الأنتماء والهوية/ أنطوني ولسن


 أستراليا

   الأنتماء والهوية وجهان لعملة واحدة هي الوطن . عندما أنتمي لوطن لابد  أن أحمل هويته . لأنه ليس من المعقول مثلاً أن أنتمي لمصر دون أن أحمل الهوية المصرية . وليس من المعقول أيضاً أن أحمل الهوية المصرية دون أن أنتمي إلى مصر .
   وهذا يسبب لنا نحن المهاجرين قلقاً وعدم إستقرار في بلاد المهجر . لأنني كمصري في أستراليا أصبح إنتمائي مزدوجاً ، وأصبحت أحمل هويتين بدلاً من هوية واحدة . وإذا حدث وتعارضت بعض الأمور بين الهويتين ، أشعر بدون شك بهزة نفسية فكرية مقلقة قد تجعلني أفقد القدرة على الولاء الصادق للوطنين اللذين أنتمي اليهما وأحمل هويتهما ، وتجعل استقراري غير ثابت ومتزن . لأنه يجب أن نفرق بين الهجرة الى بلد ما والأعارة . لأن الهجرة ليس لها سوى معنى واحد هو اختياري لبلد المهجر ليكون وطناً ثانياً ليّ ولعائلتي . أما الأعارة فهي اختياري لبلد الأعارة للذهاب وقبول العمل الذي يعرض عليّ القيام به نظير أجر يحدده العقد المبرم بيني وبين العمل في بلد الأعارة وقد يكون أيضاً محدداً بزمن معين قد يكون قابلاً  للتجديد أو لا ... وليس من المهم ان ترافقني عائلتي في بلد الأعارة .
   لذا تعمل بعض دول المهجر مثل أستراليا على مساعدة المهاجر الجديد على الأستقرار حتى يمكنه بالفعل التفاعل والأنتماء الى الوطن الجديد وقبول الهوية الجديدة عند الحصول على الجنسية الأسترالية . لذا كان على الحكومات المتعاقبة أن تعمل من أجل هذا المهاجر الذي جاء لينتمي الى الوطن الجديد ويفتخر بهويته . أنشأت إذاعة متعددة اللغات وتلفزيوناً للبث بلغات المهاجر الجديد بكل ما يجعله يزداد التصاقاً بوطنه الجديد استراليا مع مواصلة الصلة مع وطنه الأول الذي جاء منه . الي جانب العديد من الخدمات التي تساعده على تفهّم واجباته تجاه الوطن وتشرح له حقوقه المكفولة له .
  النظام العالمي الجديد يريد طمس أهمية الأنتماء والهوية للوطن ، متخذاً من التكنولوجيا الحديثة مطية يصل بها الى تحويل هذا العالم الى قرية صغيرة . قرية منفتحة لا أسرار فيها . يعرف الجميع خفايا بعضهم البعض .
   هذه القرية هي في الحقيقة العالم الجديد التي تريد القوة العظمى أميركا أن تلعب دور الأخ الأكبر الذي يرعى شئون وشجون إخوته الصغار .

   ليتم لأميركا هذا ، كان عليها العمل لأقناع الشعوب قبل الحكام أن الأنتماء للأوطان لا داعي له . مبررين ذلك بأن ننتمي لأسم أكبر وهو القرية العالمية أفضل بكثير من الأنتماء الى بلد اسمه مصر أو لبنان أو العراق ، أو حتى أستراليا . وأن تحمل هوية العالم الجديد ، خير لك من أن تحمل هوية بلدك الذي تنتمي إليه . وليذهب تاريخ وأمجاد هذا البلد أو ذاك الى الجحيم . لأن من يتمسكون بالماضي وأمجاده ، هم فقط العجزة غير القادرين على متابعة التقدم الحضاري والعلمي والتكنولوجي الحديث .
   سياسة الأستعمار في الزمن الماضي كانت تعتمد على سياسة " فرق تسد " ونجحت تلك السياسة نجاحاً عظيماً . وأستطاعت أن تسيطر على البلاد التي استعمرتها بهذا الأسلوب . وخاصة أن شعوب تلك البلاد . شعوب مستعبدة وفقيرة .
   وما أشبه اليوم بالبارحة . شعوبنا مازالت مستعبدة وفقيرة . وأي سياسة استعمارية أخشى ما أخشاه أنها تنجح . التفرقة التي كانت تتبعها الدول الأستعمارية من قبل سوف تستبدلها أميركا اليوم بسياسة القضاء على الوطن نفسه . لا وطن بعد اليوم . الوطن هو العالم كله وطننا جميعاً . لكنه يخضع للهيمنة والسيطرة الأميريكية . وإذا سألنا لماذا يصرون على القضاء على الأوطان إلا وطنهم أميركا ؟ يقولون لك أن أميركا هي سيدة العالم ورئيسته . والشعب الأميركي هو سيد الشعوب ورئيسها .
   لكي تنجح أميركا في مخططها . تبدأ في تقسيم الأوطان . مثلاً إقامة دولة مستقلة جنوب السودان . وهذا يعني تقسيم السودان . في مصر يقيمون دولة مستقلة للأقباط  حول محافظة أسيوط في صعيد مصر . والمملكة السعودية تقسم الى دويلات ويطلق على إحداها المملكة العربية السعودية ويحدث نفس الشيء في العراق وباقي الدول العربية ودول الشرق أوسطية . أما أوربا فقد فقدت هوية دولها فيما يسمى بالإتحاد الأوروبي .
   الشعوب ترفض هذا التقسيم . لأن الوطن واحد ولا يتجزأ أو يقسم . لكن عدم الأستقرار وظهور ما يسمى بالأرهاب ووجود الفكر المتشدد والتيارات المتشددة زعزع من تماسك الوطن الواحد ، وتسبب في الكثير من المشاكل بين أبناء الوطن الواحد وخاصة أن أصحاب الفكر المتشدد والتيارات المتشددة ينادون بعالمية ما يؤمنون به منافسين به عالمية أميركا والغرب .
   بهذا يشعر المواطن بالغربة في وطنه وبين أهله وناسه .وهذا شعورُ مُرٌّ وفظيع . لأن الغريب لا مكان له بين أبناء من يعيش بينهم . فما بالنا لو كان هذا الغريب هو صاحب أرض ووطن ولم يكن يوماٍ غريباً في وطنه .
   يساعد حكام هذه الشعوب مع الأسف على إستمرار التطرّف والأرهاب . ويعملون فقط على ما يجعلهم يستمرون في الحكم . تارة يؤيدون الفكر الأستعماري والدول الأستعمارية . وأخرى يشجعون الأرهاب ومن يقومون به ليلتهي الناس في الخوف منه ولا يهتمون بما يحدث  حولهم من ضياع لحقوقهم في بلادهم .
   يتفتت الأنتماء وتضيع الهوية ، ومع ضياعهما يضيع الوطن الذي دفع أبناؤه ثمناً غالياً للحفاظ عليه ورفعة شأنه .
   لأننا فقدنا القدرة على توجيه بلادنا الوجهة السليمة والحفاظ على وحدتها وسرنا وراء أيديولوجيات وأراء وأفكار لن تعمل على الحفاظ على أوطاننا ، ولا تدخلنا الجنة . فخسرنا الدنيا والآخرة معاً .
   جريدة " المستقبل " / أستراليا
          5 / 7 / 2003
من ذاكرة كتاب " المغترب " الجزء الخامس ، الذي أصدرته عام 2004 سدني / أستراليا
   كتبت هذا المقال وتم نشره في شهر يوليو / تموز عام 2003 ونحن الأن في شهر يوليو / تموز 2012 ، أي يكون قد مر على كتابته ونشره 9 سنوات بالتمام والكمال فما هي قراءتنا للحاضر لمقارنته بالماضي القريب لمحاولة معرفة الغد القريب جداً أيضاً .
   الأنتماء والهوية كما قرأنا حاولت أميركا طمسهما وإحلال ما عرف بالقرية الكبيرة ( العالم ) ومازالت تحاول فهل ستنجح ؟
   هذا سؤال في الحقيقة صعب الأجابة عليه . وسبب صعوبته أيضاً كما أوضحت ظهور قوة أخرى تعمل على نشر فكرها الأيدولجي على العالم منافسة به الفكر الأميركي .
   هذه القوة الجديدة هي الجماعات الأسلامية المتشددة والتي كان بطلها الشيخ أسامه بن لادن والذي حل محله حاليا الدكتور الظواهري في رئاسة تنظيم القاعدة .
   قامت تلك الجماعات التي تفرعت وأنتشرت بأعمال إرهابية كان لها آثار واضحة مما دفع بالدول الكبرى والتي على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية بإرسال قوات قمع في أماكن تواجد رئاسة هذه الجماعات للقضاء عليها .
   حتى الأن فشلت هذه القوات في القضاء على تلك الجماعات الأسلامية المتشددة في أفغانستان على الرغم من إغتيال الشيخ أسامه والأعتقاد بهذا العمل تم القضاء على أهم عنصر في أقوى تنظيم إرهابي وهو القاعدة .
التخطيط الأميركي الجديد يبدو أنه يعمل على نقل نشاط هذه الجماعات الأسلامية المتشددة من أفغانستان وأجزاء من باكستان إلى قلب منطقة الشرق الأوسط في الدول العربية فشجعت على ما أطلق عليه بالربيع العربي .
   من الملاحظ في ثورات الربيع العربي كان لتنظيم جماعة الأخوان المسلمين الدور الأكبر في تحريك تلك الثورات .
   تم التغير في كل من تونس ومصر والجزائر وليبيا واليمن ، وجاري المواجهة الشرسة مع سوريا وقد تطال بعضا من دول الخليج والسعودية .
   في مصر وصلت جماعة الأخوان إلى السيطرة على كل مناحي الحياة السياسية بما فيها سدة الرئاسة . وهنا دق ناقوس الخطر في مصر .
   الأتصالات الأمريكية مع جماعة الأخوان أصبحت علنية وعل المكشوف كما يقولون . وهاهي السيدة هيلاري كلبنتون في زيارة رسمية في مصر  وتم لقاؤها مع الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بعدها ستتجه إلى الأسكندرية لأفتتاح القنصلية الأمريكية في العاصمة المصرية الثانية .
   الشعب المصري يغلي وعلى وشك الأنفجار فقد ظهرت الجماعات الأسلامية في مصر على حقيقتها ورغبتها في تولي الحكم كاملا دون ترك شيء لغيرهم ، والذي ظهر في أول صدام مع الدستورية العليا وحل مجلس الشعب وإصدار الرئيس مرسي قرار قانون رقم 11 لعام 2012 بإعادة مجلس الشعب إلى ممارسة عمله .
   يأتي بعد ذلك محاولة سحب السلطة التشريعية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة المنوط بها حتى إتمام وضع الدستور الجديد ويتم الأتفاق عليه من الشعب ثم الأنتخابات البرلمانية الجديدة بعدها تسليم السلطة التشريعية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى مجلس الشعب المنتخب الجديد .
   نخشى ما نخشاه الصدام المسلح بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي سيجد نفسه في مواجهة مع الجماعات الأسلامية في مصر دفاعا ليس على سلطاته المخولة إليه بل للصدام الممكن وقوعه بين هذه الجماعات والتي على رأسها جماعتي الأخوان والسلفيين أصحاب التنظيمات الشبه عسكرية والمدربة ، وبين جموع الشعب المصري الأعزل والرافض للحكم الديني ويريدون مصر دولة مدنية ديمقراطية دستورها لا توجد فيه مادة يحاولون فرضها ويطلقون عليها المادة الثالثة والتي تنص على ما سمعت "حكم الله " !!! إذا ما تم بالفعل عدم المساس بالمادة الثانية والتي أضيف إليها بنود حق المسيحيين واليهود التعامل حسب شرائعهما ، وإعطاء الأزهر الشريف الحق الكامل في مراقبة تطبيق الشريعة . في الوقت نفسه الخوف مما يكون في نيتهم إحتواء مؤسسة الأزهر أعرق مؤسسة إسلامية في العالم وتحويلها إلى مؤسسة تخدم أهدافهم فقط  .فإذا تم كل هذا ووقع المحظور وتمت المواجهة مما دون شك سيدفع بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتدخل وقد يضطر لأستخدام القوة المسلحة وتصبح مصر مثل بقية دول الربيع العربي الذي مهدت له الأدارة الأمريكية ليمكنها جذب الأرهاب من أفغانستان إلى مصر وشبه جزيرة سيناء وتخرب الدنيا ويتم تقسيم مصر كما حدث في السودان وفصل الجنوب ومن المتوقع فصل دارفور وتقسيم المملكة العربية السعودية ثم سوريا ويتم القضاء على الأنتماء والهوية لشعوب الربيع العربي الجائع والمغيب والضائعة حقوقه ..وتصبح القوة الأسلامية الجديدة في المنطقة القوة الثانية في العالم بعد أميركا التي تؤمن بالعالمية والقضاء على ما عرف بالوطن وجمعه أوطان ولا إعتراف لا بإنتماء ولا هوية . وهذا ما دفعني لنقل كل المقال الذي سبق ونشرته وتكملته بما يحدث على أرض الواقع المرير

CONVERSATION

0 comments: