منذ أن فتحت عينيّ على هذه الدنيا وبدأت أفهمها سألت والدي، أين يقع بلدنا، تنهد وقال اقتربي يا ابنتي، أتى بخريطة يحتفظ بها وأشار باصبعه قائلا هذه هي الجنة التي نحن منها، نظرت اليه وقلت، ان كانت تلك هي الجنة لما نحن خارج حدودها؟
ابتسم والدي وأخذني بذراعه وقال، جنتنا تنزف وقد يلزمها وقت طويل حتى تتعافى.
مرّت الأيام وأنا أكبر وأسألتي تكبر اما الأجوبة عليها لم تكن يوماً بحجم توقعاتي.
وفي ذات نهار وأنا جالسة في حضن والدتي حصلت عيناي الخضراواتين على جواب لأسألتي عندما قالت لي، كلما نظرت اليك رأيت لبنان فعيناك لها لون أرزه وشعرك الناعم يذكرني بجذورنا التي تربطنا بتلك الأرض وبروحك الطيبة أتذكر شعبنا الذي اراه يعشق بيروت من خلال الطيبة التي في قلبك.
لكن يابنتي قد نبقى خارج حدود لؤلؤتنا الجميلة حتى تستطيعين فهم الشر الذي يختبئ في زواياها والذي أردنا دوماً اخفائه عليك.
ما قالته أمي فتح أمامي أبواب كثيرة وجعل الحدود التي كانت تحيط بالوطن مكشوفة الظلال ورفع الحجاب الأبيض الذي كانت عيناي تتستر به على عورات اللؤلؤة الجميلة.
دخلت الى عتمة الحقيقة في داخلي،عيناي لا تريد أن ترى وتصدق و روحي تريد الهروب الى البعيد،
رأيت نساءً وأطفالاً ورجالاً يحملون السلاح.
رأيت الشيطان يضرب بمطرقة لا تشبه مطرقة العدل ورأيت الملائكة تتهاوى على الأرض، وكان الشيطان يفتح أبواب جهنمه ليدخل اليه عنوةً من لا مكان له هناك.
اقتربت وبجرأة سألت الشيطان ماذا فعل بارضي المقدسة، نظر الي وابتسم بسخرية قائلاً، اي أرض مقدسة تتحدثين عنها، اهي الأرض التي تركتموها لأهل النار، أم الأرض التي قدمتموها لي على طبق من فضة بينما كنتم تتكلمون باسم الرب الذي بقدر ما أعطاكم الحياة زرعتم بنفوسكم وباجسادكم الحقد والكراهية وعندما أردت الدخول الى أنفسكم سمحتم لي حتى من دون مقابل.
انا الأن هنا وطالما أنتم تمثلون الطهارة وتلعبون دور الأنبياء على بعضكم البعض لن أترك هذه الأرض،،
أصرخي ايتها الشابة ما استطعت فلن يسمعك أحد، لقد أعميت بصيرتكم وأقفلت أبواب الحقيقة عن أذنيكم.
وأضاف، ماذا تستطيعين أن تفعلي هنا، لما لا ترحلي الى المكان الذي اتيتي منه..
نظرت اليه والغضب يعتريني وقلت، أنظر الي ايها الشيطان الأسود الذي يخيّم فوق بلادي،
اسمع جيداً انت الذي تسلّطت على أنفسهم، يا من جعلت سفك الدماء محللاً في أرض بلادي الطاهرة،،،
أنا هنا لأوقظ قلوبهم المخدّرة ، لأضع حداً لكرهك لنا، لأرسلك الى المكان الذي تنتمي اليه…
جدودي حفروا الصخر بايديهم ليصنعوا لنا مكاناً على خارطة الكون وأنا ساحفر في الصخر من جديد لأعيد بناء طريق المحبة بين أبناء وطني، سأصرخ بأعلى الصوت وبايمان عظيم حيث لن تستطيع قوى الشر أن تمنعني..
سأتجاوز اي عائق تضعه و انني اقول لك أنه ما دام شعب بلادي يتنفس سيكون لبنان بخير، لا يهم ان قيدتنا أو حتى حاولت قتل الحياة فينا، أتظن بامكانك ابعاد من تربطهم بارضهم جذور بعمق الازل؟
أتظن بامكانك تقييد شعب ارادته من فولاذ؟
لو كان الرب ينوي اعطائك مكاناً على هذه الأرض المقدسة لما وجد لك جهنم منزلا..
أنا هنا لأروي الأرز بدمي ولأجعل الأنهر تتكلم، أنا هنا لأحرّض أحجار أرضي المقدسة لتدافع عن قدسيتها، وسننتصر ونعيد للأرض شرفها الذي أنت اغتصبته.
المواجه اليوم ليست كما كانت في السابق عندما كنت تتحدث الى ضعاف النفوس وتغريهم بمغرياتك البائسة، اليوم ستواجه دماً جديداً وجيلاً جديداً سيدافع عن كرامته بأي ثمن.
قد لأ أستطيع أن أفعل معجزة لكنني ابنة أرض المعجزات.
قد لا يرسل الله لنا انبياء جدد لكنه سيرسل ملائكته لتعيننا في اعمار وطن نستحقه..
انتظر و سترى ما يمكن أن تفعل شابة تريد اعادة بناء الثقة بين أهل الوطن الذي تنتمي اليه وهذا لا يحتاج الى سلاح انما الى قلب ينبض وروح تريد أن تعيش…
**
نشأت أميرة جنين وكبرت وهي بعيدة عن وطنها الأم كالكثيرين أمثالها ممن هجّرت الحرب ذويهم لكن حبها لوطنها كبرمعها وتعلقها باللؤلؤة التي أشار لها والدها عليها أصبحت حلماً أرادت تحقيقه بايمان وبعمل دؤوب وما زالت مناضلة وجندي مجهول من بلاد الاغتراب مسلّحة بالايمان وبالثقافة وبالصبر لتحقيق حلمها… العودة الى لؤلؤة الشرق، الى بيروت، الى لبنان…
0 comments:
إرسال تعليق