إيران وعملاؤها ... الفوضى و سياسة الاحتواء المناسب/ محمد الياسين


لم يأتِ الموقف الإيراني الأخير إتجاه ما يجري في مصر اليوم والذي تمثل بخطاب علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية بجديد على صعيد المواقف الإيرانية أو اضاف شيئ الى اجندة الأهداف والتوجهات للنظام الإيراني إتجاه دول وشعوب المنطقة ، وانما جاء خطاب خامنئي لإيصال انطباع للامريكان وبعض الأنظمة الحليفة لهم في المنطقة ، بأن ما يجري في مصر وما سبقها في تونس من ثورة شعبية شجاعة اسقطت نظام بن علي وانتقلت شرارتها للشعب المصري بأنه من وحي والهام الثورة التي حدثت في إيران قبل ثلاثين عام ! ، فمنذ وصول المتشددين في إيران الى سدة الحكم في عام 1979 انتهج النظام الجديد سياسة صناعة الفوضى من خلال تهيئة الظروف والمقومات والركائز لها ، والاحتواء المناسب لانظمة حكومية أو حركات واحزاب وتجمعات سياسية ، ضمن اطار المشروع الإيراني الكبير في المنطقة ، فقد اتسمت الحالة الإيرانية بعد العام 1979 فكرياً وعقائدياً بوضع سياسة تصدير الثورة الإسلامية أو ( الحالة الإيرانية ) الى دول الجوار والمنطقة كأولوية للنظام وهدف جوهري وإستراتيجي للمشروع الإستعماري الإيراني ، لخلق حالة إقليمية مختلفة تدور في فلك المشروع الإستعماري الإيراني و وضعها تحت وصاية و قيادة الولي الفقيه في طهران ، فقد انتهج النظام الإيراني سياسة خارجية امتزجت فيها العاطفة بدغدغة مشاعر العرب والمسلمين إتجاه قضاياهم التأريخية والمصيرية ، وتبني مواقف متصلبة إتجاه الغرب وامريكا وإسرائيل ظاهرياً ، على الرغم من ابرام الاتفاقات و التحالفات الإيرانية – الغربية على حساب القضايا العربية – الإسلامية في كثير من الاحيان ، كما ان المتابع للعلاقات الإيرانية – الأمريكية من خلال الأحداث ومجريات الأمور منذ تسلم المتشددين للحكم في إيران يلاحظ وجود التخادم الإيراني – الأمريكي و الاسرائيلي في كثير من القضايا وفي فترات زمنية مختلفة ، كإحتلال العراق ، والقضية الفلسطينية. هذا من جانب ، اما الجانب الاخر ، فقد وظف النظام الإيراني منذ تسلمه الحكم اذرع عسكرية و إستخبارية ، وإقتصادية ، لخدمة مشروعه في المنطقة ، والذي يهدف من خلاله لتمكين قوى إسلامية متشددة ومتطرفة موالية لنظام ولاية الفقيه من الوصول الى مراكز ومواقع الحكم والسلطة في بلدانهم ، لهدف إقامة أنظمة إسلامية تكون تحت قيادة نظام ولاية الفقيه في إيران ، ويعد الحرس الثوري و فيلق القدس والاطلاعات ، من الاذرع الإيرانية الموكل اليها مهمة التنسيق مع قوى واحزاب وتيارات دينية وسياسية في المنطقة واحتواءها في المشروع الإيراني وتوظيفها كأدوات ومكونات لتحقيق اهدافه ، فضلاً عن إدارتها الكثير من الشركات والمؤسسات والمراكز الإقتصادية و التجارية والثقافية والدينية و الإعلامية في تلك الدول للتمويه عن الأنشطة الإستخبارية والسياسية و الأمنية الخطيرة ، كما وتعد السفارات الإيرانية والملحقيات الدبلوماسية والثقافية أوكار حقيقية للمخابرات الإيرانية والحرس الثوري لتنفيذ مهامهم إتجاه الدول التي يتواجدون فيها ، لذا فإن ماحدث مؤخراً في تونس ومصر ومرجح له ان يمتد في عدد من دول المنطقة يحاول النظام الإيراني ان يظهر بأنه يصب في مصلحته بشكل كامل ، على الرغم من ان محاولة التكهن بهذا الأمر، الآن ، فيه الكثير من الصعوبة والملابسات ، فبعد خطاب خامنئي وتطرقه الى الاحداث الجارية في مصر وتأييده لثورة الشعب المصري ضد النظام ثم وصفه لها بشكل وقح بأنها مستوحاة من الثورة الإيرانية ! ، محاولة منه لتجيير إرادة الشعب المصري لصالح نظامه إذ انه وصف احداث مصر بأنها ( بوادر يقظة إسلامية في العالم مستوحاة من الثورة الإيرانية عام 1979 !! ) ، وقال ايضا ( ان احداث اليوم في شمال افريقيا في مصر وتونس وبعض الدول الاخرى لها مغزى خاص بالنسبة لنا !!) ، وجاء رد المصريين سواء على مستوى النخب السياسية التي تقود المظاهرات او تصطف معها وترفع شعاراتها و مطالبها او على المستوى الشعبي بكافة طبقاته ومستوياته فقد رفضوا خطاب خامنئي بشكل تام واعتبروه تدخل بشؤون بلادهم ، واكدوا ان ثورتهم ضد نظام مبارك يقودها مصريون وليست امتداد للثورة الإيرانية او مستوحاة منها لا من قريب ولا من بعيد ، ويبدوا ان السيد علي خامنئي قد تناسى ان حكومة احمدي نجاد التي حظيت بتأييده ، لا شرعية لها عند الشعب الإيراني ، فعندما خرج الملايين من الإيرانيين الى شوارع طهران والمدن الاخرى يطالبون بإسقاط النظام ويرددون هتافات وشعارات منددة بحكومة احمدي نجاد و منددة بنظام ولاية الفقيه برمته ، قد قمعت بشكل وحشي وهمجي من قبل الأجهزة الأمنية وميليشيا الباسيج وقتل عدد كبير من المتظاهرين ، وتعرض الرجال والنساء لشتى انواع وصنوف التعذيب والاغتصاب في السجون والمعتقلات ، هنا كان الاجدر ان يصدر موقف عن السيد خامنئي و يتقبل إرادة شعبه بتغيير النظام !!.

ومن الجدير بالذكر ان نشير الى ان إيران ليست بعيدة عن رياح التغيير التي قد تهب فيها على اية لحظة ، فإيران مرشحة لذلك اكثر من اي دولة اخرى في المنطقة ، بسبب الظلم والاضطهاد وتكميم الافواه وكبت الحريات وانتشار الفساد والجريمة وتجارة المخدرات وتسلط طغمة فاسدة من رجال الدين على المال والسلطة والنفوذ في البلاد ، في حين يعاني الشعب الإيراني بكافة اديانه وطوائفه وقومياته من فقر واذلال واضطهاد وموت بطيئ .

ولم يمر وقت طويل على خطاب خامنئي حتى خرج السيد حسن نصر الله بخطاب متناغم مع ما سبقه في خطاب خامنئي ، وتطرق نصر الله هو الاخر الى ثورة الشعب المصري حينما قال ( انه يضع كل امكانيات حزبه في خدمة الثورة !!) ، فكان الاجدر بالسيد نصر الله ان لا يتدخل لا من قريب ولا من بعيد سوى بالاشارة الى شجاعة الشعب المصري في ثورته وصموده ، دون التطرق الى التوظيف الكاذب لامكانيات حزبه! خاصة وان عناصر خطيرة في تنظيم حزب الله محكومين بجرائم وهم معتقلين في مصر قد هربوا بعد الاحداث الاخيرة الى لبنان ، لذا فأن قراءتنا لسياسة إيران وحلفاءها في المرحلة الجديدة هي سياسة احتواء ، او محاولة احتواء مناسب للحال الجديد سواء في مصر او تونس او اي دولة اخرى تتعرض لما تعرضت له مصر وتونس ، رغم ذلك ، يبقى هذا الامر مرهون بشعوب تلك الدول التي نتمنى لها الخير والإستقرار ، كما لاشك انه مرهون بنوعية وتوجهات القوى السياسية الصاعدة بعد التغيير فيها .

CONVERSATION

1 comments:

غير معرف يقول...

تنتشر اليوم في العالم الاسلامي ظاهرة تسمى الصهيونية السنيةالتي تدعم بكل طاقاتها أعداء الأمة الاسلامية بدافع الحقد والضغينه على الجناح الآخرللأمة.
نسأل الله أن يوفق عقلاء السنة لكف يد صهاينتهم وسفهائهم عن الإساءة لهم وإحراق تاريخهم بنار حقدهم.