نساء فاشلات ..!/ صالح خريسات


باسم الأجر و الثواب، و عقب كل صيحة تعلن فيها وفاة رجل أو امرأة في المدينة ، تتوافد على بيت العزاء للسيدات، طائفة من النساء العجيبات في سن اليأس ، ومن الأرامل و المطلقات ،لا يكاد المرء يتبين في و جوهن حزناً أو أسى، إنما تكسو وجوهن قترة ، ممزوجة بالنكد ورداءة الحظ وقلة الحيلة .
شكلهن مألوف لكل الناس، إذ يتلفعن الجلابيب من الوزن الثقيل، بحجم خطايا أصحاب الفيل، و الشاربات الكئيبة بلون سحب يوم الظلة، و القفازات السوداء علامة على الظلمة في قلوبهن، و الجرابين الرجالية علامة على هجر الأنوثة، و الأحذية الضفدعية استعداداً لخوض المعركة .
يحضرن وفي يد كل واحدة منهن ، كتاباً بلون أوراق الخريف، وجرائد و حقيبة نسائية تحاكي شقاوة راعي الغنم، و يظهرن كالخفافيش من بين الطرقات الضيقة في الحارات القديمة، ومن البيوت المشحونة بالكراهية ، كأنهن صورة من صور العذاب المؤجل ،أو العذاب المنتظر لكل امرئ مات على المعصية .
وفي غمرة بؤسهن، يبحثن عن نشوة في الكلام تداري فشلهن في الحياة، فلا يجدن غير الموت، و هو اسم يثير الذعر في نفوس الناس، و يشتد وقعه كلما علموا أنهم على وشك مفارقة هذه الدنيا ، أو أنهم في آخر عهدهم بها.
وباسم الأجر و الثواب ،يبدأ البحث و الجدل في صغائر الأمور و توافه المسائل، و يدخل أكثرها في باب الزي الإسلامي ، و آداب الزينة، و آداب العلاقة بين الرجل و المرأة، و تبدو قلوب هذه الطائفة من النساء، تنبض بالحقد والكراهية كأنها شحنة أعصاب مكهربة مسمومة، تتسلل بخبث وهدوء لتلسع كل فتاة في عمر الورد، و يتوعدن كل سيدة أنيقة بالعذاب الشديد .
وعادة ما يتم الإعلان عن بدء الجلسة التأديبية للنساء، بآي من الذكر الحكيم، ثم تتلو واحدة منهن ،قائمة العقوبات، ومن بعدها قائمة الزواجر و النواهي ، و أهم ما تتحدث به هذه الطائفة من تحريم زيارة القبور، و تحريم لبس السواد، و تحريم كل أشكال الحزن و الحداد ... الخ . و يذكرن الأحاديث العجيبة، و الروايات الغريبة، بان الميت يتعذب ببكاء أهله عليه. وكلما حاولت امرأة، التعبير عن حزنها بالبكاء، أرغمتها طائفة هذه النساء العجيبات على الصمت وحبس أنفاسها، لكي لا يتعذب المرحوم.
وبرأيي، أن هذه الأحاديث والروايات لو صحت، فإن من واجبنا البكاء على الأعداء، وزيارة موتاهم في قبورهم، وإعلان الحداد عليهم، كي يتعذبوا في قبورهم، ويلحقهم اشد العذاب .
ولكن الدين بالعقل، والعقل أداة فهم نصوص الكتاب والسنة، وهو أداة فهم أسرار الكون،وما يحيط بالإنسان، فكيف يعذب الله إنسانا ببكاء إنسان آخر عليه؟! ما ذنب الإنسان الميت،وما هي خطيئته،كي يعذبه الله بها ؟! ثم أليس الله هو الذي أضحك وأبكى ؟! أوليس الله هو الذي فطر الإنسان على الحزن وعلى السرور؟!أوليس الله هو الذي جعل الموت مصيبة، قهر به عباده و خلقه أجمعين؟ كيف لا يبكي الابن على أبيه،أو أمه ؟!كيف لا تبكي الأم على ابنها،أو ابنتها ؟! كيف لا تبكي الزوجة على زوجها ورفيق عمرها ؟!
و أحسب أن الذنب في عدم الفهم، يقع على الإنسان نفسه ،عندما لا يكون السبب فيه، هو الافتقار إلى العقل، بل إلى العزم و الشجاعة، اللذين يحفزانه على استخدام العقل بغير توجيه من إنسان آخر.
بيد أن اغلب الناس، و بخاصة النساء، يشفقن على أنفسهن من التقدم خطوة واحدة على طريق الرشد، وقد تكفل بإقناعهن بذلك الأوصياء، أصحاب الكتب الصفراء المهترئة، ومن تبعهم بالقصور و العجز، عن استخدام العقل من جيل الشباب .
فكيف تقبل النساء المتعلمات هذه المواعظ ،من نساء كسولات، عاجزات، فاشلات، محبطات ؟! فالمورثات القديمة من الكتب الصفراء، و أخبار السلف، عقيدة عمياء يختلط فيها الحق بالباطل، و الضلال بالهدى، و ليس كل ما فيها قيماً و ايجابيا ً أو يستحق التقديس، خاصة إذا كان مخالفا للعقل و المنطق ؟!
إن هذه الطائفة من النساء، و غيرهن، يحتجن إلى مواجهة لا مداراة فيها ولا مجاملة، فنحن ملتزمون بالكتاب، متبعون للسنة الصحيحة ،و لكن ما لهذا و التعبد بمتابعة الأقدمين ؟!!
 إن كل ما نتمناه على الناس، وبخاصة النساء ،أن يفرقوا بين الخطأ والصواب ،فليس في السنة النبوية الشريفة ما يخالف العقل والمنطق ،والذين يدعون بوجود مثل هذه المخالفة أحياناً،إنما يجنحون إلى الجهل بثوب الدين، وهم يجدون متعة في التسلي بمشاعر الناس وشد انتباههم إليهم. فلسنا بحاجة إلى مرشدات عاطلات عن العمل وبخاصة بعد زيادة فرص التعلم والتعليم،وبمقدور كل امرء أن يقبل على المعلومات من مصادرها الصحيحة،..

 

CONVERSATION

0 comments: