الشرق الأوسط الحديث/ صالح خريسات

إذا شئنا إن نتحدث عن تطورات الأعوام العشرة الأخيرة، التي دخل العرب بها الألفية الثالثة، فإننا لا نجد في واقع الحال، غير التنظيمات المسلحة البائسة، والمنظمات العسكرية والدينية، وديناميات حكم الحزب الواحد، بينما ضاقت دائرة معرفة القارئ والدارس، حول منطقة تتصدر الأحداث والإستراتيجيات، لكنها تظل خاضعة لتقديم غامض، يأسرها في مفهوم متقلب، لا تحكمه سوى قوانينه الخاصة، العجيبة والعنيفة، في أغلب الأحيان.
هناك الكثير من المسائل الجوهرية، ذات المغزى العميق، تحتاج إلى بحث وتحليل وتعليل، وقد يكون الخيار الأفضل، هو التحليل على أساس مقارن، مع أمثلة واسعة من مختلف البلدان. هذا ما فعله روجر أوين في كتابه "صناعة الشرق الأوسط الحديث" الذي صدر في لندن قبل عقدين من الزمن، ولم يحفل به الدارسون في الشرق الأوسط، على الرغم من أهميته وعظمته.
بعض الموضوعات التي يثيرها هذا الكتاب، تتضمن توسع دور العامل العسكري في النظام السياسي، وسياسة البناء الاقتصادي، وسمات الأحزاب السياسية في الشرق الأوسط، والمحاولات المتعددة لتعريف أو إعادة تعريف الممارسة الديمقراطية، والعلاقة المتبدلة بين الدين والسياسة في عدد من البلدان الإسلامية، ويرى أوين أن ما يجمع الشرق الأوسط، أن غالبية السكان من العرب والمسلمين، الذين عاشوا إلى عهد قريب، على الأقل، في الصحراء، ذلك أيضا معيار تفسير تسعة أعشار الأحداث، وردود الفعل التي تشهدها المنطقة بين حين وآخر، هذه النظرة تمتزج بعد ذلك مع نظرة ثانية، لا تقل قصوراً عن الأولى، مفادها أن الشرق ثابت لا يتغير، والأشياء باقية على حالها في المستوى القبلي، ورغبة البشر في تصفية بعضهم البعض، باسم الدين، أو الطائفة، أو الحزب.
التحليل الأفضل في رأي أوين ينبغي أن يبدأ من منظور يرى الشرق الأوسط، جزء من العالم الثالث، أو العالم غير الأوروبي، وأنه يخضع لمعظم السيرورات التاريخية الكونية المماثلة. هذه مقارنة تتيح إخضاع الشرق الأوسط للمقارنة العالمية، بما ينطوي عليه ذلك من اعتماد أوسع على المعطيات الاقتصادية والسياسية، كما توحي بعدد من الموضوعات الهامة الجديرة بالدراسة المتأنية, مثل نظام الحزب الواحد أو إدخال أنماط مختلفة من الديمقراطية الميسرة، وهي مقارنة تبتعد عن فكرة المنطقة بوصفها نمطاً خاصاً له شكله الاجتماعي المتميز, وسلوكه السياسي، وتعبيراته الثقافية التي لا تشبه سواها. كما أنها المنهج الذي لا غنى عنه لتصحيح ذلك النوع من التأويلات، التي تنهض على استثنائية الشرق الأوسط وفرادته، لكي تستخلص أن الإسلام بحد ذاته هو الذي يشجع ميول الحكم العسكري، في حين أن العسكري الطامح إلى السلطة في المنطقة، هو في الواقع جزء من ظاهرة عامة تسود العالم الثالث بأسره، ولا ينفرد بها الشرق الأوسط.

CONVERSATION

0 comments: