رمضــان كريــم/ أنطوني ولسن

 أستراليا

نتقدم بتهانينا القلبية إلى أشقاء وشقيقات الوطن مصر من المسلمين والمسلمات كبارا وصغار ، ومن المسؤلين عن إدارة شؤن مصر من أول سيادة رئيس الجمهورية المصرية الدكتور محمد مرسي وإلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة والجيش المصري الباسل ، وإلى رجال الشرطة المصرية البواسل ، وإلى رجال القضاء المصري الشرفاء متمنين لمصر والشعب المصري بصيام مقبول ونقول لجميع المسلمين في العالم رمضــان كريــم أعاده الله على مصر والعالم بكل خير ومحبة وسلام .
تذكرني دائما هذه التهنئة بشهر الصوم الكريم بأجمل وأعز أيام حياتي التي عشتها في صباي، وأنا أخطو خطوات الشباب في المدرسة ثم العمل كرجل والدراسة الجامعية .وأنا صبي على ما أتذكر كان عمري 7 سنوات تقريبا عندما يهل علينا شهر رمضان أنا ومن في سني من أبناء الحي أهم شيء الأستيقاظ حتى يأتي وقت السحور لنسير مع " المسحراتي " مبهورين بصوته وهو يردد " إصحي يانايم وحد الدايم ولا دايم غير الله . السحور يا عباد الله " وغير ذلك من عبارات لها معاني مع دقاته على " الطبلة " الصغيرة بقطعة جلد في يده في رتم موسيقي جميل .
كنت في كثير من ألاحيان أستأذنه وأمسك بالطبلة والجلدة محاولا تقليده إن كان في النغم أو مايقوله من جمل .
في أيام الشباب إن كان في فترة الدراسة الثانوية أو الجامعية كنا في رمضان نذهب إلى حي الأزهر حيث توجد قهوة " الفيشاوي " الشهيرة ، وهي ملتقى الفنانين والأدباء والشعراء ونحن شباب مصر المتطلعين إلى المعرفة والعلم وقضاء سهرة جميلة نبدأها بالذهاب إلى محل " فطاطري " ويطلب كل منا " فطيرته " كما يحبها أن تكون عليه .. محشية باللوز والجوز ، أو مجرد رش سكر بودرة عليها وبالهنا والشفا ناكل ونضحك والحب مالي قلوبنا ، بعدها نروح على قهوة " الفيشاوي" ونطلب الشيشة العجمي والشاي الأخضر ونقضي سهرات حلوة وجميلة طوال شهر رمضان المبارك في محبة وتناغم لا تعرف من هو المسلم ومن هو المسيحي . كلنا مصريون . أليست هذه حقيقة ؟! . أم أخطأ أهالينا في تربيتنا ونشأتنا على المحبة والتآخي والوحدة الوطنية !!.
في العمل بمصلحة الأحوال المدنية والتي بدأت بقسم البطاقات الشخصية التابع لمصلحة تحقيق الشخصية . كنا في رمضان مثل بقية الدواوين والمصالح الحكومية نبدأ العمل الساعة العاشرة صباحا . وكنت في أول يوم للشهر المبارك قبل أن أتوجه إلى مكتبي أمر على مكاتب وكيل عام المصلحة العميد محمود أنور حبيب وبقية المفتشين مهنئا في الفترة الأولى لعمل " قسم البطاقات " ثم بعد ذلك " مصلحة الأحوال المدنية " . ومن الطبيعي أيضا تهنئة بقية الزملاء في الأقسام المختلفة بعدها أعود إلى مكتبي لأجد كوب الشاي والسيجارة وعند إعتراضي كان الزملاء المسلمون يردون عليّ بالقول ( نحن نصوم وننال الثواب على صيامنا لتمسكنا بقرآننا وتعاليمنا الأسلامية . وما ذنبك أنت !.. كما إذا منعنا كل إنسان من الأكل والشرب ما معني الصيام !! .. اليس الصيام هو مغالبة شهوات الجسد ورغبات الأنسان !!... ) .
الذكريات الجميلة للأنسان لا تمحوها عواصف عدم الأستقرار ، ولا تشدد المتشددين كما نرى هذه الأيام . لأنها ذكريات منقوشة على حجر وليست على رمال أو مياه البحار .
كنا إذا قام أيٌّ منا مسلم أو مسيحي وهو يحي الآخر بحلول شهر رمضان المبارك بالقول .. رمضان كريم .. فيكون الرد .. اللهُ أكرم .
أما هذه الأيام عن نفسي لو قال مسلم أو مسيحي .. رمضان كريم .. سيكون ردي  اللهُ أعلم .. لأن الله هو وحده الذي يعلم هذه الأيام إن كان رمضان كريما أم لا .
رمضان كان كريما بأهله وناسه ووطنه . وكان الجميع واحد مسلم يراعي خاطر المسيحي ، والمسيحي يراعي خاطر المسلم في محبة وتفاهم ووءام . لم يحدث أن كفر مسلم مسيحيا لأنه يدخن سيجارة في الطريق العام . ولم يأمر مسلم مسيحي أن يطفيء سيجارته ويختشي على دمه . لأن الواقع أن كل منهما كان يرعى شعور الآخر بمحبة وإحترام كأبناء أسرة واحدة صام أحد أفرادها رمضان والأخر لم يصم .هذا يأخذ ثواب الصيام والأخر لا فرض عليه أن يصوم . وهكذا كانت الحياة جميلة مليئة بالمحبة والأخوة الصادقة . فكان كل منا يرعى شعور أخيه .
فجأة تغير الحال من حال إلى حال .. من محبة وأخوة بين جميع أبناء مصر إلى كُره وعدم تسامح وفرض أفكار بالقوة على الغير وإزدادت الفجوة وإتسعت دائرتها ونفر كل من الأخر ، ومع فساد الحكم إبان حكم مبارك وعدم رعاية الحاكم وجد الأنتهازيون فرصتهم بتغير الشكل العام للمجتمع المصري . الشكل الحضاري المميز في الشرق الأوسط ، فتحولت مصر إلى دولة تكفيرية يكفر فريق الأخر ويتعامل معه على أنه كافر وعليه أن يعرف أنه ذميّ فلا حق له في الأعتراض على أي شيء ولا مجرد التفكير في تولي أي منصب هام من مناصب الدولة وعليه دفع الجزية وهو صاغر . هذا إذا كان غير مسلم . أما إذا كان مسلماً ولا ينتمي إلى هذه الجماعة أو تلك من الجماعات الأسلامية فهو أيضا يعامل معاملة غير كامل الأهلية .
تعيش مصر هذه الأيام مرحلة القلق وعدم الأستقرار فقد أخذت جماعة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " بفرض نفسها على الشارع المصري في جميع أنحاء الجمهورية . تكفر من تشاء وتتحرش بمن تراه غير ملتزم إن كان في الملبس أو الشكل العام . وحدثت أحداث كثيرة في الأونة الأخيرة ما كان لها أن تحدث .
مصر الأن في المحك . إما أن تكون أو لا تكون . والكينونة هنا تتجاذبها تيارات وأيدلوجيات متنافرة كل منها لا نستطيع أن تكهن بما يريد أو ينوي عمله في مصر .التيارات الأسلامية وضحت رؤيتها وكانت تعد لهذا اليوم منذ زمن طويل . العسكر لا شك لهم في الحب جانب . ليس من السهل عليهم ترك الرئاسة بعد طول مدتها . لكن هناك لوم يلامون عليه .
ثورة 25 يناير 2011 كانت ثورة شعب فاض به الكيل وطفح . ساند الجيش الشعب ولم تحدث إعتداءات منه ضد الشعب . لكنه في الوقت نفسه لم يكن صاحب قبضة حديدية بعد تخلي مبارك عن إدارة البلاد . بعدها حدث التخبط في إدارة شئون مصر.
العسكر لا يريدون إراقة دماء . الأخوان يريدون السلطة بعد أن أطاحوا بالثوار الحقيقين ونسبوا الثورة لأنفسهم . كلما أظهر العسكر قوتهم . نرى الأخوان والسلفين يزدادون صلابة وإظهار شعبيتهم في ميدان التحرير الذي أصبح ميدان التيارات الأسلامية التي تلجأ إليه في مليونيات بأسماء متعددة حسب ما يطالبون به . مما أتاح لهم الحصول على مجلس الشعب والشورى وبدأوا في كتابة الدستور وحاولوا إسقاط حكومة الجنزوري ، ثم فوزهم بكرسي الرئاسة . رئاسة الجمهورية . ولا أحد يعرف ماذا تحت الرماد فالصراع مازال مستمرا بينهم والعسكر والقضاء والقوى الليبرالية.فأين الأمان والأستقرار في مصر ؟؟!!.
هذا ما دفعني الأشارة إلى " إذا قال مسلم أو مسيحي .. رمضان كريم " وكتبت  "سيكون ردي عليه .. اللهُ أعلم "  . وهذا ما أشعر به هذه الأيام .. لا أحد يعرف إن كان رمضان من الأن فصاعد كريما أم لا !! . لأن الخوف بدأ يجد له مكانا في قلوب البسطاء من الناس . لذا لا أحد يعلم إلا الله الذي هو وحده يعلم .
من يكتبون الدستور الأن هم سبب الخوف الأساسي . يطالبون بأن يشمل الدستور مادة تحدد أن السيادة " لله " . ولا أعرف معنى أن يكون الشيء المؤمن به الناس في مصر عن طريق إيمانهم إن كان إيمانا إسلاميا أو مسيحيا ويتعاملون به منذ المسيحية الأولى ومنذ ظهور الأسلام .
المسلم الذي أمن بالأسلام عن طريق رسول الله محمد " صلعم " عرف أن السيادة كما أمره رسوله لله وحده الذي أنزل عليه القرآن الكريم والذي أعطى الحرية للأنسان
" من شاء فاليؤمن .. ومن شاء فليكفر " والله وحده صاحب سُلطة الثواب والعقاب . فكيف يريدون تحويل هذه السلطة إلى بشر بأسم الله عز وجل ؟؟!!.
الأزهر الشريف لم يترك لحاله . لكنهم في محاولة خبيثة أضافوا إلى المادة الثانية الخاصة بالشريعة الأسلامية فقرة تعطي الأزهر الشريف قوة التغير والتبديل في هذه المادة لما يراه شيخ وعلماء الأزهر . في الوقت الذي سبق وأظهروا أنهم بصدد الأستحواز على بعض من مؤسسات الدولة " الداخلية والجيش والخارجية والتعليم والأزهر الشريف ..وإلخ من مؤسسات " . وقد فطن فضيلة الأمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب إلى ذلك فبعث مطالبا بعدم إدراج هذه الفقرة بالمادة الثانية للدستور .
أختم متمنيا من كل قلبي للمسلمين أينما كانوا في مصر أو غير مصر إحتفالاً مباركاً بحلول شهر رمضان بأن يجعلونه فعلاً لا قولاً شهراً مباركاً كما عهدناه وعشناه سنوات وسنوات طوال حُرمنا منها بسبب فئة من الناس جاءتها الفرصة لتحكم فأرادت بدلاً من إصلاح ذات البين للنهوض بمصر ، وجدناها تقلد تقليداً أعمي حكم مبارك ويسيرون على نهجه وزادو عليه . وهذا ما لا يطمئن من يحبون مصر .

CONVERSATION

0 comments: