هذا "الكلبُ"/ أنطوني ولسن


 نحن أسرة ليست لديها هواية تربية الحيوانات الأليفة في المنزل والتي منها " الكلاب والقطط " وغيرها .
في مصر أحضر المرحوم شقيقي صدقي ذات يوم " كلب " صغير كان قد إشتراه وتعهد برعايته فرحنا به كلعبة وكان صدقي يأخذه ويمشي به في شوارع الحي فرحا بتدريبه على سماع الكلمة والسير إلى جواره .
ذات يوم خرج صدقي كالعادة لتمشية " الكلب " ، وإذ به يفاجأ بمجموعة "  كلاب " تهجم عليه وعلى " الكلب " بتاعه ودارت معركة بينه وبينهم إنتصر عليهم وجعلهم يفرون هربا لكن بعد أن أصابته بعد الجراح و" عضة " أسالت الدم منه . مما إضطرنا الذهاب بصدقي إلى المستشفى للعلاج خوفا من أن يكون " الكلب " سعرانا . بالفعل تم علاجه بواحد وعشرين حقنة في بطنه ، من يومها لم يدخل بيتنا في القاهرة أيا من أنواع " الكلاب " الكبيرة أة الصغيرة . لكن المرحوم صدقي في لوس أنجلو عاد إلى هوايته وأقتنى " كلابا " ذات أسماء لها وزنها بين " الكلاب " .
أما عن نفسي وعائلتي في أستراليا " سيدني " فلم نفكر في إقتناء أي من أنواع الحيوانات الأليفة ، لأننا كنا نستأجر " شقة " وممنوع إقتباء " الكلاب " في الشقق لراحة الجيران .
تنقلنا من حي إلى حي ، ومن شقة إلى شقة إلى أن أكرمنا الله واستطعنا تدبير مقدم شراء منزل لنا  له حديقة كبيرة بها شجرة توت ضخمة  وشجرة ليمون كبيرة .
شمرت زوجتي عن ساعديها وبدأت تجمع بذور الملوخية والطماطم والجرجير والقصب وهات يا زراعة . مدنا صديق بأشجار الفاكهة مثل الرومان والتفاح والبرقوق . على الرغم أنها كانت تعمل إلا أنها كانت تهتم بزراعتها كهواية . والحمد لله حاجة تلهيها عني .
في يوم فوجئنا بأبننا بعد إنتهاء اليوم الدراسي حاملا بين كفيه " كلبة " صغيرة فرحا بها وقد أهداه له زميل أسترالي معه بالمدرسة .
في زهو أخذ يحدثنا عن سلالة " الكلبة " العريقة ، فهي خليط بين نوع من الكلاب معروف وله
شهرته إسمه " دلميشن " و " كوللي "

النوع الأول هو نوع " الكلاب المنقطة " وهو يستخدم مع الشرطة ، والنوع الأخر هو نوع  الكلبة لاسي " المشهورة . وقد تمت تسميتها بأسم " كيللي " وتم تسجيلها بأسمنا وكله تمام .
أصبحت " كيللي " فردا من أفراد العائلة إذا مرضت " ولم يحدث إلا في حادث سأتحدث عنه لاحقا " . لها مواقف جميلة مثلا .. عندي ذهابي أو ذهاب الأولاد وزوجتي إلى العمل والمدرسة كانت تسير معنا إلى محطة القطار أو الأتوبيس وتتأكد أننا بالفعل ركبنا نودعها فتعود أدراجها إلى المنزل وتبقى أمامه في الحديقة الأمامية لحين وصولنا .
ذات يوم كانت تلعب في حديقة حكومية خلف أسوار منزلنا والمنازل المجاورة ولمحت زوجتي وإبنتي في الناحية الأخرى من الشارع فجرت إليهما عابرة الطريق دون الأنتباه لسيارة نصف نقل كانت قادمة فدهستها . وقف سائق السيارة ونزل متجها إلى حيث ترقد كيللي وجرت إليها زوجتي وإبنتي وكانت الدموع تنزل من مقلتيهما غزيرة ومن عيون " الكلبة " كيللي أيضا .شهامة السائق جعلته يتصرف بسرعة بنقلها إلى سيارته وطلب من زوجتي وإبنتي الركوب معه وبسرعة إنطلق إلى مستشفى للحيوان ولحسن الحظ لم تكن بعيدة عن مكان الحادث . بقيت حوالي 10 أيام تم علاجها وأصر السائق على دفع كافة المصاريف التي قد تكون قد تعدت الألف دولار .
عاشت معنا كيللي كحارس أمين للبيت وراعي لنا يصاحبنا عند الخروج في الصباح وينتظرنا عند مدخل البيت بعد عودة كل منا من العمل أو المدارس .
كبر الأولاد وتزوج جميعهم وشعرنا زوجتي وأنا أن المنزل أصبح كبير علينا فقررنا البيع وشراء شقة صغيرة ولم يشغل بالنا غير كيللي أين ستكون ومع من تعيش ؟ عرضنا أمرها على زوج إبنتي الكبرى ، فرحب على الرغم أن عنده " كلبة " أخرى لكنه يحب كيللي . رعاها الرجل كأحسن ما تكون الرعاية إلى أن كبرت في السن وماتت فحزن الجميع عليها .
لم نحتمل السكنى في شقة وكانت أسعار البيوت في طريقها إلى الأرتفاع . أسرعنا الخطى وبعنا الشقة وإضطرتنا الظروف شراء بيت بعيد فلم نحتمل . تركنا البيت وعرضناه للبيع وأجرنا شقة قريبة من عمل زوجتي . تم بيع البيت وإشترينا فيلا وأهدانا أصدقاء " كلبا " من نوع مولتيزترّيَ
صغير في الحجم لكنه جميل الشكل هادي الطبع قوي الحراسة وأطلقنا عليه إسم سيزر .
بقي معنا سيزر لمدة قاربت العشر سنوات وكان إبني عنده " كلبة " من نوع يسمى بوم اراىيان عندما تنظر إليها تراها و كأنها " ليدي " سيدة أنيقة إن كان في الشكل أو الحركة والمشي أطلقت عليها زوجة إبني كيمبي . الجميل فيها إلى جوار شكلها العام ومشيتها ، كان ترحيبها بنا عندما نذهب لزيارة إبننا أو عندما تأتي عندنا وتلتقي بسيزر .
ماتت كيمبي منذ مايقرب من سنتين . ومات سيزر منذ ما يقرب من خمسة أشهر بمرض القلب على الرغم من علاجه الذي إستمر لأكثر من سنتين .
قررنا زوجتي وأنا عدم لا شراء ولا قبول  أي نوع من " الكلاب " لأننا لم نعد قادرين على رعايتهم . على الرغم من رغبة حفيدي شراء " كلبا " من نوع " جيرمن شيبرد " . " كلب " قوي يحتاج إلى رعاية خاصة جدا وحركة وخروج به ولا أحد منا يستطيع أن يقوم برعايته على الرغم أن حفيدي وعد برعايته . لكن كيف سيفعل ذلك وهوطالب في السنوات النهائية للثانوية العامة ، ولاعب في فريق سانت جورج للرجبي وهي لعبة قائمة على قوة الجسم والحركة .
إنتهى الأمر وبالفعل لم نشتري " كلبا " مرة أخرى .
من المؤكد أنكم ستسألون أين حديثي عن " هذا الكلب " الذي عنونت به مقالي ؟
الساءل له الحق كل الحق في سؤاله .. سأجيبكم عن هذا " الكلب " ..
منذ شهر مضى طلبت منا حماة حفيدتي إن كنا نستطيع أن نرعى " بوتشي " وهو من نوع مولتيز شيزوو لمدة شهر لسفرالعائلة إلى مالطة لمرض والدة زوجها وهي في حالة خطيرة .
لم يكن أمامنا سوى القبول .
أحضروه ومعه الطعام الذي لا يأكل غيره ، مع فرشته التي ينام عليها وأطباقه الخاصة به للأكل أو للشرب . إلى هنا وكل شيء أوكي .
لاحظنا أنه لا يدخل داخل المنزل مهما كان الباب مفتوحا . كذلك أنه لا ينبح على الفاضية والمليانة . هادي الطبع حبوب .فرحنا لعدم إقلاقنا بالليل بنباح أو محاولت الدخول داخل المنزل .
ذات ليلة سمعناه ينبح نباحا عاليا ومتواصلا . حاولنا إسكاته من الداخل بشتى الطرق وبالصوت العالي الآمر . لكنه لم يسكت وإستمر في نباحه .
إضطرت زوجتي أن تخرج لتعرف سبب نباحه هذا .
في " الباك يارد " لا شيء غير عادي يدعو إلى نباحه .
توجهت إلى حيث ينام داخل الجراج وهو يتبعها ويحوم حول مكان نومه . شد إنتباهها أن فرشته الخاصة به والتي ينام فوقها ليست موجودة . تذكرت أنها أزاحتها من مكانه لتنظيف المكان ولم تضعها مكانها مرة أخرى . أحضرتها له ، نظر إليها وأخذ يهز ذيله فرحا ونام قرير العين .
مرة أخرى فعل ما فعل من قبل .. نباح مستمر وعالٍ .. خرجت زوجتي فوجدت مياه أمام باب الجراج كثيرة ويبدو أنه لم يرغب في الخوض فيها ويبلل نفسه . قامت بإزاحة المياه وربتت على ظهره . ذهب إلى فرشته ونام .
هذا هو " الكلب بوتشي " صغير الحجم لا يعرف الكلام ولم يتعلم في مدارس أو جامعات ولم يدرس تاريخ " الكلاب " حتى نقول أنه قلدهم وطالب بحقه ولم يقرأ بيت الشعر هذا :
** إذا الشعب يوما أراد الحياة..
فلا بد أن يستجيب القدر ..
ولا تعلم وعرف هذا القول المأثور :
** لا يضيع حق وراءه مطالب ..
ولم يسمع أم كلثوم وهي تشدو بصوته ملعلعةً قائلةً :
** وما نيل المطالب بالتمني ..
لكن تؤخذ الدنيا غلابَ ..
هذا هو " الكلب " الذي جعلني أكتب عنه وعن " كلاب " عاشت معنا كل كانت له طباعه الخاصة به ، وإحترامه لنفسه ، وإصراره على حقه المسلوب .
فهل سنجد من يفهم من الآدميين ويعيّ الدرس ؟؟؟!!!... 

CONVERSATION

0 comments: