أذهلتم العالمَ يا شبابُ ويا كلَّ الأمل . يُطاطئ أحرارُ العرب والعالم رؤوسهم أمام تضحياتكم وصمودكم الأسطوري وثباتكم على المواقف والأهداف . غدوتم وميدان التحرير كعبةً للحج وقِبلةً للصلاة والدعاء . أنتم مصرُ ومصرُ أنتم لكنكم القلب في المركز وشعبُ مصرٍ محيطُكم وجدارُكم الحارسُ والحامي والنيلُ والأهرامُ. أمهاتكم معكم يسهرن ليلاً ويرفعن شعاراتكم ليلاً ونهاراً
فإنهنَّ كريمات أرض الكنانة ووالدات الجيل الثائر . قلوبنا معكم لكنَّ أيدينا عليها خشية أنْ يستدرجكم العدو ويفتت وحدتكم فإنه خبيث مراوغ لئيم وجبان وكما قال الشاعر المتنبي ( ولا مثلَ العداوةِ في اللئيمِ ) . وفي هذا المقام لا بدَّ لي من التنبيه إلى عدة أمور أدرجها كما يلي :
1ـ الجيش
لا بدَّ من التمييّز بين الشعب والجيش فلكلٍ أهدافه الخاصة ولكلٍ ستراتيجياته الخاصة . قد يكون وقد يظلّ الجيشُ اليومَ مُحايداً في واقع سياسات وتوازنات الظرف الراهن ولكنْ ربما يأتي ظرفٌ دقيق حرجٌ ينحاز الجيشُ فيه إلى جهة الحكومة والنظام الذي أقامت لعقود . بل وحتى لو إلتزم الحياد فلربما يكون حياده قاتلاً تحت ظرف معين تفيد منه الحكومة خاصة وإنها ، الحكومة ، هي في جوهرها حكومة عسكرية في غالبية عناصرها المؤثّرة ووزاراتها السيادية. وليس عبثاً ما تُشيع بعض العناصر أنَّ لحسني مبارك مكانة خاصة في صفوف القوات المسلحة وتعتبره أحد أبطال العبور في حرب السادس من أكتوبر 1973 . الذي عبرَ هو الشعبُ المصريُّ وجيشُه في طليعتهِ . ولا يغيبنَّ عن البال أنَّ الرئيسَ عسكريٌّ أصلاً وهو اليوم الحاكم العسكري ، ونائبه لواء مخابرات ، ورئيس الوزراء فريق في سلاح الجو ووزير للطيران سابقاً ، وربما غيرهم الكثير ممن لا أعرف . لا يمكن الركون إلى الجيش بشكل مُطلق ولا التعويل عليه فخياراته محدودة معروفة في حين أنَّ الشعبَ متحرّكٌ ويمكنه التحرك في كافة الإتجاهات وحسب تغيّر الظروف .
2 ـ النظام ورأس النظام
كل ما يقوم به السيد عمر سليمان اليوم من تحركات هي من حيث الجوهر والتفاصيل مفروضة عليه من قبل جهات شتى داخلية وخارجية . يقف حسني مبارك على رأس العامل الداخلي مُحاطاً بببعض قادة الجيش المصري الكبار من العناصر الموالية لمعسكر كامب ديفيد الساداتي ـ المُباركي وطبقة فاشحة الثراء من المضاربين والتجّار وأساطين المال يقف هو نفسه وولداه في قمة هذا الهرم السارق والجشع والمفرّط بمال وحقوق الشعب المصري. أما دائرة الضغوط والعوامل الخارجية التي تؤثّر وتحرّك السيد عمر سليمان فإنها إسرائيل وأمريكا ثم حلف الناتو. الهدف المركزي لمبارك وسليمان ورئيس الوزراء وأمريكا هو الحفاظ على النظام القائم في إطار معاهدة كامب ديفيد والإتفاقيات العسكرية والأمنية المعقودة مع كل من إسرائيل وأمريكا . خلاف ذلك لا يرى هؤلاء من بأس في إجراء عمليات ترقيعية وأخرى تجميلية سيليكونية تبدو للناظر دمقراطية وقد لا يخلو بعضها من جوهر الدمقراطية الحقيقية ما دامت لا تمس ولا تقترب من تابو وعقيدة الإلتزام ببنود إتفاقية كامب ديفيد . أي أنَّ المطلوب اليوم من مصر أنْ تكونَ في أفضل أحوالها نموذجاً شبيهاً بالنموذج التركي أو اليوناني أو الكوري : دمقراطية كما تريدها أمريكا وإسرائيل لا تلك التي يطمح إليها الشعب المصري . دمقراطية عصر العولمة المنفلتة الهائجة . دمقراطية أنْ يُثري مَنْ يُثري وأنْ يجوعَ ويموتَ مَنْ يجوعُ ويموتُ فهذه أقدارهم وأقدارهم بقدر سعيهم ولكل إمرئ ما سعى . هكذا يزعمون .
كان النظامُ ورأس النظام في مصر منذ عهد السادات وحتى اليوم ملتحمين منصهرين فرأس النظام هو النظام وهذا هو ذاك : أنا أنطونيو وأنطونيو أنا . ذوبان الفرعون في قارونَ حيث يجتمع الدين والدنيا معاً ، ربُّ السياسة والدولة فرعونُ وربُّ المال قارون ومن شابهه . وهذا هو حسني مبارك ومعظم الحكام العرب كلهم فرعون وقارون أي فرعون القاروني أو قارون الفرعوني . في العالم المتحضر النظام شيء ورأسه شيء آخر . تتبدل الرؤوس وتزول وتبقى الأنظمة وأمامنا الدول الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا ودول أخرى في الشرق الأقصى كاليابان مثلاً . الرئيس في هذه الأقطار رمزٌ للنظام وممثله لا أكثر وهو بالطبع جزء منه يُدينُ بما يُدين ويتعهد ويقسم بالمحافظة عليه . بينما يعتقد حسني مبارك وورثته عمر سليمان وأحمد شفيق وباقي الرهط أنَّ النظام في مصر سيتزعزع وقد يزول بزوال مبارك متحججين بالشرعية والفراغ الدستوري وغير ذلك من الإدعاءات الفارغة التي لا تصمدُ أمام الحقائق فالشرعية هي الشرعية المستمدة من إرادة الشعب وقد أعرب عنها ثوّار الشعب وعبّروا وأفصحوا وأجادوا الخطاب بالدم والصمود . كذلك للثورة قوانينها الخاصة ودستورها الخاص وإلاّ لما هبَّ الشعب وثار فثورته جوهراً وشكلاً هي ضد قوانين ودساتير النظام المترنح المتفسخ التي كبّلت الشعب وضيَقت الخناق عليه وأجاعته وفتكت به وأفقرته . الثورة على النظام هي الثورة على رموزه وقادته وممثليه قبل كل شيء . ثورات الشعوب تبدأ بالقضاء على رؤوس البناء الهرمي للدولة المستبدة دولة البوليس وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية ومنع التجول وحظر التظاهر والتعبير العلني عن الرأي الآخر المخالف لفلسفة وعقيدة الحكم وحكومته.
3 ـ يستتبع ذلك بالضرورة التحذير من الوقوع في خطر التركيز على تنحّي مبارك أو تخليه عن السلطة ثم رحيله . تنحّي ورحيل مبارك لا يعني التغيير الثوري للدولة والنظام . سيرحل هذا الجلاّد عاجلاً أو آجلاً لكنَّ النظامَ الذي أقامَ سيبقى وسيبقى لمن سيرث الدولة المصرية وفي مقدمتهم رجل المخابرات عمر سليمان . لا تطالبوا يا ثوّار برحيل أو تنحّي مُبارك فقط بل جاهدوا للقضاء على نظام مبارك بأكمله السياسي والإقتصادي ومنظومة القمع والقتل والنهب وتعدد أجهزة الشرطة والأمن والمخابرات . حلوا البرلمان المزوّر وسنوا دستوراً جديداً وحوّلوا نظامكم الجديد إلى نظام برلماني لا رئاسي وليكن وزير دفاعكم رجلاً مدنياً كما هو الحال في الكثير من الأمم المتحضرة وأمامكم فرنسا وأمريكا . ألغوا على الفور حالة الطوارئ فإنها مُصممة وموجّهة لكم وليس إلى عدوٍّ خارجي فالعدو الخارجي مرتبط بنظام مبارك بمعاهدات سلام وصداقة واتفاقات أمنية ومناورات مشتركة مع وحدات من الجيش الأمريكي وحين نقول الجيش الأمريكي نعني والإسرائيلي أيضاً لأنَّ إسرائيل هناك حيثما وُجدتْ أمريكا وشبكات أجهزة موسادها جزء من شبكات التجسس الأمريكية المسماة وكالة المخابرات المركزية سي آي أي
CIA
هذه مصادر قلقي على مصير ومستقبل الثورة في مصر اليوم . لذا رأيت من واجبي أنْ ألفت أنظار قادة هذه الثورة وطلائعها شباباً وكهولاً ، نساءً ورجالاً من كافة فئات وطبقات الشعب المصري .
0 comments:
إرسال تعليق