عملية سيناء ووضع النقاط على الحروف/ مأمون شحادة

ليس غريباً أن تنتقل الحالة اليمنية مروراً بجبالها الوعرة لترسو على الحدود المصرية في ظاهرة متشابهة من حيث فحوى ومضمون التوجه السلفي.
اعتقد الجميع أن اليمن السعيد سيكون سعيداً بعد رحيل علي عبد الله صالح وحاشيته، إلا أن الحالة اليمنية بمضمون حراكها الشعبي وصولاً للانتخابات الرئاسية لم تستطع الخروج من عنق الزجاجة، حتى عادت لغة المد والجزر من جديد وبطريقة دموية انتهجتها الحركات السلفية المتطرفة في ضرب المنشآت والرموز الوطنية والجيش، لتدخل البلاد في دوامة شائكة ومعقدة.
والحالة المصرية هي الأخرى شهدت حراكاً شعبياً أهلها لخوض معترك الانتخابات بنجاح، إلا أن منطقة التوتر- في إشارة إلى سيناء- تضع تساؤلات أمام القيادة المصرية، هل: استقرار مصر مرتبط باستقرار سيناء؟
الناظر إلى تلك البقعة بسرياليتها السلفية يجد أنها مرتع للحركات السلفية وأخطرها تطرفاً: جماعة التكفير والهجرة، منظمة الرايات السوداء، منظمة السلفية الجهادية، منظمة أنصار الجهاد، منظمة مجلس شورى المجاهدين.
إذن، أمام هذه السريالية المعقدة يجب على القيادة المصرية ألا تكون متسرعة في ردها على العملية الأخيرة التي راح ضحيتها 16 جندياً مصرياً، لأن جعبة الأحداث تحمل مؤشرات لن تكون في صالح الأمن القومي المصري الداخلي، بل يجب اتباع سياسة الاحتواء بعيداً عن الإقصاء، لأن الأخير سيفتح أبواباً لا نريدها أن تفتح.
وكذلك ما يجب على القيادة المصرية معرفته هو أن الحركات السلفية الجهادية تزداد تطرفاً كلما اتسعت دائرة الإقصاء تجاهها، وهذا ما لا نريده، لكيلا تكون المعادلة كالذي يستظل بالغيوم.
هذا على الجانب الداخلي، أما على الجانب الخارجي، فليس من الحكمة أن تطلق التصريحات جزافاً هنا وهناك، ولنتذكر العملية المدبرة التي استهدفت كنيسة "القديسين" بالإسكندرية إبان الأيام الأخيرة لحكم حسني مبارك، حيث كانت مؤشراتها التلفيقية والمصطنعة بـ"عقلية الحبيب العادلي" تتجه نحو الفلسطينيين.
هنا نتذكر ما قاله الجنرال الأميركي جورج كووك في مذكراته "إن أغلب القلق والانفعال والهواجس سببها الخيال الواسع والافتقاد لمعرفة الحقيقة ودراستها"، وكذلك يقول يوت ناركينجتون: "إن في مقدوري أن أتحمل كل مصائب الدنيا إلا أن أكون أعمى".
الفترة الحالية صعبة للغاية، ومن يقلل من شأنها فهو واهم، ومن يستبعد تورط الأصابع الإسرائيلية هو الآخر كذلك، لذلك علينا دراسة العقلية الإسرائيلية التي تحوي مؤشرات مسمومة ومرتبطة بحدودها الإقليمية، فهل تسعى الحكومة الإسرائيلية من وراء ذلك إلى تجديد اتفاقية كامب ديفيد ببنود تلائم المرحلة الجديدة، أم أنها تريد إغراق مصر في دوامة تنسف أحلامها التنموية؟ ولكن على ما يبدو فإن إسرائيل تحاول دس السم في عملية تنمية وإنتاج العسل.
اللافت أننا نعاني من مرض "قصر الذاكرة "، ونتعمد نسيان الرعاية والدعم المالي الذي كانت تقدمه الحكومة الأميركية للمجاهدين العرب "السلفيين" إبان احتلال السوفييت لأفغانستان، لمحاربة الدب الروسي بالإنابة، ما يحتم علينا التساؤل: من يمول تلك الجماعات السلفية؟ ومن هو العدو الجذري.. "أميركا وإسرائيل" أم حركات التطرف السلفية؟
إذن، لا بد من دق ناقوس العقل والابتعاد عن التسرع والنظرات القصيرة، ولنتذكر ما قاله الكاتب الأميركي ديل كارينجي "الخطأ لا يكمن في جهلنا بالأشياء ولكن في تجاهلنا لها. فإن طحن الدقيق لن يجدي لنا شيئاً".

CONVERSATION

0 comments: