عوده لقضية نواب القدس.. وسياسة الإبعاد/ راسم عبيدات


من الواضح جداً أن الحكومة الإسرائيلية لم تلتزم بأية تفاهمات لا مع السلطة الفلسطينية ولا مع الإدارة الأمريكية،بخصوص قضية نواب القدس ووزير شؤونها السابق،فهي في البداية خرقت هذه التفاهمات عندما أقدمت على اعتقال النائب محمد أبو طير في أوائل تموز الماضي،ومرة أخرى عندما قامت بإبعاده إلى رام الله بتاريخ 8/12/2010،تحت حجج وذريعة أن النائب ابو طير المولود في القدس أبا عن جد "متسلل" و"مقيم غير شرعي" ،وهو لم يعلن ولاءه لدولة الاحتلال،وكذلك الحال بالنسبة للنواب الآخرين ووزير شؤون القدس المعتصمين في مقر الصليب الأحمر بالقدس منذ حوالي ستة شهور.

واستنادا إلى ذلك وعلى ضوء قضية النواب المقدسيين،وعمليات الإبعاد الأخرى التي تستهدف النخب والقيادات المقدسية سياسية ،وطنية،مجتمعية،دينية،تربوية واجتماعية،فأن الهدف منها هو تفريغ القدس من قياداتها وكفاءاتها،وتطبيق سياسة التطهير العرقي بحق سكانها العرب،حيث أقدمت سلطات الاحتلال عقب قرارها بإبعاد النائب ابو طير على إصدار أمر عسكري استناد إلى قوانين الطوارئ البريطانية بإبعاد المناضل عدنان غيث عضو لجنة حي البستان في سلوان لمدة أربعة شهور عن مدينة القدس،وعملية إبعاد المناضل غيث عن القدس لن تكون الأولى ولا الأخيرة،فقد سبق إبعاده إبعاد أكثر من مائتي مقدسي عن مدينتهم وعن المسجد الأقصى لمدد متفاوتة،مما يدلل عن إن إسرائيل ماضية في سياساتها وممارساتها وإجراءاتها بحق المدينة المقدسة،ووفق ما وضعته من خطط وبرامج وما رسمته من استراتيجيات في إطار سياسة الأسرلة والتهويد والتطهير العرقي.

والموقف الفلسطيني من مثل هذه القضايا هو الأساس في المقاومة والتصدي لها،فالمواقف الدولية وتحديداً الأوروبية الغربية والأمريكية لا يعول عليهما،فأمريكا على سبيل المثال لا الحصر بدلاً من أن تحمل حكومة نتنياهو فشل المفاوضات بسبب تعنتها ورفضها تجميد الاستيطان والانسحاب من الأراضي المحتلة،وجهت انتقادات حادة إلى البرازيل والأرجنتين لاعترافهما بدولة فلسطينية على حدود عام 67،وكذلك الاتحاد الأوروبي رفض الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 67 على ضوء فشل الخيار التفاوضي بسبب التعنت الإسرائيلي،وكلا الطرفين الأوروبي الغربي والأمريكي كانوا جزء من الاتفاق الذي خاض بموجبه المقدسيين الانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون ثاني/ 2006،وبالتالي فإن إبعاد ابو طير أو أي مقدسي آخر هو خرق سافر للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة،ولذلك بدلاً من أن يوفروا المظلة والحماية لإسرائيل في المؤسسات الدولية من أية قرارات دولية تدين إجراءاتها وممارساتها وخرقها للقانون الدولي،عليهم إلزامها باحترام والالتزام بالقوانين والمواثيق الدولي وإلغاء قرار الإبعاد بحق النواب المقدسيين المنتخبين بشكل ديمقراطي،ونحن على قناعة تامة بأن من لا يلزم إسرائيل بإلغاء إبعاد نواب القدس ووقف ممارساتها أحادية الجانب في المدينة المقدسة،غير قادر على إلزامها لا بوقف الاستيطان ولا بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67،فإسرائيل وحكومتها علناً وجهراً لا يكتفون بالقول والممارسة أنهم لن يوقفوا الاستيطان في القدس،بل ويشرعون في سن تشريعات وقوانين تجعل أي انسحاب من القدس المحتلة شبه مستحيل،من خلال عرضه للاستفتاء الشعبي للقبول به او رفضه، ونحن هنا أمام سابقة ذات اختراع إسرائيلي بامتياز،حيث لم يعرف التاريخ بقديمه وحديثه،أن أستفتي المحتلون للتقرير بشأن الشعوب الواقعة تحت احتلالهم ومصير الأرض المحتلة،فما نعرفه نحن أن الشعوب المحتلة تستفتى للتقرير بشأن مصيرها ولكن إسرائيل في عرف وشريعة الغاب والديمقراطية الأمريكية يحق لها ما لغيرها،فهي لم تكتفي بهذا القانون،بل تخطط لإقرار قانون آخر يجعل من القدس المحتلة ليس عاصمة "لإسرائيل" على حد زعمهم بل لكل اليهود في العالم.

الرئيس أبو مازن عندما إلتقاه نواب القدس في رام الله،قال بأنه حصل على وعود وتفاهمات من الإدارة الأمريكية تجمد القرار الإسرائيلي بإبعاد النواب،وبعد خرق إسرائيل لهذه التفاهمات واعتقال أبو طير،أرسل رسالة خطية للإدارة الأمريكية تطالبها بإلزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية والتراجع عن قرار إبعاد النواب وعلى رأسهم النائب ابو طير،وكذلك فعل بعد إبعاده الى رام الله ،ولكن الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لم يحركوا ساكناً في هذا الجانب،وميتشل في زيارته الأخيرة لم يحمل في جعبته شيئاً جديداً أثناء لقاءه بالقيادة الفلسطينية في رام الله،وهذا يعني أن الإدارة الأمريكية تنسق مواقفها أولاً بأول مع إسرائيل،وتتبنى بالكامل رؤيتها ومواقفها في كل ما يتعلق بالمفاوضات والتسوية،وهي لن تخرج بوصة واحدة عن رؤية نتنياهو للمفاوضات والتسوية،فهي تخلت وبالتدريج عن كل الوعود والخطط والشعارات الزائفة التي طرحتها منذ تولى أوباما الحكم وحتى اللحظة الراهنة،وهي أقصى ما تريده هو العمل على الاستمرار في إدارة الأزمة من خلال طرح المبادرات وعقد اللقاءات والمؤتمرات للعلاقات العامة والقول بأن هناك حركة سياسية،وتستمر في ذلك حتى تنتهي ولايتها،لكي تأتي إدارة أمريكية جديدة،وتبدأ بطحن الماء من جديد وتقديم نفس البضاعة الكاسدة الفاسدة للعرب والفلسطينيين،بلغة وديكورات وشعارات جديدة تتلاءم والمرحلة والظرف والمصلحة الأمريكية،ولكن على نحو أسوء من السابق،فالإدارة الأمريكية الجديدة تريد من العرب أن يأخذوا الحقائق والوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض بعين الاعتبار،أي في عرف الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون المطالب الفلسطينية والعربية بإنسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة غير شرعية،وسيصبح الشعار والطرح الأمريكي والإسرائيلي الجديد الأمن مقابل السلام،وحتى هنا سنجد من المنهارين العرب والفلسطينيين من سينظر لمثل هذا الشعار وهذه المواقف،ألم نجد الكثير من القادة والكتاب والمثقفين والمفكرين وصناع القرار عربياً،من نظر وهلل وطبل لأوباما بعد الخطاب الذي ألقاه بجامعة القاهرة في حزيران/2009 ؟، وقال لنا بأن حقبة جديدة من العلاقات الأمريكية- العربية قد بدأت،وأن هناك تغير استراتيجي في السياسة الأمريكية في المنطقة وتحديداً تجاه القضية الفلسطينية،وكل ذلك فقط لكون اوباما استخدم شعارات وألفاظ وعبارات جديدة تعزف للعرب على العواطف والمشاعر.

ومن هنا نقول للرئيس أبو مازن وللسلطة الفلسطينية،إذا كانت إسرائيل وأمريكا لا تحترم ولا تلتزم بأية اتفاقيات أو تفاهمات،فما الجدوى من مواصلة المفاوضات العبثية؟، والتي يخترعون لها كل يوم تسمية مباشرة وغير مباشرة،علنية وسرية وأخر ما حرر مفاوضات متوازية ،وإذا كان الضغط الأوروبي الغربي والأمريكي المزعوم على إسرائيل غير قادر على إعادة بطاقات الهوية المقدسية للنواب المقدسيين المهددين بالإبعاد بل وأبعد أحدهم فعلياً ونفس المصير يتهدد الآخرين حال خروجهم من بوابة مقر الصليب الأحمر في القدس،فهل سيكون قادر على وقف الاستيطان أو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة عام 1967 م وإعادة اللاجئين؟.

CONVERSATION

0 comments: