أذلك ممكن عندنا أم مستحيل؟/ صالح الطائي


نقلت وسائل الإعلام الدولية نبأ استقالة النائب الاندونيسي"اريفينتو" عن حزب العدالة والرفاه (حزب ديني محافظ) بعدما ضبط وهو يشاهد صورا إباحية على حاسوبه الخاص الذي كان يضعه تحت طاولته خلال جلسة برلمانية.
وتبعا للأعراف المتداولة في كثير من دول العالم، عقد النائب "اريفينتو" مؤتمرا صحفيا نقله التلفزيون الاندونيسي قال فيه: (إني أقدم استقالتي فورا لما في ذلك مصلحة حزبي وشرفه من دون أن يكون احد أرغمني على الاستقالة. وسأعمل على تحسين نفسي من خلال تلاوة القرآن وطلب النصح من رجال الدين والإحسان إلى الفقراء وأعمال البر) وأكد انه وقع على هذه المشاهد الإباحية صدفة بعدما فتح عن غير قصد رابطا مرفقا بإحدى الرسائل البريدية التي وردته على عنوانه الالكتروني. وهو الأمر الذي تسبب بالفضيحة البرلمانية التي أودت به وأطاحت بكرسيه.
وكنت قد كتبت منذ مدة وجيزة موضوعا بعنوان (لصوص اليابان الشرفاء وشرفاء بلداننا اللصوص) تحدثت فيه عن تقديم وزير خارجية اليابان "سيجي مايهارا" في 5/3/211 استقالته من منصبه بعد أن اقر علانية أمام الناس والصحفيين ووكالات الأنباء، بتلقيه هبة بقيمة 450 أورو [بحدود سبعمائة ألف دينار عراقي فقط] من امرأة كورية جنوبية مولودة في اليابان و تقيم فيه، وتمتلك مطعما في "كيوتو" وهو الأمر المخجل الذي دفعه للاعتذار من الشعب الياباني.
وحتما هناك في العالم عشرات ومئات الحوادث والقصص المشابهة الأخرى، وهي جميعها أطاحت برؤوس المفسدين دونما رحمة أو تسامح، فهل من الممكن أن أكتب غدا عن نائب أو مسؤول عراقي انكشفت مستوراته وفاحت رائحة خياناته وسرقاته ـ مع كثرة قصص الفساد والرشوة والتقصير والخيانة التي نسمعها عن بعضهم، والتي تتحدث عن أرقام خيالية لا تصدق ـ وإنه خرج إلى العلن ليعتذر من العراقيين ويطلب السماح منهم على ما ارتكبته يداه من الإثم، أم أن ذلك مستحيل، وغير معقول ولا قابل للتصديق، وغير محتمل الوقوع؟
إن هذه القصص تثبت أن الفساد مثل الإرهاب لا دين ولا وطن له، وأن ما يحدث في العراق اليوم من سرقات ونهب، ليس بدعا من الفعل، ولا حالة فريدة نختص بها دون غيرنا، وإنْ كنا الأشرس والأقوى في هذا المضمار، حتى نلنا قصب السبق وتربعنا على رأس قائمة الفساد المالي الدولي،ولكنه يثبت أن لما يحدث في العراق خصوصية لا يوجد لها شبيه في العالم كله، وهو الأمر الذي لا يتحقق شعار (دولة القانون) بوجوده واستشرائه مطلقا، ولكن متى ما وصلنا إلى مرحلة يصبح فيها المسؤول العراقي على استعداد للوقوف أمام كاميرات الإعلاميين ليعتذر من الشعب عن تقصيره ـ حتى ولو دون تقديم الأعذار المقنعة عن أسباب ارتكابه لجرائم الفساد ـ حينها فقط ممكن أن نقول أن العراق أصبح دولة قانون، وأنه يسير على الطريق الصحيح، أما أن يتم التستر على المفسدين والدفاع عنهم من قبل أحزابهم وفئاتهم ومرجعياتهم بالشكل الذي نراه، فذلك يعني أن القانون لا زال غريبا في بلدي، ويؤكد أننا بحاجة إلى الجرأة والشجاعة، المدعومتين بالكثير من الإيمان بالله وبالشعب والوطن، والصدق مع أنفسنا ومع مرجعياتنا، والإخلاص لواجباتنا ومسؤولياتنا، أكثر من حاجتنا إلى الاصطفافات الطائفية، أو الحزبية، أو المناطقية، لنثبت أن العراق دولة القانون حقا.

CONVERSATION

0 comments: