مقومات احترام منظومة حقوق الانسان/ زهير الخويلدي


" عادل كل فعل تمكن قاعدته في الحكم الحر لكل شخص أن يتعايش مع حرية كل شخص آخر وفق قانون كلي" أوتفريد هوف – مبادئ الحق

يحتفل العالم بذكرى الاعلان العالمي عن مدونة حقوق الانسان والمواطن التي أقرتها الجمعية الأمم المتحدة يوم 10 ديسمبر 1948 وبهذه المناسبة الحقوقية اللافتة لا يفوتنا أن نذكر بتنامي الهيئات والجمعيات المدافعة على هذه القيم في جل البلدان ومعظم شعوب العالم وعلى التقدم الذي حظيت به في عدد كبير من الدساتير والقوانين وعلى حرص بعض الأنظمة السياسية رغم قلتها على ضمان هذه الحقوق وتميع الناس بحد أدنى منها ، بينما تفطنت بعض الدول الأخرى الى ضرورة ادخالها في مناهج التعليم وحصص التدريس والدعاية اليها من خلال وسائل الاعلام والبرامج الثقافية والتظاهرات الشبابية الكبرى.

بيد أن البشرية مازالت في بداية الطريق لكي يتم تحقيق المصالحة بين الانسان وانسانيته وتقضي على المرض والفقر والبطالة والمعاناة والظلم والتمييز والجهل والخوف والعبودية التي تحولت الى آفات تحاصر عدد كبير من الشرائح الاجتماعية في ظل ندرة الغذاء وعدم كفاية الموارد الخاصة بالماء والطاقة وتراجع فرص الشغل والأزمات المالية والاقتصادية العاصفة التي تمر بها الدول الكبرى وعودة الرق بأشكال معاصرة متمثلا في المتجارة بالعمال وتفشي شركات المناولة واكتساح الرأسمال الطفيلي الأسواق واحتكار قلة مختارة للمعلومة التكنولوجية ومصادر الثروة وسلطة القرار وتزايد أشكال التهميش والتمييز.

علاوة على أن البعض يستعمل ذريعة حماية حقوق الانسان والانتصار للمواطن الكوني للتدخل في شؤون الدول وانتهاك سيادة الاوطان واستقلاليتها، وأما البعض الآخر فهم يوظفون قدسية بعض المطلقات ورمزية بعض المعتقدات من أجل تبرير التفويت في تمكين الناس من حقوقهم ومطالبهم الحياتية.

نستخلص من ذلك أن وضعية حقوق الانسان في العالم تروحت بين التعزيز المؤسساتي والتضخم النظري من جهة وبين الانتهاك الواقعي والافتقاد الممارساتي وعندئذ مازال هناك الكثير من العمل النضالي يجب بذله لكي نتحدث عن ظهور دولة حقوق الانسان ولا يكفي وجود بعض الهيئات المدافعة عن حقوق الانسان والسماح لها بالنشاط واحترام الأنظمة السياسية لها والاصغاء لبعض مطالبها ومقترحاتها لكي نقول ان منظومة حقوق الانسان في العلم انتقلت من مرحلة النداء والشعار الى مرحلة التطبيق والالتزام.

فماهي المعيقات والتحديات التي تواجهها البشرية وتحول دونها والتمتع بالحقوق الانسانية الطبيعية والأساسية والتكميلية؟ واليس من المفروض البحث عن المقومات التي يجب أن تتوفر لكي يتم احترام منظومة حقوق الانسان بشكل مرضي على الأقل؟

المساءلة الفلسفية للمادة 21 من الاعلان تبحث عن طرق للخروج بالإنسانية من هذا المضيق وتعمل على تنجب كل خلط وتقوم بتنقية منطقية للالتباس وتميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الموضوع الحقوقي الشائك. اذ نجد في هذه المادة ثلاثة نقاط مهمة ترفد أي اصلاح ديمقراطي منشود:

" 1- لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً. 2- لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد. 3- إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت." ( المادة 21 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواطن).

يترتب عن ذلك أن أهم المقومات التي يجب أن تتوفر لاحترام منظومة حقوق الانسان على مستوى النص التشريعي والممارسة السياسية اليومية هي:

· التخلي عن الديمقراطية الشكلية التي تجعل من التكنوقراط الشكل المعاصر من الأرستقراطية وتحول النشاط السياسي الى استعراض تكنوقراطي للسلطة واعتماد ديمقراطية تكافلية وتشاورية.

· وجود مواطنين فاعلين ومتشبعين بالثقافة الحقوقية والتنوير والحداثة وعلى بينة من القيم المدنية والطفرة التشريعية وموكبين للتغييرات السياسية ويمارسون دور النقد والمحاسبة وابداء الرأي.

· المساواة بين الحاكمين والمحكومين أمام هيئة قضائية مستقلة تمارس وظيفة الحارس للدستور وتعالج أشكال سوء الحكمنة والاخلالات في تطبيق القوانين.

· احترام الأغلبية التي تمتلك سلطة الاجماع لحقوق الأقلية الثقافية والدينية التي تنتمي للمجتمع من جهة المواطنة وتربطها بالكيان السياسي جملة من المواثيق والعقود السياسية والقواسم المشتركة.

· الاعتراف الرسمي بوجود هيئات مدنية متعددة معارضة للحكومة وتتمثل في أحزاب ونقابات وجمعيات وهيئات وشخصيات مستقلة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتمكينها من حق النشاط وحرية التشخيص والاقتراح والتقرير واتاحة الفرصة أمامها من أجل المشاركة الفعالة في ادارة الشأن العام وفي وضع رؤى استشرافية للمجتمع.

· التداول السلمي على تسير المؤسسات العمومية والابتعاد عن التعيين والتفويض وكل اشكال الوصاية والفوقية والاحتكار الأخرى والاعتماد على آلية الانتخاب ومحاسبة ممثلي الشعب على الأداء والوفاء للتعهدات والبرامج الانتخابية.

غني عن البيان أن العلاقة عضوية بين المواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني وذلك لأن وجود مواطنين يشاركون في القرارات التشريعية والحكومية هو علامة على استقلالية وندية المجتمع المدني عن المجتمع السياسي وتأكيد على الطابع المتحضر للدولة ومؤشر على دمقرطة الحياة السياسية واحترام المؤسسات العمومية لمنظومة حقوق الانسان وتعويل الناس عليها كموجهات للسلوك اليومي.

ان الشرط الأول للوصول الى هذه الحالة هو أن تعمل مجتمعاتنا المدنية على التكوين السياسي لمواطنين فاعلين وقادرين على تجسيم القيم المدنية وتحويل منظومة حقوق الانسان الى ثقافة وعقلية. ما العمل للوصول الى هذه الغاية اذا كانت الحياة السياسية تشهد مواجهة بين المشاريع والمصالح الجماعية؟ وماهي الشروط التي ينبغي أن توفر ليحصل هناك تصالح بين المواطنين والحياة السياسية؟

كاتب فلسفي


CONVERSATION

0 comments: