...... مما لا شك فيه أن كل أنظار العالم تتجه إلى ما ستؤول إليه الانتفاضة المصرية،هذه الانتفاضة التي نتمنى لها أن تحقق أهدافها في كنس النظام القائم،كنس هذا النظام بقوانينه ودستوره وتشريعاته وقياداته وبنيته وهياكله السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية،فنجاح هذه الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة عربياً من حيث الشمولية والضخامة والتنظيم ووضوح الرؤيا والأهداف سيطال بتأثيراته وتداعياته ليس الداخل المصري لجهة الإصلاح والتغيرات فقط، ولجهة الموقف والسياسة الخارجية والدور والفعل،بل سيمتد ذلك ليشمل كل الواقع العربي والخارطة الاقليمية والدولية.
فأمريكا وإسرائيل وأوروبا الغربية تتابع عن كثب من خلال سفاراتها ومراكزها البحثية وعملائها التطورات على الجبهة المصرية أولاً بأول،وهي تدرك حجم المتغيرات والتطورات العربية والاقليمية والدولية التي ستترتب على نجاح الانتفاضة والثورة الشعبية وقيام نظام وطني في مصر،وأول ما يقلقهم أمريكياً وإسرائيليا وأوروبيا غربياً هو أمن إسرائيل وحماية وجودها ومصير اتفاقية "كامب ديفيد"،تلك الاتفاقية التي ترتب عليها بداية الانهيار العربي،انهيار قاد إلى خروج مصر ليس من حلبة الصراع العربي- الإسرائيلي وتحول النظام إلى شريك إسرائيلي- أمريكي في التآمر على القضايا العربية والقومية وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية،التي جعلها الراحل الكبير عبد الناصر قلب وجوهر القضايا العربية،إضافة إلى تقزيم وتهميش دور مصر عربيا وإفريقياً وإقليميا ودولياً،ناهيك عن التفريط بالسيادة الوطنية المصرية،وتحويلها إلى مرتع للصوص و"مافيات" الفساد والبلطجية وتحكمها بكل مفاصل الاقتصاد المصري تعيث فيه الفساد وتعمل على تدميره ونهبه وتزيد من افقار الناس وتجويعهم،والعمل على ترويعهم وارهابهم والتفنن في قمعهم واذلالهم وتعذيبهم وتطويعهم .
إن هذا الحدث والمتغير الهام في حال تكلله بالنجاح سيشكل كابوس استراتيجي لكل صناع السياسة والقرار في واشنطن وتل ابيب،متغير سيطال بتأثيراته ليس الجغرافيا العربية،بل ستمتد تداعياته وتأثيراته إلى الساحتين الاقليمية والدولية،فإسرائيل التي كانت تعتقد بأن الجبهة المصرية قد سكنت والى الأبد،صحت على زلزال استراتيجي يجعلها تعيد كل حساباتها في كل المجالات سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا، فأي نظام سيخلف نظام مبارك سيدع حداً لحقبة مظلمة ومخزية في التاريخ المصري والعربي،ولن يقبل أي نظام قادم مصري وطني أن يلعب دور الشرطي للنظام الشرق الأوسطي الأمريكي- الإسرائيلي،فهذا النظام الذي بشرت به أمريكا بعد احتلالها للعراق وحربها العدوانية على لبنان والمقاومة في تموز 2006 ،والذي تم إجهاضه بفعل صمود المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وتماسك الموقف السوري، الآن بنجاح الانتفاضة المصرية ستوجه له ضربة ربما تكون قاصمة،ضربة ستقلب الطاولة على رأس أمريكا وإسرائيل ومشاريعهما الاقليمية وكل حلفائهما في المنطقة من ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي،هذا المعسكر الذي أضحى وجوده ودوره في مهب الريح،بعد هبوب رياح التغير الثورية على أكثر من عاصمة اعتدال"اعتلال" عربي كانت بدايتها انتفاضة الياسمينة في تونس وكنس نظام بن علي الدموي ومن ثم كنس النظام المصري يضاف إلى ذلك تعثر المشروع الأمريكي في لبنان وانهياره هناك،فهذه المتغيرات والتطورات المتتالية والمتواصلة،ربما يكون من تداعياتها ليس فقط خلق حالة نهوض عربي شاملة واستعادة مصر لدورها الرائد والقائد عربياً،فهي دائماً كانت المقياس والتعبير عن الحالة العربية،فبنهوض مصر تنهض الأمة العربية وبانهيارها تنهار الحالة العربية،وليس أدل على ذلك ما وصل إليه الوضع العربي من حالة انحطاط وانهيار غير مسبوقة،جعلت من الأمة العربية مطية لكل الشعوب والدول،وأصبحت ليس فقط خارج الفعل والتأثير في المعادلات الدولية والاقليمية،بل وحتى التقرير في أمورها وشؤونها الداخلية،وأصبح من يطالب بالصمود والمقاومة مغرداً خارج السرب ومطارداً ومطلوباً للنظام الرسمي العربي،ووصل الأمر أبعد من ذلك حد تندر النظام الرسمي العربي على المقاومة والمقاومين،بل هذا النظام المنهار في مصر،من قلب قاهرة المعز أعلنت وزيرة خارجية حكومة الاحتلال الإسرائيلي السابقة "تسفي ليفني" بأنها ستسحق المقاومة في غزة،ناهيك عن أن أكثر من نظام رسمي عربي وصف المقاومة اللبنانية وفي المقدمة منها حزب الله بأنها مجموعة من المغامرين ودعموا إسرائيل في السر والعلن وأمدوها وزودوها بالمعلومات من أجل سحق المقاومة وحزب الله أثناء حرب إسرائيل العدوانية على لبنان تموز/2006 .
صحيح أن الشعب مصر يثور من أجل كرامته وعزته،من أجل تغير أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية،من أجل تغير نظام فاسد،فصل دستور البلاد وحولها إلى مزرعة وإقطاعية يورثها الى عائلته،ولكن العرب من أيام الحقبة الناصرية يتطلعون الى مصر كقائدة ومنقذة ومحركة ورافعة للنضال والمقاومة العربية،تلك الحقبة التي وضعت العرب على الخارطة الاقليمية والدولية،وكان يحسب لهم ألف حساب،حيث استطاع عبد الناصر أن يوجه ضربات مؤلمة للمشاريع الاستعمارية في المنطقة،فهو من قاد تأميم قناة السويس عام/1956،وهو رافع وصاحب شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة،وأيضاً رفض مقايضة استعادة سيناء بعد هزيمة 67 بالتخلي عن القضية الفلسطينية،وكان دائماً يردد ويقول القدس قبل سيناء ولا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل،وهو لم يفقد البوصلة اتجاهها،وكان حريصاً على كل قضايا الأمة ولم يدخلها لا في صراعات طائفية ولا مذهبية ولا أثنية ولا غيرها .
إن نجاح الانتفاضة والثورة المصرية يبشر بولادة شرق أوسط جديد غير الذي بشرت به "كونداليزا رايس"،شرق أوسط يشد من عضد ويقوي معسكر المقاومة والممانعة العربية في المنطقة،شرق أوسط جديد يضعف من دور حلفاء أمريكا في المنطقة،شرق أوسط جديد فيه الكثير من المخاطر الجدية على الوجود والمصالح الأمريكية في المنطقة،شرق أوسط جديد يخل بالتوازنات القائمة في المنطقة ويلقي بأعباء وتداعيات خطيرة على إسرائيل عسكرياً وسياسياً وامنياً وإقتصادياً،شرق أوسط جديد يعيد للأمة الشيء الكثير من كرامتها وعزتها،شرق أوسط جديد الكلمة الفصل فيه لقوى المقاومة المتمسكة بالحقوق والثوابت العربية،والمطالبة بكنس وطرد كل قوى البغي والعدوان عن الأراضي العربية المحتلة وفي المقدمة منها فلسطين والعراق،شرق أوسط جديد يجعل من الأمة العربية رقماً صعباً في كل المعادلات الاقليمية والدولية،شرق أوسط جديد لا تستباح فيه ارض العرب تقسيماً وتجزئة وتذريراً واغتصاباً.
اننا واثقون بأن انتصار الانتفاضة والثورة الشعبية المصرية،هي نقطة تحول استراتيجي في المنطقة العربية،وستبشر بنهاية حقبة مصرية وعربية فيها الكثير من السوء والانحطاط والانهيار والابتذال،وولادة وبزوغ فجر مرحلة وحقبة أخرى عنوانها نحو استعادة مصر لدورها الرائد والقائد عربياً واقليمياً،ونحو المزيد من الانتصارات وتوحد الأمة العربية ونهوضها.
0 comments:
إرسال تعليق