المتابع لسياسة حكومة حماس وتوجهها منذ وقت طويل يلاحظ أنها أعفت إسرائيل من أية مسؤولية تجاه غزة المحتلة والمحاصرة من قبل إسرائيل، ومحكومة بالحديد والنار من قبل حماس.. فيما توجه الضغط المستمر باتجاه الشقيقة مصر، وكأنها هي المسئولة عن كوارث غزة وحصارها.. بينما مصر قبل الأخوان مشكورة ـ حكومة وشعبا ـ قدمت الكثير وما زالت.. متحملة أعباء وأخطارا كثيرة ما لا يمكن أن تتحمله أية دولة أخرى، ويكفي أنها غضت الطرف عن أنفاق التهريب من غزة وإليها، وتحملت جراء ذلك الكثير.. نال في بعض الأحيان من سيادتها وأمنها، ولا ننسى كيف تعاملت مصر مع الزحف الغزي حينما هدمت الحدود مع رفح، وبالمناسبة هدمت هذه الحدود برضا وصمت تام من قبل إسرائيلي إن لم يكن تشجيعا ومشاركة في فتح تلك الحدود، من أجل هدفا في نفس يعقوب !؟ هذا الهدف بات مكشوفا للجميع، وما لم تستطع إسرائيل تحقيقه قبل ستين عاما يمكن تحقيقه في عهد الإخوان من الطرفين المصري والغزي، ممهورا برضا عربي يحمل نفس الفكر والأيديولوجيا التي لا تحمل في طياتها برامجا ومشاريعا وطنية تخدم المواطن العربي قبل الفلسطيني..
أين مشروع المقاومة الذي تغنت به حركة حماس طويلا ؛ فها هي إسرائيل تطال أي هدف في غزة دون أي رد من قبل حماس، بل وراحت الأخيرة تعتقل وتحاسب كل من يقترب من الحدود الإسرائيلية، وصارت صواريخ المقاومة عمل غير وطني..؟ وهزائمنا صارت انتصارات ربانية.. وباتت غزة أرض محررة في أيدي حركة حماس الأبية !! وهاهي حكومة حماس في غزة تسعى إلى إعلانها منطقة محررة؟؟ تمهيدا لتحويلها إلى دويلة أو إمارة ملحقة لخلافة الدكتور محمد مرسي أو محمد بديع!! أو بداية لمشروع الخلافة الذي يسعى بعض من قيادة حماس لتطبيقه لو على مدينة غزة لوحدها.. حيث صرح أحدهم عشية تفويز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة المصرية، حيث أعلن أن المجلس التشريعي في غزة سيكون مجلس شورى لدولة الخلافة.. على كل حال، مع كل تلك البالونات والفقاقيع، لم يقل لنا أي منهم ما هو مصير باقي الأراضي الفلسطينية؟ ما هو مصير الدولة الفلسطينية؟ ما هو مصير الانقسام والمصالحة الفلسطينية التي باتت تؤرق مضاجع الجميع ـ دون قيادة حماس..؟ كل هذه المشاريع لم تزعج، ولم تقلق أحد في الجانب الإسرائيلي، لا بل يمكن لإسرائيل أن تصفق وترقص إذا ما تم ذلك.. فكل من يتابع الهدوء والاطمئنان الذي ينعم به الشارع الإسرائيلي منذ الانقسام وسيطرة حماس على غزة يؤكد أن إسرائيل ليس لديها مانع من التخلص من غزة بأي شكل من الأشكال؛ فكم مرة عرضت إسرائيل دولة غزة مقابل التخلي عن باقي فلسطين ؟؟ منذ عام 1955 عرض مشروع أو خطة (جونستن) لتوطين اللاجئين في سينا وفشل هذا المشروع، عام 1997 عرض مناحم بيغن دولة غزة على أنور السادات فرفض.. في عام 1999 عرض رابين دولة غزة على أبو عمار فرفض، وبعدها عرضها شمعون بيرس فرفضت.. لعل إسرائيل سعت وتسعى إلى تنفيذ هذا المخطط بشكل جدي، والمؤشرات والدلائل عند الأطراف الثلاثة (مصر الإخوانية وحكومة غزة الحمساوية وإسرائيل اليمينية) صارت أقرب من أي وقت مضى للتطبيق الفعلي..!
كما أشرنا سابقا أن حركة حماس التي تحكم غزة أصبحت الحامي الأول لحدود إسرائيل، وأعفت إسرائيل من أية مسئولية تجاه غزة، انتهى مشروع المصالحة الفلسطينية، مما منح إسرائيل فرصة لتنفيذ مخططات جديدة لتهويد وشرذمة أراضي الضفة الفلسطينية لزيادة الضغط على الحكومة الشرعية الفلسطينية وإلهائها عما يدور في غزة. منذ وقت بدأت السلطات المصرية بمنح الجنسية المصرية لكل الفلسطينيين من أمهات مصريات، وهذا يعني أن أعدادا كبيرة من الغزيين والفلسطينيين سوف يحصلون على الجنسية المصرية، وبالتالي سيتمتعون بكامل الحقوق التي يتمتع بها المواطن المصري، مما سيعمل على زعزعة الانتماء الفلسطيني لكل هؤلاء، ولو افترضنا أن الجيش الإسرائيلي سيجتاح غزة تحت أي مبرر إن لم يكن قد خطط لذلك مسبقا؛ فإنه سيتعامل مع هؤلاء بترحيلهم إلى مصر فورا، هذا إن لم يقوموا هؤلاء باستباق ذلك بأنفسهم.. أيديولوجيا الاستهلاك للمواطن الغزي تحولت إلى مصرية تماما مما سيسهل على هؤلاء التعايش مع مصر بسهولة كبيرة، إضافة إلى ارتباط السوق الغزي بالسوق المصري، وفي هذا المجال أوضح لنا عدد من التجار الغزيين الذين يتعاملون مع الجانب الإسرائيلي، ومن خلال لقائهم بمسئولين إسرائيليين تسهيلا لمهامهم في معبر بيت حانون، أن المسئولين الإسرائيليين أشاروا عليهم بتمرير بضائعهم من الجانب المصري من فوق الأرض وليس من أنفاق التهريب؟! من هنا نستطيع أن نجزم بأن الجانب الإسرائيلي قد سعى مبكرا لإلحاق غزة اقتصاديا وسياسيا بالجانب المصري، وبالتالي لم يطالبه المجتمع الدولي والأمم المتحد بتحمل مسئولياته تجاه غزة المحتلة؟! إلى حد صار فيه المجتمع الدولي ومجموعات التضامن توجيه اللوم للحكومة المصرية لمساهمتها في الحصار مما دفع بالرئيس المصري السابق أن يعلن بأن "مصر لن تترك غزة لتجوع" وقامت في حينها بتزويد غزة بالكهرباء المصرية ولو بشكل محدود..
قام الكثير من أصحاب الأموال الغزية ومعظمهم ينتمون لحركة حماس إن لم تكن أموالهم هي أموال لحماس نفسها بشراء مساحات شاسعة من الأراضي المصرية ما بين رفح والعريش من الساحل وباتجاه الجنوب الشرقي، ولعل بعض الناس الذين تعودوا على زيارة مصر باتوا يعرفون تقسيمات تلك الأراضي ويسمونها بأسماء أصحابها الحمساويين . ومن الطبيعي أن تصبح تلك الممتلكات أمرا واقعا بإلحاق هذه الأراضي لدولة غزة الكبرى، وإما بتهجير ملاك هذه الأراضي إلى مصر. وفي كلا الحالتين تكون إسرائيل قد تحكمت بالتوزيع الديموغرافي لغزة التي سيصبح سكانها عام 2014 أكثر من مليوني ونصف نسمة، وبدلا من أن تنفجر غزة الديموغرافية باتجاه إسرائيل تكون قد تدفقت بنعومة إلى سيناء حلم إسرائيل القديم. المرشد الحالي للإخوان (محمد بديع) قال لإسماعيل هنيه في أثناء زيارته الأخيرة لمصر: " أوعدك بمنح أعضاء حركة حماس الجنسية المصرية ليكون لهم بذلك نفوذ وأولوية في التوطين داخل سيناء.." (صحيفة روزا ليوسف) 30/7/2012ص1 . بماذا نفسر هذا الوعد من قبل المرشد الذي يمثل خليفة المسلمين على الأقل عند الإخوان؟! كيف نفسر ذلك.. وهو ما تريده إسرائيل وتتمناه منذ زمن طويل..؟! بالطبع سوف تنفي المؤسسة الإعلامية للإخوان ذلك الحديث، كما نفوا رسالة الشكر لشمعون بيرس من قبل رئيس مصر الجديد.. إلا أن الإعلام الإسرائيلي نشر الرسالة... حتى لو لم يكن ذلك الوعد من قبل المرشد، ماذا نسمي ما يجري على الأرض من حقائق؟؟
الأسبوع المنصرم أطلقت من غزة عدة صواريخ باتجاه إسرائيل، إلا أن الجانب الإسرائيلي لم يقم بالرد.. مما أثار كثيرا من التساؤلات في الشارع الغزي..؟ وبالمناسبة إسرائيل في إعلامها الموجه للجمهور الإسرائيلي لا تسميها صواريخ، بل تطلق عليها اسم (قذائف) ـ ماذا نجيب على أسئلة الشارع الغزي؟؟ هل إسرائيل باتت على وشك اجتياح غزة لتنفيذ الترحيل لما يقارب المليون من سكانها إلى سيناء لأن ذلك صار أسهل من أي وقت مضى؟ خصوصا أن الشارع العربي مشغولا بالربيع الإخواني؟ أم أنها لا تريد تعكير الأجواء على حكومة حماس لإتاحة الفرصة لها بتنفيذ مخططاتها التي تخدم أولا وأخيرا الحلم الصهيوني، كما خدمتها بتنفيذ مخططاتها في ظل الانقسام والتشرذم في الشارع الفلسطيني؟ وكما خدمتها حركة الإخوان في مصر إبان حرب فلسطين عام 1948 عندما فجرت محلات وكنس اليهود في مصر، مما دفع اليهود المصريين بالهجرة إلى فلسطين، تماما مثلما أراد بن غوريون في حينه دون مقابل، حيث كتب في مذكراته بأنه أرسل مجموعات من الفدائيين اليهود إلى العراق ليضعوا المتفجرات في كنس بغداد كي يقوم اليهود بالهجرة إلى فلسطين.. وأكد ذلك عدد من العسكريين العراقيين والمؤرخين بوجود منظمات إرهابية في مدارس اليهود في بغداد كانت تعمل مع الصهيونية..
بعد هذا التأكيد التاريخي والحالي لتوجه الإخوان المسلمين وسياستهم، سواء كانت عن جهل وحسن نية، أم كانت مشبوهة وبالتخطيط مع جهات معادية للشعب الفلسطيني والأمة العربية.. أليس حريا بعناصر الإخوان الشرفاء العمل من أجل تغيير سياستهم الكارثية، والتخلص من شوائب التجربة، والتخلص من الإيمان المطلق بالمرشد وسلطة الشورى؟؟ أليس حريا بالكتاب والمفكرين جلي هذه الظاهرة وتعريتها ؟؟ أليس حريا بالشعب الفلسطيني والأمة العربية برفض هذه الفئة ونبذها من العمل السياسي والوطني؟؟ إن لم نسارع بإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية والرئاسية فسوف يتحقق الحلم الصهيوني بالسيطرة على كامل فلسطين وغزة المحررة هدية مجانية للمشروع الصهيوني ؟!
0 comments:
إرسال تعليق