..... في ندوة نظمتها يوم الخميس الماضي 2/8/2012 دائرة شؤون القدس بالتعاون مع جامعة القدس،تحدث ابو العلاء قريع مسؤول دائرة شؤون القدس في منظمة التحرير الفلسطينية عن مسألة تثبيت الوجود الوطني في القدس كمعركة إستراتيجية،والمستمع لما طرحه ابو علاء وعضوي اللجنة التنفيذية عبد الرحيم ملوح وواصل ابو يوسف يطرب للكلام والشعارات المرفوعة،ولكنه يعزي نفسه بالقول بأن "الحكي" لا يوجد عليه جمرك،وأن أول من يتحمل المسؤولية عن خسارة معركة القدس ليس السلطة الفلسطينية بل اللجنة التنفيذية التي من المفترض ان تكون المسؤول الأول عن مدينة القدس،والمسألة يا أخي ابو علاء لم تعد تحتمل لا المزيد من الندوات ولا المحاضرات ولا التقارير ولا البيانات ولا المقابلات الصحفية،فاليوم أصغر طفل مقدسي،يشخص احتياجات وهموم المدينة،حتى أننا من كثرة الندوات والمؤتمرات المتمسح معظمها بالقدس،أصبحنا خبراء في الوضع المقدسي،ونحن قلنا لعل قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في 31/12/2011،بتوحيد المرجعيات والعناوين المقدسية من خلال دائرة شؤون القدس،سيشكل بارقة أمل للمقدسيين،ولكن لم يحدث أي تغير جدي على الأرض،ولم تتوحد المرجعيات والعناوين،بل هي تفرخ المزيد،وكذلك لم يلمس المقدسيين أن هناك جهود جادة وصادقة من أجل تغير التعامل من قبل السلطة والمنظمة في قضية القدس،وبقي الدعم الموعود للمقدسيين في إطار الشعارات والتمني،فالعدو يتقدم بسرعة جنونية على طريق أسرلة وتهويد المقدسيين،وينفذ بحقهم سياسة تطهير عرقي،بحيث تجعل من وجودهم في القدس مجرد كانتونات معزولة في محيط إسرائيلي واسع،ونحن ننتظر فرجاً من السماء أو الأمتين العربية والإسلامية،والتي هي الأخرى مقصرة بحق القدس،ولكن هناك سبب آخر لشحة وقلة الدعم العربي والإسلامي،ألا وهو حالة فقدان للثقة بالسلطة والمرجعيات القائمة،واتهامات للفلسطينيين بالفساد والسرقة وإهدار للمال العام،ناهيك عن أن هناك دولاً عربية وإسلامية بحاجة إلى تصريح وقرار من أولى الأمر فيما يخص دعم الفلسطينيين وبالذات المقدسيين منهم.
ونحن يا ابا العلاء القدس عاصمتنا الأبدية مجرد حبر على ورق وشعار مرفوع ومعلق في الهواء،ونريد لها أن تكون عاصمتنا الأبدية بالتمني والوعود والبلاغة والإنشاء،فالآن وهو الأخطر الاحتلال يتقدم على جبهة احتلال الوعي المقدسي الفلسطيني،من خلال محاولة السيطرة ليس فقط على المنهاج المدرس في المدارس العربية في القدس،بل السيطرة والتحكم في كل مخرجات العملية التعليمية،فالاحتلال الذي ضخ ويضخ بلا حدود مالاً مشروطاً الى أكثر من أربعين مدرسة خاصة وأهلية قدره أكثر من مئة مليون شيكل سنوياً،لم يقدمه كما يحاول البعض أنه حق من حقوقنا ويجب ان "ننتزعه" منهم،بل هو قدمه لهذه المدارس وهو يعرف الهدف منه،فالمسألة لم تعد قصراً على تطبيق منهاج تعليمي فلسطيني مشوه ومحرف،بل هي تمتد شيئاً فشيئاً،حيث سيجري هذا العام التدخل في الإقساط التي تجبيها المدارس الخاصة والأهلية من الطلبة،ونحن أقصى ما نستطيع عمله بعد كل الضغوط الشعبية على المستوى الرسمي،هو أن نعتمد مؤخراً قراراً بتوزيع الكتب المدرسية مجاناً على طلبة القدس،ولا نستطيع صياغة أي خطة عملية تحرر تلك المدارس من المال المشروط، وكيف ستثق إدارات المدارس بالسلطة؟؟،فيما لو تخلت عن هذا المال المشروط،والسلطة تتلكأ طويلاً في دفع أجرة بناية مدرسية،والمسألة ليست بالمعقدة أو التي تحتاج إلى إبداع خاص،ودون انتظار للفرج من السماء أو العرب والمسلمين،فأنا أذكر أنه كان هناك قراراً حول وضع مبلغ رمزي على كل فاتورة من فواتير المستهلكين لشركة الكهرباء من أجل إنارة الريف ولم يحتج عليه أحد،وقرار من هذا النوع بفرض مبالغ رمزية على فواتير جوال او الوطنية أو شركة الكهرباء وغيرها،كفيل بتحرير المدارس الخاصة والأهلية من المال المشروط المقدم لها من قبل بلدية الاحتلال ودائرة معارفها،المهم يا أبا العلاء توفر الإرادة السياسية الغائبة أو المغيبة قسراً.
ان من يقع عليه الاختيار ينتخب او يعين من أجل حمل ملف هام وجوهري مثل ملف مدينة القدس،يجب أن يقدم له الدعم والمساندة،وأن توضع تحت تصرفه الميزانيات الكافية التي تمكنه من العمل والانجاز،وليس القول له اذهب أنت وربك فقاتلا،وليت الأمر يقف عند هذا الحد فهناك الكثيرون من يضعون له العقبات والعصي في الدولاب ويراهنون على فشله وليس دعمه والتعاون معه من اجل النجاح والانجاز.
ففي القدس بالتحديد يا أبا العلاء،لا يمكن تثبيت الوجود الوطني الفلسطيني فيها وتعزيزه،بدون توفير متطلبات هذا الوجود،وفي المقدمة من ذلك إرادة سياسية وقرار وعقل قيادي مبدع،يضاف إلى ذلك المال،ففي القدس التي يضخ وتصرف فيها الحكومة الإسرائيلية وجمعياتها الاستيطانية المليارات من أجل أسرلتها وتهويدها،لا تنفع ولا تغني ولا تسمن من جوع بضعة ملايين من الشواقل من أن تجعلها عاصمتنا الأبدية،ولا ينفع كذلك أن تعمل الجهات الرسمية بمرجعياتها المختلفة من أجل إضعاف الحركة الوطنية في القدس لصالح عناوين ومرجعيات وأجندات أخرى.
يوماً بعد يوم تزداد حالة فقدان الثقة والإحباط واليأس والاغتراب بين المقدسيين تجاه عناوينهم الرسمية سلطة ومنظمة تحرير،ويزداد شعورهم بأنه تم التخلي عنهم،وهم ليسوا أكثر من يافطة أو شعار يرفع أو وقود وحطب يحرق في سبيل خدمة مصالح وأهداف وأجندات لا تعزز لا من وجودهم ولا من صمودهم،ولسان حالهم يقول "نسمع طحناً ولا نرى طحيناً"،وعلينا أن لا نستمر كالنعام،ندفن رؤوسنا في الرمال،ونحن عراة ومكشوفين،نستمر في اجترار وترديد نفس "الجعجعات" والديباجات والخطب والشعارات الرنانة،فالقدس تضيع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى،فالاحتلال يهتك ويفكك ويدمر نسيجها الاجتماعي،وينشر بين فئات شبابها الأمراض الاجتماعية من مخدرات وجنس وجهل وتخلف وضحالة فكرية وثقافية وتفريغ من الانتماء وإخراج من دائرة الفعل والعمل الوطني المقاوم،والأرض تقضم يوما بعد يوم والاستيطان لم يبقي أرضا للمقدسيين،وعمليات طردهم وترحيلهم تجري على قدم وساق،والأقصى والسيطرة عليه دخلت حيز الفعل والتنفيذ والمسألة مسألة وقت ليس أكثر.
نحن يا أبو العلاء ما زلنا نقتتل على جنس الملائكة ذكر أو انثى،وهم يوصلون الليل بالنهار من أجل إكمال سيطرتهم على المدينة،ومن ثم نندب وبكي ونقول ضاعت المدينة،وكأن مسؤولية ضياعها لا نتحملها نحن والعرب والمسلمين.
0 comments:
إرسال تعليق