المولــود الألــف للبيــادر/ د. ندى الحايك خزمو

رغم المخاض الأليم والصعب الذي تعانيه في كل مرة ، فها هي البيادر تضع مولودها الألف خلال ثلاثين عاماً من العمل المتواصل والجهد الكبير لتبقى المنبر الذي يعبّر عن معاناة وهموم شعبنا وآلامه، رغم كل المعاناة التي نعيشها في إصدار كل عدد ، بكادرها البسيط الذي يستغرب الجميع كيف نستطيع به إصدار مجلة بهذا المستوى، ورغم المحاولات المستمرة لإسكات هذا الصوت الى الأبد، ومحاولات دب اليأس في قلوبنا لنتوقف..

كثيرون يتساءلون .. ما سر صمودكم رغم كل هذه الظروف المأساوية؟ وكيف تستطيعون الاستمرار في إصدار المجلة؟! والى هؤلاء أقول وبملء الفم.. سر صمودنا هو أننا نعمل من أجل رسالة كرسنا أنفسنا لها ، وباتت الدم الذي يجري في شراييننا .. إننا لا نعمل من أجل مصلحة خاصة أو مكاسب مادية، وإنما من أجل مصلحة هذا الوطن وهذا الشعب، وإلا كنا توقفنا عند أول صعوبة واجهتنا.. فالله وحده يعلم الجهد الذي نبذله حيث نوصل الليل بالنهار من أجل إصدار كل عدد والذي يستنزف طاقتنا وصحتنا ، ولكننا نملك التصميم والإرادة القوية التي تجعلنا نتغلب على كل صعوبة نواجهها ..

رسالة البيادر واضحة منذ بدايتها .. فمع صدور أول عدد من البيادر في نيسان 1981 عاهدنا قرائنا على أن نكون منبرهم المتحدث باسمهم والناقل لهمومهم، أن تكون مجلة الجماهير بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ، أن تفتح صدرها وقلبها للجميع من دون استثناء ، وأن تعمل من أجل قضية هذا الشعب .. حاربنا التشرذم والاقتتال ودعونا الى الوحدة الوطنية باستمرار، وحاربنا كل كلمة تزرع بذور الفتنة، وامتنعنا عن نشر أي تهجم أو كلمات تثير الحقد أو الكراهية أو تخلق الفتن والمشاكل.. لم نقف مع فصيل ضد الآخر لقناعتنا بأننا جميعاً بكافة فئاتنا وفصائلنا أبناء شعب واحد، وهمّ واحد، وجسد واحد.. كلنا أخوة في الدم والمصير .. وركزنا على موضوع الوحدة أكثر بعد أن اشتدت الخلافات والانقسامات داخل صفوفنا .. وقفنا دائماً مع الحق وانتقدنا الخطأ من أجل الإصلاح والبناء وليس من أجل الهدم .. ولم نتخاذل يوماً عن قول كلمة الحق حتى على أنفسنا.

كانت البيادر سباقة في الكثير من الأمور ، فقد أجرت استطلاعات الرأي من العام 1983 وحتى العام 1993 لتنقل وجهة نظر شعبنا في القضايا المصيرية في الوقت الذي لم يكن فيه أي مركز استطلاع..

أصدرت نشرة باللغة الانكليزية تضمنت ترجمات للمقالات والتحليلات الهامة في المجلة لإسماع صوت شعبنا الى العالم الخارجي ليروا ويفهموا حقيقة الأوضاع في الأراضي المحتلة ، ولا يعتمدوا فقط في معلوماتهم على وجهة النظر الإسرائيلية . ومن أجل هذا الهدف أيضاً عملت البيادر على إجراء حفل استقبال سنوي دعت إليه كل أعضاء السلك الدبلوماسي للقاء بقيادات وشخصيات فلسطينية من الضفة والقطاع، بالإضافة الى لقاءات أخرى بين الحين والآخر لنفس الهدف..

كانت البيادر سباقة أيضاً في الإعلان عن جائزة فلسطين للأدب من أجل تشجيع الكتاب والأدباء..

وظفت لها مراسلاً في الكنيست للإطلاع أولاً بأول على ما يفكر به عدونا ، وما يحاك خلف كواليس الكنيست ضد شعبنا .

كرست البيادر نفسها من أجل قضية هي الأقدس .. قضية فلسطين وشعب فلسطين .. ومن أجل قضية القدس التي وضعنا جل اهتمامنا بما تعانيه وفضح كل ممارسات الاحتلال لتهويدها وتهجير أهلها.. وكنا السباقين في طرح مشاكلها وفي التحذير من الوصول إلى الوضع المأساوي التي وصلت إليه القدس ، ولكن للأسف فقد صُمّت الآذان لئلا تسمع ولتعض أصابع الندم على السكوت والتخاذل بحق ما يجري فيها..

قضية الأسرى كانت وما زالت لها أولوية في المجلة، ففتحت صفحاتها للأسرى لإسماع صوتهم وآرائهم، ونقل معاناتهم ، لقناعتنا بأن لقضيتهم أولوية تماماً كأولوية قضية القدس وحق العودة.. ويجب العمل بكل الجهود من أجل الإفراج عنهم .

تعرضنا في البيادر، ومنذ بداية مسيرتها، وبخاصة في فترة الانتفاضة الأولى، إلى شتى أنواع الممارسات من تحقيق واعتقال ومحاكمة وتهديد واعتداءات والتي استهدفت ترعيبنا وترهيبنا ولكننا خرجنا من كل تجربة أشد صلابة وقوة.

هذه هي البيادر، وهذه هي رسالتها .. وسنظل نعمل جاهدين وبكل قوتنا وعزمنا من أجل أن تكمل مشوارها في خدمة قضايا شعبنا ووطننا ما دام فينا عرق ينبض وقوة جسدية تتحمل. نحاول دائماً تطوير المجلة بقدر استطاعتنا، ولكن الظروف المادية الصعبة تقف عائقاً في سبيل ذلك، فلو كان الأمر بيدنا لجعلنا البيادر في مصاف أكبر المجلات العالمية ولكن...

وأخيراً كلمة شكر أوجهها لكل من وقف معنا، وشكر خاص أيضاً الى كل الأخوات والاخوة الذين أرسلوا لنا آراءهم بمجلة البيادر ومسيرتها، والتي نشر بعضها في هذا العدد والبعض الآخر سينشر في العدد القادم . فهذه الآراء أثلجت صدورنا وأعطتنا المزيد من القوة للاستمرار في مسيرتنا والصمود في وجه كل محاولات إسكات هذا الصوت، وكل كلمة من كلماتهم نعتبرها وسام شرف لنا.(البيادر)

· كاتبة وصحافية في مجلة البيادر المقدسية


CONVERSATION

0 comments: