بعد موجة الاعتراضات والامتعاضات والانتقادات التي تعرضت لها بسبب الاصرار على فشل جهود المصالحة حتى في ذروة التفاؤل الرسمي، ورغم الأوصاف والنعوت التي أطلقت من هنا وهناك ولا أقلها التغريد خارج السرب، ومؤجج الفتنة، ومحرض ومتآمر وغير وطني، وغيرها من الألقاب الجاهزة والمقولبة عند شركاء المحتل، والتي للأسف وجدت طريقها للبعض الآخر في ظل الأمل المنشود والمعقود لإنجاز المصالحة خاصة بعد الانتهاء من ثلاثة ملفات من أصل أربعة لتحقيق تلك المصالحة، أو هكذا ظنوا!
اليوم لم تختلف صورة الواقع في شيء، لكن تغيرت القناعات ربما، وها هي حماس تصل، ولو متأخرة بعض الشيء - رغم يقيني التام أنها تدرك أكثر من غيرها حقيقة الطرف الآخر ولم تنخدع فيه يوماً – ها هي تصل إلى مرحلة بلغ السيل الزبى، وتعلن اليوم وعلى لسان أكثر من مسؤول أنه لا استمرار في جهود المصالحة أو لقاء إلا بعد اقفال ملف الاختطاف أو الاعتقال السياسي، أو جزء منه على الأقل يخص المضربين عن الطعام للأسبوع الرابع على التوالي.
ما يُمارس في الضفة الغربية هو عمالة بامتياز وبأسلوب غير مسبوق تاريخياً، العميل يزاود بأنه أبو الوطنية، ويتهم الآخرين بأنهم ليسوا عملاء مثله، فهو الملتزم بالاتفاقات والتنسيق الأمني حرصاً على مصلحة الشعب وحقوقه، وهو القامع القاتل نيابة عن الاحتلال تحت شعار بيدي لا بيد عمرو وحفاظاً على الأمن!، وهو المدمر لكل عادات وأخلاقيات شعبنا ليخرج ويزاود العميل الوضيع ويعلن أن الخارجين عن القانون يتسترون وراء الحصانة البرلمانية وقدسية المرأة الفلسطينية ليبرر انتهاكه لها.
وفوق هذا وذاك لا يحق لأحد أن يتحدث عن العمالة والخيانة لأنه بذلك يخوّن ويجرّح، وتخرج الأبواق اياها معلنة أن هذا الانتقاد أو ذاك يضر بالوحدة الوطنية، جيش المنافقين هذا لا يضيره أو يحركه ممارسات الاجرام في الضفة الغربية ولا يعتبرها ولا حتى مؤذية للوحدة الوطنية، لكن يجن جنون هؤلاء بمجرد فضح تلك الممارسات.
حماس وللأسف الشديد ساهمت بشكل أو بآخر في التغطية على هؤلاء الخونة والعملاء، لأن مجرد الجلوس معهم يمنحهم شرعية، ومجرد محاورتهم هو قبول لمماراساتهم، حماس ساهمت في خروجهم من عنق الزجاجة أكثر من مرة على أمل أن تنجح جولات الحوار، لكن ان اكرمت اللئيم تمردا!
المصالحة بالنسبة لعباس وطغمته مجرد ورقة يلعبونها للخروج من مأزقهم، هكذا فعلوا بعد جريمة تأجيل تقريرغولدستون حين سارعوا بالتوقيع على الورقة المصرية ليحرفوا الأنظار عن جريمتهم، التي تكررت بعد ذلك أكثر من مرة وفي أكثر من محفل دولي لكن دون ضجة، وأعادوا كرّتهم يوم فشلت مفاوضاتهم العبثية بأشكالها المباشرة وغير المباشرة فأسرعوا بايفاد عزام الأحمد إلى دمشق ليتغنوا من جديد بالمصالحة، ليعودوا كما عرفناهم بعد أن هدأت العاصفة.
حماس تعرف جيداً أنهم يستغلون ورقة المصالحة لأغراضهم، ومع ذلك أعطتهم الفرصة تلو الأخرى، رغم أن القبول باللامقبول كان ربما حتى لا تظهر بمظهر من يرفض المصالحة، لكن الأسلوب والاخراج اضافة للحملات الاعلامية التشويهية المركزة والتي أظهرت ملاحظات حماس على أنها تافهة غير ذات قيمة وتتعلق جميعها بالصراع على المناصب والكراسي، وضع حماس في موقف لا تحسد عليه خاصة في عيون مؤييدها من غير الفلسطينيين، وفقدت حماس من رصيدها دون شك.
ليس تطرفاً ولا مغالاة حين نقول أنه لا يجب أن يكون هناك لقاء مع الخونة والعملاء، نعم هكذا كان على مر التاريخ، وهكذا يجب أن يكون، ولا يعني هذا اقفال الباب تماماً، لكن للمصالحة والحوار شروط ومتطلبات، أهمها أن يرجع أزلام الاحتلال عن عمالتهم وغيّهم، لا أن يحاوروا ويناوروا بينما يمارسون أرذل الأعمال وأحقر الجرائم في الضفة المحتلة ازدواجياً، ثم نعتبرهم من آل البيت ونمنحهم الغطاء تحت مسمى الحوار والمصالحة!
جادلني أحدهم قبل أيام في برلين العاصمة الألمانية ليقول أن خطابي تحريضي وأنه يجب القبول بالآخر مهما كان، فالوالد لا يتخلى عن ابنه حتى وان اتعبه، قلت مباشرة، لكن الولد العاق الذي يسبب المآسي للأسرة ويؤثر على باقي أفرادها ولا يحترم نظامها، ويتمرد على أخلاقياتها يكون مصيره الطرد من المنزل وربما تبرأ منه والديه، فما بالكم ان تآمر مع أعدائها وواجه أفرادها بسيف هؤلاء الأعداء؟ منطق مرفوض وغير مقبول!
المعتقلين والمختطفين الذين "أجبروا" حماس على اتخاذ الخطوة الأخيرة ليسوا الجريمة الوحيدة في سجل عملاء الاحتلال المخزي، وكما كان الموقف حاسماً في موضوع المختطفين، فإننا نطالب أن يكون أكثر حسماً في مواضيع ربما هي أكثر أهمية من قبيل التنسيق الخياني المسمى أمني، والقدس، وتبادل الأراضي، والاعتراف بشرعية المحتل وغيرها.
نتمنى أن لا يكون موقف حماس اليوم مؤقتاً تكتيكياً، ليعود الحديث مجدداً عن مصالحة لن تتم طالما بقيت الفئة الباغية في أحضان المحتل، ونتمنى أن يصل الجميع لقناعة واحدة أن سلطة أوسلو هي جزء من منظومة الاحتلال، وعلى هذا الأساس يتم التعامل معها.
إن اعترفوا بأخطائهم وتابوا وعادوا، فحضن الشعب وأذرعه مفتوحة، وان لم يفعلوا فمعاملتهم يجب أن تكون كما يعامل أسيادهم في تل أبيب، وإلآ فمن الأجدى فتح الحوار مع "اسرائيل" تيسيراً واسراعاً في الوصول إلى نتائج.
ولا نامت أعين الجبناء
0 comments:
إرسال تعليق