قراءة تحليلية في ملامح المشهد السياسي القادم على الساحة العراقية/ محمد الياسين


أن الخطأ الإستراتيجي الذي أقدمت عليه القائمة العراقية بعد ثمان اشهر من الصراع السياسي المحتدم بينها وبين القوائم الاخرى وخاصة دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي هو يكمن في تخليها عن إستحقاقها الإنتخابي بتشكيل الحكومة ، وهنا لا بد من الإشارة إلى احد الأسباب الأساسية في تأزم المشهد السياسي بعد الإنتخابات خلال الثمان اشهر الماضية وتأخر تشكيل الحكومة ألا وهو صراع الإرادات الإقليمية والدولية على الساحة العراقية و هذه المرة كان الصراع واسع وعنيف ولم يقتصر على طرفيه التقليديين الامريكي – الايراني وانما اضيفت اليه اطراف اخرى عربية واقليمية، ألا انه و في نهاية المطاف قد استطاع الايرانيون من فرض إرادتهم على شكل الحكومة العراقية مرة اخرى وهذا دليل على نجاح السياسة الإيرانية في التعامل مع الملف العراقي وفق منظورهم ، وبلا شك في أن الحالة التراكمية للنفوذ الإيراني على مختلف الصعد في القضية العراقية على مدى السبع سنوات الماضية لعب دور أساسي في احراز نجاح اخر بتشكيل الحكومة بالشكل الذي ارادته طهران وأحكام القبضة الإيرانية على المشهد السياسي في العراق وهذا الآمر يعزز من نظرية الإحتلال الإيراني للعراق ويؤكد على قوة الإرادة الإيرانية فيه .

وفي ضل الأحداث سالفة الذكر نستنتج بأن المرحلة القادمة ستكون أشد صعوبة من المراحل السابقة من حيث قوة الصراع السياسي سواء من داخل البرلمان الجديد أو من داخل الرئاسات الثلاث مضافاً اليها المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية والذي يعتبر إلى حد الأن مثار للجدل حول وضعية هذا المجلس واليات عمله رغم أن ما تم الإعلان عنه حول المجلس في مسودة القانون التي طرحتها القائمة العراقية بخصوصه وضح عن صلاحيات تنفيذية واسعة تجعل من المجلس رئاسة رابعة للبلاد ألا ان ألية التصويت المعلن عنها في مسودة القانون لتمرير المقترحات كقرارات ملزمة التنفيذ تجعل منه مجلس شكلي وضعيف وقراراته مجمدة وبلا شك ان اطراف سياسية منافسة للعراقية ستعمل على اضعاف سلطات المجلس وتجميد قراراته وتكسير مجاديفه التي تحاول العراقية الإستفادة منها في مشاركتها بالسلطة .

كما ويستمر التخبط و التضارب والتناقض في اتخاذ القرارات والاداء الحكومي والسلطوي بين الرئاسات والاختلاف في رسم شكل وطبيعة السياسات الداخلية والخارجية للبلاد بين تلك الرئاسات و يكون اكثر حده من السابق بسبب تقاسم قوائم ( إئتلاف العراقية ،التحالف الوطني ،القائمة الكردستانية) المناصب السيادية للحكومة والمقاعد البرلمانية ،وهنا الطامة لأن طبيعة هذه الكتل لم تتفق فيما بينها قبل الدخول الى قبة البرلمان نتيجة خلافات جوهرية سابقة بينها ، وتعود أسباب تلك الخلافات الجذرية لمعضلة صراع الارادات الإقليمية والدولية من خلال تلك القوى والكتل السياسية على الساحة العراقية ، وحتى ورقة البنود أو الإتفاق السياسي كما سمي لم يطبق كما كان مقرر قبل الدخول إلى جلسة البرلمان وكان السبب في إنسحاب أغلب أعضاء القائمة العراقية من الجلسة البرلمانية التي تم فيها إنتخاب الطالباني رئيساً للبلاد لولاية ثانية .

وفي حقيقة الأمر أن قرار العراقية بالتخلي عن إستحقاقها بتشكيل الحكومة والقبول بالطرح الأمريكي بإستحداث مجلس وطني للسياسات الإستراتيجية برئاسة علاوي والذي يعتبر جسم غريب على شكل النظام السياسي في العراق فقد شكل خيبة آمل لدى جمهور العراقية الذي كان ينتظر تشكيل علاوي للحكومة ،ولكن في نهاية المطاف قد رضخت العراقية لمبدأ تقاسم السلطة كما كان مقرر بأن يتولى علاوي رئاسة المجلس الوطني مقابل تولي المالكي لرئاسة الوزراء، حيث توقع الامريكيون لهذا المجلس أن يكون جهة تنفيذية متنفذة في شؤون الدولة ويلعب دور في صياغة القرارات السياسية ورسم السياسات الخارجية للبلاد وأن يقوض من صلاحيات ونفوذ نوري المالكي كرئيساً للوزراء، ولكن كما يبدوا أن هذا الأمر الى الأن قد فشل حينما التفت دولة القانون والقائمة الكردستانية على بنود الإتفاق السياسي من خلال المماطلة والتحجج بأن تمرير مشروع المجلس الوطني بشكل دستوري يتم التصويت عليه داخل البرلمان ليعطي الغطاء الشرعي والقانوني لهذا المجلس بأن يكون سلطة تنفيذية فإنه يحجم من دور الدولة العراقية ويعرقل من اداء الحكومة وهو مرفوض حسب وصفهم بأن يكون جهة تنفيذية تنافس الحكومة في صلاحياتها .

ومن المحتمل جداً ان يمرر قانون المجلس الوطني بالتصويت داخل مجلس النواب بموافقة الكتل السياسية عليه بالصيغة التي قدم بها من قبل العراقية وذلك بإستنادهم على طبيعة ألية التصويت داخل المجلس في سن القوانين والتي ستكون المهمة الأصعب لهذا المجلس.

وملامح هذا الأمر بدأت من الآن بخطاب رئيس الوزراء نوري المالكي عندما تطرق لأهمية المجلس الوطني وذكر بأن المجلس سيكون مهم في الحياة السياسية ألا أنه اشار إلى آن المجلس لا يحضى بوجود دستوري وقانوني في الحياة السياسية في العراق وأكد على ان مسألة سن أي مقترح كقرار ملزم التنفيذ من داخل المجلس يأتي بموافقة الأغلبية .

وهنا إشارة واضحة من المالكي إلى ان سن القرارات من داخل المجلس لن تكون عملية سهلة. و لابد لنا من الوقوف على أسباب الدعم الأمريكي للمالكي بتوليه ولاية ثانية لتكتمل صورة الأحداث ،حيث ان الأمريكيون يطمحون في المرحلة القادمة الى فتح قناة للحوار مع الايرانيين والمالكي يعد افضل من يعمل على ذلك فهو يحضى بعلاقات وطيدة مع الجانب الايراني وايضا مع الامريكيين والدليل أنه حينما كلف جلال الطالباني بصفته رئيس للجمهورية نوري المالكي بتشكيل الحكومة قد أعرب محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني عن إرتياحه لبقاء المالكي بمنصبه ، وهذا مؤشر على صحة التوجه الأمريكي القادم بفتح قناة للحوار من خلال المالكي مع إيران حول القضايا الدولية والإقليمية فيما يخص الملف النووي الإيراني ومناطق نفوذ ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة التي تتدخل إيران في شؤونها .

وحتى فضيحة وثائق ويكيليكس ضد المالكي فقد استثمرها الامريكيون لترويض الرجل ، مما يعني شد الحبل وإرخاءه فبهذه الحالة استطاع الأمريكيون ان يضعفوا من موقف المالكي امام الكتل السياسية الاخرى وخاصة العراقية في حينها بآن يتولى رئاسة الوزراء مرة ثانية مما حمله على قبول املاءات أمريكية معينة مقابل دعمهم له للبقاء في المنصب .

ونستنتج من ملامح المشهد السياسي القادم بأن يقوى المالكي وحزبه (الدعوة ) الى الحد الذي يؤهله من الاستفراد بالسلطة الى حد كبير ، وبما أن بقاء العراقية المكون السياسي الأكبر داخل المجلس فلا بد له أن يعمل على تفكيكها لكي يعزز من موقفة ويقوي منه وسيكون ذلك من خلال استمالة بعض من ضعفاء النفوس في القائمة العراقية إلى صفه بأغراءهم بالمناصب والامتيازات وتهديد أو تصفية الأخرين وقد ينجح الى حد كبير في ذلك ، فضلاً عن محاولات استمالة بعض من المعارضين في الخارج الى صفه من خلال الاغراءات المالية والامتيازات والاعفاء عنهم للعودة الى البلاد واشراكهم في العملية السياسية وقد ينجح في ذلك ايضا الى حداً ما مع المحاولة بتوجيه ضربات إلى الاخرين ، ولا شك بأن المالكي سيعمل خلال الولاية الثانية على تقوية أدوات ووسائل السلطة وحصرها بيده ( سلطة مركزية ) ولن يتمكن من ذلك ألا بضرب المعارضين لسياساته ( التسقيط السياسي و التصفية الجسدية) أو استمالتهم لصفه سواء بشراء الذمم او الاغراء بالمناصب (الاستقطابات السياسية) ،وبذلك فأن المالكي لن يجد سبيل للتعامل مع كل هذه الظروف ألا بالاتجاه إلى الدكتاتورية والعنف المفرط والعمل بعقلية الحزب ( الدعوة ) وذلك من خلال ربط مصالح المواطنين بالحزب فعلى سبيل المثال لا يتم توظيف أي مواطن في دوائر ومؤسسات الدولة ألا يكون منتمي أو مرتبط بحزب المالكي (الدعوة) وكذلك في الوظائف الخاصة لدوائر ومؤسسات الدولة والمراتب في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية .

وفي المقابل يتمكن المالكي من توثيق العلاقات مع القائمة الكردستانية والمكونات السياسية الأساسية للكرد من خلال دعمهم في قضية كركوك وقضايا ثانوية أخرى تعمل القوى الكردية على تحقيق مصالحها الخاصة من خلالها ، وعلى الرغم من ذلك فأن العلاقة بين المالكي والأكراد لن تكون وطيدة على طول الخط فمن المرجح أن تشوبها الإشكالات والخلافات والتقاطعات في المصالح ، وتحديداً فيما يخص قضية كركوك فالمالكي لن يتمكن من الوقوف بشكل كامل مع الكرد بخصوصها نتيجة الضغوط الإقليمية والدولية التي سيتعرض لها .

كما وأنه سيتجه إلى إستغلال الدعم الذي يتلقاه أمريكياً - إيرانياً في تقوية نفوذه السياسي وجعل مركزية السلطة في يده ، ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن الدعم الأمريكي للمالكي لن يكون إستراتيجياً بل انهم ينتهجون سياسة العصا والجزرة في التعامل مع حكومته ولن يسمحوا لها بالمركزية المطلقة ، وهنا سيكون الصراع خلف الكواليس ، فالمصلحة الامريكية مع المالكي وقتيه وليست إستراتيجية .

كما وأن مسلسل الإعتقالات العشوائية والمداهمات سيستمر من قبل الحكومة الجديدة وملف المعتقلين رغم المبادرات التجميلية التي ستطرأ على هذه القضية من قبل الحكومة ، ومن المرجح بروز ظاهرة الإغتيال السياسي أكثر من السابق ،وعجز الحكومة عن انجاز الملفات الخدمية للمواطن ولن تحقق شئ يذكر للعراقيين رغم محاولات بعض الشخوص الذين يتولون مسؤوليات في الحكومة أو الرئاسات الأخرى من التغيير الايجابي وسيكون بشكل محدود ، كما أن ظاهرة الفساد والمحسوبية داخل دوائر ومؤسسات الدولة تستمر . أما الصورة داخل مجلس النواب الجديد تبقى مخيبة للآمال كالسابق بل تكون أكثر احباط للمواطن العراقي فحجم الصراع داخل مجلس النواب سيكون اكبر ونوعية الخلافات اكثر تعقيد ولن يستطيع المجلس من انجاز اي شئ من الملفات المحلية التي توضع على طاولته ، وقد يحاول البعض من النواب تشكيل تيار مستقل داخل المجلس بالخروج عن قوائمهم الرئيسية التي يهيمن عليها رؤساء الكتل في صناعة القرار ورغم ذلك لن تكلل خططهم بالنجاح لانها ستواجه صعوبات تلجمها منذ البداية أو تبقيها ضعيفة وغير مؤثرة.

كاتب وسياسي عراقي مستقل

CONVERSATION

0 comments: