إرحل ....... وأخشي الرحيل/ سامي الأخرس

اخشي ما اخشاه أن يكون شعار إرحل الصادح في حناجر الشعوب هو إستنساخ لشعار الضباط الأحرار الذين قادوا الثورات العربية في القرن الماضي ضد الملكيات، وانطلقوا من خلال هذا الشعار لقيادة الأمة من سيء لأسوأ، حيث زادت الغمة من حدة ظلاميتها، وانزلقت الأمة في انقلابات عسكرية متكررة تتسابق فيما بينها لتقديم مزيداً من التنازلات والخضوع للقوي الغربية الاستعمارية، وإرتدت ثوب الاستبداد سريعاً بديلاً لبزة العسكري الثائر الذي انتصر وانتفض على الملكيات والملوك، وتحولت أحوال الأمة العربية من ردئ لسيء بل لأسوأ من سيء حتى جثم العسكر باسم الثورة على صدر هذه الأمة، يستحلبون من ضرعها السمن والغيث واكتناز الثروات في كروشهم المتدلية وربما خطاب القائد الثوري الفذ معمر القذافي بالأمس تعبيراً حياً عن نفسية عساكر الثورات العسكرية التي قادت عمليات التحرير في القرن المنصرم.
فالقارئ للأحداث الأخيرة بعمق ينتابه شيء من الوسواس والخوف والريبة من تلاحق الأحداث وتسارعها وتواترها بشكل يدعو للتروي قليلاً، والتفكير كثيراً فهناك ما يدعو لهذه الوقفة التأملية التي نحتاج لجرأة في الطرح والتساؤل بصوت مسموع، والنقاش باستفاضة بعيداً عن تصفية الحسابات الإعلامية، والقُطرية التصفوية، وهذا الحوار أو التفكير يصب في المقام الأول والأخير في صالح الثورات الشعبية، والشباب العربي المنتفض الثائر الذي نخشى عليه من الانبهار بشعارات النصر وبريقها الخادع أحياناً.
هناك العديد من الأحداث التي لم ولن اقتنع بأنها جاءت عفوية أو تلقائية، أو بدواعي الوطنية من بعض المؤسسات التابعة للنظام قلباً وقالباً، فلم يقنعني الموقف من الجيشين التونسي والمصري، خاصة وأن هذه المؤسسة أسست على أسس وثقافة ذيلية للنظام السياسي بناء على قاعدة الولاء المطلق للقائد العام للقوات المسلحة وهو الرئيس، وقيادة الجيش الأكثر إخلاصاً ووفاءً وارتباطاً بالنظام ضمن مصالح مشتركة على الصعيد المحلي والخارجي، وهذه المواقف تحتاج لمزيداً من التأمل والتعمق والتفكير والتروي في طرح الرؤية المنطقية العقلانية المرتبطة بها وبالأحداث الدائرة، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال الدفاع عن طغمة الحكم وأنظمة القمع العربي، بقدر ما هو خشية وريبة مما يحدث وهو يوحي بدلالات منظمة ومرتبة وشيء ما يدور خلف الكواليس.
وما رسخ هذه الريبة وهذا الإحساس الحالة الليبية التي لم تتضح ملامحها الشعبية بل شهدنا فيها مدخلات مختلفة للمدخلات التونسية والمصرية، فقد شهدنا انسحاب جماعي للجيش ولقياداته التي اكتشفت فجأة أن نظام القذافي نظام قمعي وديكتاتوري، أضف لمحاولات البعض للإنقلاب الفجائي على زعيم ثورة الفاتح العظيم، وكذلك الحركة المريبة لممثلي الديبلوماسية الليبية وخاصة في الدول الغربية والمؤسسات الدولية، وهي حالة جديدة لم نشاهدها في تونس ومصر.
لست بصدد الغوص عميقاً في أبجديات الحالة العربية الحالية التي تتخذ شكل التسلسل التدريجي في ساحات لم يتوقع أجد انتفاضها مثل ليبيا على وجه التحديد، وحالات التهدئة في ساحات أكثر ترشيحاً نظراً لأوضاعها الداخلية البائسة.
واللافت للنظر أن البداية كانت من استفتاء تقسيم السودان، ثم حرق الشاب التونسي بوعزيزي الذي فجر ثورة الغضب ثم مصر ثم ليبيا بتسلسل متدرج، ضمن خارطة محددة جغرافياً، تنتهي مباشرة لمجرد تنحي الرئيس والزعيم، ليتم إعلان الانتصار دون أي عملية تغيير حقيقية وجذرية أو فعلية للنظام، والعودة لاستكشاف النصر التي عشناها أو قرأنا عنها في تاريخ الثورات العسكرية.
الخشية هنا أن يكون ما يحدث هو إعادة إرضاخ للشعوب العربية بوقع متجدد على قاعدة نشوة إنتصار الثورات الشعبية، ليمضي قرن آخر من فرض الهيمنة والسطوة على شعوب المنطقة ضمن مخططات تتلائم وتتوافق مع رؤى القوي العالمية الامبريالية.لذلك يتوجب علينا الحرص والدقة في قراءالأحداث وتحليل الأمور بمنطقية وعقلانية لما فيه صالح ومصالح هذه الثورات والشعوب وهذه الأمة، بعدياً عن نزق العاطفة المندفعة.
كما أن هناك حالة غريبة تجتاح القوى القومية واليسارية العربية في قراءتها للأحداث ومجرياتها، فهذه القوى تتسارع في تحليلاتها ومواقفها تحت تأثير نشوة الانتصار الذي يتحقق أو تحقق في مصر وتونس، وغاب عن ذهنها التحليل الدقيق الذي يحتاج لقراءة ومراجعة تستند وترتكز للتاريخ والمستقبل، لكي لا تقع فريسة الشعارات الشكلية والفضفاضة .والسقوط مترنحة تحت وقع الحقائق والمخططات التي تتضح كلما انقشعت السحب عن سماء العرب.
برغم الخشية وهواجس الريبة التي تنتابنا جراء الأحداث وتسارعها بوتيرة متنافرة إلا أن هناك نصراً حقيقياً وفاعلاً تحقق الأّ وهو تحرر الشعوب العربية من عقدة الخوف والعرب، وتدراكها أن هناك حق بالحياة والحرية.

CONVERSATION

0 comments: