التحريض السياسي .. لعب بالنار/ د. عيدة المطلق قناة


يبدو أن حادثة البلطجة التي أسفرت عن استشهاد أحد الأردنيين وإصابة المئات منهم ما زالت تتفاعل .. فعلى الرغم من ردة الفعل القوية على حادثة دوار الداخلية وسابقاتها .. وما تركته من ندوب وتشوهات على مجمل الصورة الأردنية - التي كانت على الدوام بهية ومتفردة - .. إلا أن ما استتبعها من حوادث جاء أكثر خطورة .. جعلت المشهد الأردني - يدور في فلك من التهديد والتخويف والتشكيك والتخوين والاتهامية..

فسبحان الله فما بين عشية وضحاها تحول المطالبون بالإصلاح من الأردنيين – كما تحول نظراؤهم من العرب ذات ثورة مضادة- إلى شعب بلا عقل ولا إرادة ولا مطالب ولا كرامة.. بل حولته - ذات الأبواق - إلى فلول من العملاء والمندسين والإرهابيين والدخلاء والغرباء ومنفذي الأجندات الخارجية والمدفوعين.. معجم من طبيعته أن يشرعن كل أفانين البلطجة وتكسيير الرؤوس، وتهشيم العظام .. والضرب والتعذيب والتنكيل والاعتقال والتحقيق بل والقتل.. كما يشرعن كل الوسائل والأدوات والأسلحة بدءا من سلاح البلطجة والبلطجية والقناصة.. مروراً بالتحريض والتحشييد .. وما تستدعيه من هراوات وحجارة وبلطات وسكاكين وربما سيوف.. و قنابل مسيلة للدموع .. وربما غازات سامة – كما هو في الحالة اليمنية – بل بكل ما تمتلكه بعض الجيوش من أسلحة الدروع والدبابات والراجمات والصواريخ – كما هو في الحالة الليبية - ..!!

قد يستشعر القارئ بأن هناك ربما مبالغة في الخوف والتوصيف .. إلا أن لهذا التصورما يبرره.

وذلك برغم الغضب الشعبي العارم.. وبرغم ردود الفعل الاستنكارية التي صدرت عن مرجعيات عليا وفي مقدمتهم (جلالة الملك)... إلا أن الأردنيين ما زالوا يتعرضون ليل نهار لحملات من التحشييد والتجييش بل والبلطجة المتكررة .. ففي الأسابيع القليلة الماضية تكرر سحب سلاح البلطجة من غمده أكثر من مرة .. لقد استخدم ضد الشباب الذين اعتصموا عند رئاسة الوزراء.. واستخدم ضد مسيرة الجمعة في الثامن عشر من فبراير /2011 .. ( التي أسفرت عن ثمان إصابات منها كسر يد أحدهم وإصابة آخر بارتجاج في الدماغ) .. ثم جاءت حادثة ميدان " جمال عبد الناصر" يوم الجمعة في الخامس والعشرين من آذار /2011 (التي اسفرت عن وأكثر من مائة مصاب - كاد بعضهم أن يفارق الحياة).. بل تحولت إلى اعتداءات مباشرة – على البيوت والمقرات – وإلى استهداف قوى سياسية وفي مقدمتها "الحركة الإسلامية" ( وما حادثتي اقتحام مقر الأخوان المسلمين في جبل التاج .. واقتحام مقر حزب جبهة العمل الإسلامي في عمان إلا أمثلة) ناهيك عن تهديد لبعض الرموز والشخصيات ( إذ تكرر تهديد الشيخ حمزة منصور أكثر من مرة)!!

فمع التباطؤ الممل في أعمال لجان التحقيق (التي تكاثرت دونما نتائج حتى تاريخه ).. ومع تكرار الحوادث .. وارتفاع وتيرة التحريض والتجييش الإقليمي .. ومع قناعة معظم القوى الإصلاحية بأن الحكومة هي التي شكلت الغطاء السياسي للمعتدين - خاصة الذين اعتدوا على شباب 24 آذار- ، أخذت مصداقية الحكومية في التآكل ..واتسعت فجوة الثقة .. وازدادت المخاوف من محاولات الالتفاف على الإصلاحات الحقيقية ، وعلى المطالب الديمقراطية للشعب.. كما ارتفعت حدة التوتر والاحتقان.. وأخذ الأردنيون يخشون من تقييد دمائهم وكراماتهم ضد مجهول..

فمع تصاعد حالة التحريض والتجييش وأعمال البلطجة ضد القوى المطالبة بالإصلاح .. ومع اتهام الحركة الإسلامية - على سبيل المثال- بوطنيتها وهي التي ترى في " أمن الأردن واستقراره فريضة شرعية" .. ومع ترجمة التحريض إلى ممارسات يعاد إنتاجها في غير مكان وفي غير مناسبة.. بات الأردنيين يخشون من تداعيات هذه الحالة على الأمن الوطني والسلم الأهلي ..

إن الأردنيين يرفضون "البلطجة" بكافة تعبيراتها ( المسلحة والأمنية.. اللفظية و الإعلامية .. السياسية والاقتصادية.. النفسية و الأخلاقية) .. باعتبارها أخطر وأغبى وسيلة من وسائل القمع والإرهاب الفكري .. فضلا عن أنها من أعمال الكراهية !!

وعليه فلا بد من الكف عن تعزيز هذه الظاهرة وتشجيع أدواتها لأنها ظاهرة غريبة على المجتمع الأردني وثقافته .. وما الترويج القائم حاليا لها و حمايتها إلا بلطجة سياسية وأخلاقية ولعب خطير بالنار!!

CONVERSATION

0 comments: