلح للعرب ومفسدة للعلاقات كما هو واضح من المثال الأردني- الفلسطيني وما تخرج به علينا الأحداث اليومية من ما يعانيه الأردنيون الأصليون من ضياع للحقوق وتحرش متعمد من الفلسطينيين حملة الجنسية الأردنية ، واقع تجنبته كل الدول العربية ( لحسن الحظ ) وإلا لكنا مناطق حروب أهلية لو نجح الفكر الناصري لا سمح الله ولولا فشل نموذج الوحدة بين سورية ومصر لكنا في حالة أرثي من التي هي نحن عليها اليوم ألف مرة. دمج الهويات في عالمنا اعربي هو من أخطر الأمور التي كان من الممكن أن يقع في فخه العرب. بغض النظر عن العادات والتقاليد والفكر الذي لا يلتقي بقرينه العربي إلا فيما ندر لا يجوز زجه في هوية موحدة تخلق إستنفاراً بين أبناء كل هوية وأخري وحروب دامية من أجل العودة إلي إستقلال الهوية.

لقد إختلط علي العرب معني الإتحاد العربي والوحدة العربية وبين معني الجنسية العربية والهوية العربية. الإتحاد العربي يعني التكاتف والإتحاد في القرار والإقتصاد والقوة العسكرية، الجنسية العربية والهوية العربية من ناحية أخري كانت ستعني هوية واحدة وجنسية واحدة تطمس معالم الجنسية لكل دولة عربية تحت مسمي الجنسية الواحدة ولا نعلم إذا كان في الفكر الناصري هل كان سيكون إسم تلك الجنسية ( عربي ) او ربما كان لها إسم آخر لم يفسح الزمن المجال للفكر الناصري أن يخبرنا عنه.

خصوصية الجنسية والهوية هي أعز ما يملك أبناء دول الشرق الأوسط وإن كانت اللغة العربية توحدهم في اللغة فهي بالتأكيد ليست وسيلة مناسبة لصبغ هويتهم بـ ( العربية ) لمجرد وجود هذه اللغة العربية المشتركة بينهم.

هناك عرقية تعود بنا إلي الأصول منها القبلية البدوية ومنها تعود بنا إلي سلالات أنساب وعوائل مناطق عريقة لا يمكننا مجرد التخيل معني الإستغناء عن تلك الأصول والعروق وما تعنيه تلك الأصول والعروق لأبناء كل دولة في عالمنا العربي يختلف حول حقيقة هذا الأمر ( في الظاهر ) كل المثقفين العرب ويتفقون حول وجودها ( في الباطن ) لما يسببه هذا الأمر من حرج بالنسبة للمثقف العربي في نفاق فكري وثقافي من أجل ولائات أكاديمية وتحالفات فكرية مغلوطة ولا أساس لها من الصحة وهي خليط من بقايا الفكر الناصري وبعض الفكر التقدمي الشيوعي وبعض مدارس الإشتراكية.

أمثلة العرقية عديدة منها في الكويت حيث لم يتواني العراقيين حملة الجنسية الكويتية إبداء ولائهم الصريح وترحيبهم المفرط بغزو العراق للكويت بل ولقد قام بعضهم بالإفصاح عن مكنون صدورهم تجاه الدولة التي حملوا جنسيتها بشكل مشين يعزز فكر الولاء لأصول اولائك العراقيين من حملة الجنسية الكويتية وهذا في حد ذاته ليس خيانة من هؤلاء العراقيين للجنسية الكويتية التي حملوها ولكن إفراز طبيعي بالعودة إلي تلك الأصول عندما تدعوا الحاجة ويزول سبب الولاء للجنسية الممنوحة. في اليمن لنا مثال آخر، جنوب اليمن لم ولن يكون جزء من اليمن الكبير الذي يحاولون زجه بداخله وهنا دليل الولاء العرقي أعمق وأشمل لإشتراك شمال اليمن وجنوبه في العيش في منطقة اليمن الكبير من الجزيرة العربية وهذا التواجد في إقليم يحمل إسم واحد لم يعني علي مر القرون إندماج شمال اليمن مع جنوبه لنفس الأسباب التي ذكرناها أعلاه من خصوصية الهوية لليمن الجنوبي وخصوصية الهوية لليمن الشمالي ورغم التقارب بين عشائر اليمن الجنوبي وعشائر اليمن الشمالي إلا وأن الفصل الطبيعي بين شقي اليمن هو ما جعل منه ينعم بهدوء وإنسجام في الماضي وقبل قيام جريمة ضم اليمن الجنوبي إلي اليمن الشمالي. نسجاً علي تلك النتائج سنكتشف أن النتيجة ذاتها لأبناء أي دولة عربية يحملون جنسية دولة عربية أخري أو حتي أجنبية غير عربية.

وعودة إلي المأساة الدائرة علي الأراضي الأردنية نجد أن هناك مزج مشوه بين الهوية الأردنية والهوية الفلسطينية التي تظهر علي السطح عند الحاجة وتتواري وراء الهوية الأردنية عندما تقتضي المصالح اليومية لهذا التواري أن يخرج إلي حيز الوجود. حكومات أردنية يترأسها فلسطينيون من حملة الجنسية الأردنية خلقت ظلماً للأردنيين الأصليين فلاعدالة في توزيع المناصب ولا حتي عدالة في توزيع المهمات، الحكومة يمسك بها فلسطينيون والقضاء يمسك به فلسطينيون، بمعني لو قام مواطن أردني أصلي برفع دعوي ضد وزير أو رئيس هيئة حكومية أردنية من أصل فلسطيني سيجد المواطن الأردني أن من سينظر قضيته هذه في المحكمة قاض فلسطيني وتخيلوا مسار العدالة ساعتها ونتائجه كيف ستكون عليه، ولا يمسك بزمام عدم الإنحدار الكامل صوب كيان فلسطيني كامل في الأردن سوي وجود الجيش الأردني المؤسسة الوحيدة التي لا زالت تحت السيطرة الأردنية الخالية من أصول فلسطينية إلا قليلاً جداً وكذلك جهاز المخابرات الأردني وتقريباً خمسة وسبعوب في المائة من جهاز الأمن العام الأردني.

الوضع الأردني لا يحسد عليه، لو قمنا بعزل الفلسطينيين من المناصب الحساسة وحصرهم في مراكز غير قيادية أو حساسة ستحدث ثورة حقيقية علي الأرض ومثال الحادث الذي وقع بين جمهور الفيصلي وجمهور الوحدات كافي لإبراز عينة عن حجم الكارثة لو قامت الغالبية الفلسطينية بالتصدي لإجراء كهذا لأن رد الجيش الأردني علي التحرك الشعبي الفلسطيني علي الأراضي الأردنية سيجعل من أحداث أيلول الأسود ( مزحة ) بالمقارنة بما سيكون عليه حجم الخسائر في الجانب الفلسطيني.

الحل يكمن في حصر مناصب كـ رئاسة الوزارة والوزارات السيادية كالدفاع والداخيلة والخارجية والعدل والمالية والإعلام بالأردنيون الأصل وحصر عضوية مجلس النواب الأردني بمن هم من مواليد الأردن ورغم الغالبية التي يتمتع بها مواليد الفلسطينيون علي لأراضي الأردنية إلا أن حصر الحياة البرلمانية الأردنية بمواليد الأردن يحد من حجم اللغط الذي يشوب الحياة النيابية الحالية في مجلس النواب الأردني والتي سيطر عليها أردنيون من مواليد فلسطين منذ أكثر من أربعين سنة وسن قوانين نزع الجنسية عن كل من يثبت عدم ولائه للجنسية الأردنية بالنسبة للأردنيين من أصول فلسطينية أما بالنسبة لجريمة عدم الولاء للأردن للأردنيين الأصل فإن القانون الأساسي في الدستور الأردني يقضي بالإعدام لتلك الجريمة، لذلك ورحمة بالفلسطينيين من حملة الجنسية الأردنية وتعاطفاً مع الخلل الذي يعانون منه من جراء إزدواجية الجنسية يكون نزع الجنسية الأردنية عقوبة كافية لكل من يرتكب كل فعل او تصرف من شأنه أن يترجم بعدم الولاء للأردن وإستصدار قانون كهذا يأمر بالأردني وينهي عن الفلسطيني فيرقي بالأردني إلي المرتبة التي يستحقها ويلزم الفلسطيني بالإبتعاد عن كل ما من شأنه التشكيك بولائه للدولة التي يحمل جنسيتها.

 - لوس أنجليس

CONVERSATION

0 comments: