(منذ احتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية عام 1967 لم تتمخض أي انتخابات أميركية أو إسرائيلية عن أي حكومة تتعامل مع قطاع غزة والضفة الغربية والقدس باعتبارها أراض محتلة وبالتالي يجب انسحاب قوات الاحتلال منها)
بغض النظر عن حرمة كونها دعوة عامة للتطبيع والاعتراف المسبق المجاني بدولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى قبل انتظار موافقتها الرسمية على مبادرة السلام العربية لمبادلة الاعتراف بها والتطبيع معها بانسحاب قواتها من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، فإن الدعوة التي وجهتها جامعة الدول العربية إلى عرب فلسطين في دولة الاحتلال عشية انتخاباتها العامة الأخيرة للمشاركة فيها كانت أيضا تسليما عربيا بالوضع الفلسطيني والعربي الراهن مع دولة الاحتلال، ودعوة لا لبس فيها إلى البحث عن مفتاح لتغيير هذا الوضع في اللعبة الانتخابية بدولة الاحتلال، واعترافا بالعجز أو بعدم توفر الإرادة العربية لتغييره، وتنصلا من المسؤولية القومية عن محاولة تغييره بقدرات عربية متاحة ومتوفرة.
وتشير كل الدلائل إلى أن نتائج الانتخابات في دولة الاحتلال سوف تعزز الوضع الفلسطيني الراهن ولا تغيره، وبما أن هذا الوضع "غير قابل للاستمرار" كما كان كثيرون من قادة "وسطاء ورعاة" الرباعية الدولية (الولايات والأمم المتحدة والاتحادان الأوروبي والروسي) يكررون القول،
وبما أن هذا الوضع يكاد يتحول إلى وضع دائم بحكم الأمر الواقع يمنح فيه هؤلاء القادة مهلة زمنية مفتوحة لدولة الاحتلال لاستكمال الحقائق التي تخلقها على الأرض برعايتهم حتى يصبح تغيير الوضع الراهن مستحيلا، وهي مهلة بدأت منذ انطلقت ما تسمى "عملية السلام" من مؤتمر مدريد عام 1991 ويمكنها أن تستمر إلى ما لانهاية إذا ما استمر الوضع الراهن،
وبما أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية انخدعت لفترة طالت أكثر من اللازم بوعود الولايات المتحدة وغيرها بحدوث تغيير بعد كل انتخابات عامة فيها وفي دولة الاحتلال من دون جدوى أو صدقية لهذه الوعود حتى الآن،
فإن الوقت قد حان كي تتوقف هذه القيادة عن المراهنة على مثل هذه الوعود والانتخابات وكي تبحث في التجربة الوطنية الفلسطينية عن مفاتيح مجربة ناجحة لتغيير الوضع الفلسطيني الراهن، ولأن الاحتلال ودولته هما المستفيد الوحيد من استمراره فإن تغييره يظل مسؤولية فلسطينية في المقام الأول والأخير.
وخلافا لرأي الرئيس الفلسطيني محمود عباس بان المقاومة لم تحقق شيئا، في مقابلته مع فضائية الميادين يوم الجمعة الماضي، فقد كانت الشراكة في الوحدة الوطنية المبنية على أساس المقاومة والثوابت الوطنية هي المفتاح الذي غير الوضع الفلسطيني من وضع لاجئين بالكاد تقيم أودهم المساعدات الانسانية إلى وضع مناضلين من أجل التحرر والتحرير والعودة،
ومن وضع كان الشعب الفلسطيني مغيبا فيه إلى وضع شعب انتزع اعتراف العالم بوجوده وبوجود "ممثل شرعي ووحيد" له،
ومن وضع كان الآخرون يقررون فيه مصير هذا الشعب في غيابه إلى وضع أصبح الآخرون فيه يعترفون بحقه "المستقل" في تقرير مصيره،
ومن وضع كانت فيه فلسطين قد غيبت عن الخريطة السياسية والجغرافية إلى وضع عادت فيه فلسطين إلى خريطة العالم،
ومن وضع كانت فيه الجامعة العربية قد سلمت بالأمر الواقع في فلسطين الذي نتج عن عجزها وتواطؤ بعضها إلى وضع فرضت فيه المقاومة الفلسطينية عليها، طوعا أو كرها، تحمل مسؤولياتها القومية في دعم المقاومة وحق عرب فلسطين في تقرير مصيرهم فوق أرضهم،
ومن وضع كانت فيه القيادات الوطنية للشعب الفلسطيني تقود نضاله من خارج وطنه إلى وضع فرض على دولة الاحتلال التسليم ب"وجود" هذا الشعب وبحق "بعض" قياداته في قيادته من داخل الوطن.
لكن كل هذه الانجازات وغيرها تآكلت، وتكاد التضحيات الشعبية التي انجزتها تذهب هباء طالما ظلت قيادة منظمة التحرير تبحث عن مفاتيح لتغيير الوضع الراهن مرة في الانتخابات الأميركية وثانية في انتخابات دولة الاحتلال وثالثة في المراهنة على وعود القوى العربية والدولية المسؤولة عن نشوء الوضع الراهن واستمراره، خصوصا بعد أن أكدت الانتخابات الأميركية الأخيرة وبعدها انتخابات دولة الاحتلال عدم وجود ما يدل على حدوث أي تغيير، لا حكومي ولا سياسي، يمكنه أن يقود إلى تغيير ايجابي في الوضع الفلسطيني الراهن.
فمنذ احتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية عام 1967 لم تتمخض أي انتخابات أميركية أو إسرائيلية عن أي حكومة في واشنطن أو في تل أبيب تتعامل مع قطاع غزة والضفة الغربية والقدس باعتبارها أراض محتلة وبالتالي يجب انسحاب قوات الاحتلال منها، وليست أراض متنازعا عليها يتقرر مستقبلها بالتفاوض الثنائي المباشر على تقاسمها بين أهلها العرب وبين مستوطنيها اليهود، وأدلة ذلك كثيرة.
وقد حرصت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس يوم الأربعاء الماضي على تذكير الحالمين العرب بتغيير ما زالوا يأملون فيه من باب التمني غير الواقعي بأن هذا الوضع لم ولن يتغير بعد الانتخابات كليهما لأن أي "استعمال" لاسم "دولة فلسطين" أو إشارة إليه في الأمم المتحدة ومجلس أمنها "لا يعكس" اعترافا من الولايات المتحدة بها ولا "يعكس أي ميل للقبول بأن فلسطين دولة" !
غير أن روبرت سري منسق الأمم المتحدة الخاص ل"عملية السلام في الشرق الأوسط" يعتبر أنه لا يزال هناك ما يمكن التفاوض عليه ليحث طرفي التفاوض الفلسطيني والاسرائيلي على اتخاذ "خطوات شجاعة" لاستئناف مفاوضاتهما حتى لا تظل "عملية السلام في العناية المركزة" كما أبلغ مجلس الأمن الدولي في الثالث والعشرين من هذا الشهر، وليجدد البيت الأبيض الأميركي دعوته لدولة الاحتلال بعد الانتخابات إلى إجراء "محادثات مباشرة جديدة مع الفلسطينيين"، تماما مثلما فعلت بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الغربية المسؤولة عن الحال الذي آل إليه الوضع الفلسطيني الراهن.
وحسب الأمل الذي ما زال يراود الرئيس عباس في أن "المجتمع الدولي" يمكنه إذا ما امتلك الإرادة السياسية أن يفرض على دولة الاحتلال الإسرائيلي الاستجابة لاستحقاقات "السلام"، كما قال في مقابلته مع فضائية الميادين، وجدت هذه الدعوات مجددا آذانا صاغية متلهفة كما يبدو على سماعها لدى مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية، ولا تجد "خطوطا حمراء" تحول دونهم والاستجابة لها سوى "وضع حجر واحد" في "البناء الاستيطاني بمنطقة (إي 1) والمناطق المحيطة بها" كما قال وزير الخارجية في رام الله د. رياض المالكي من نيويورك نقلا عن عباس.
فالمالكي يقول إن "العديد من الدول" تبحث عن "تحريك العملية التفاوضية" و"يجب إعطاؤها هذه الامكانية" ولهذا الغرض "فلسطين مستعدة للعمل مع أي حكومة اسرائيلية"، وهو ما كرره الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة في "بيان رسمي" مشترطا أن "تلتزم" هذه الحكومة "بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس".
وهذا شرط يدرك عباس وأبو ردينة والمالكي أن دولة الاحتلال لن تستجيب له مختارة، وبما أن راعيها الأميركي لن يفرضه عليها والجامعة العربية غير معنية أو عاجزة عن فرضه عليها، فإن هذه تظل مسؤولية فلسطينية أولا وآخرا، وهي مهمة لن تنجز إلا إذا أنجزت قبلها الوحدة الوطنية على أساس الشراكة والمقاومة.
غير أن الأمل ليس كبيرا في أن لا تكون "الضحية المرجحة لنتائج الانتخابات الاسرائيلية" هي "المصالحة الفلسطينية .. إذا ما فتر حماس الرئيس عباس لها انتظارا لمعرفة حقيقة النوايا الأمريكية الأوروبية لاحياء عملية سلام ماتت وتعغنت" كما قالت افتتاحية "رأي" صحيفة القدس العربي اللندنية في عددها يوم الأربعاء الماضي.
* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com
* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com
0 comments:
إرسال تعليق