وصلت الرسالة/ محمد فاروق الإمام

كان الإبراهيمي في مؤتمره الصحافي الذي عقده في موسكو مع مضيفه وزير الخارجية الروسي لافروف صريحاً جداً عندما خير الشعب السوري بين الجحيم أو الحل السلمي على الطريقة الروسية (حوار المعارضة مع النظام برعاية الأسد)، أيضاً كان لافروف صريحاً عندما أكد أن موسكو لا تستطيع إجبار الأسد على الرحيل، وقد سمع منه – أي من بشار الأسد - في لقائه الأخير في دمشق أنه لن يغادر سورية وأنه سيحارب حتى النفس الأخير، وكرر الإبراهيمي نفس الكلام في القاهرة في لقائه مع نبيل العربي وزاد على ذلك قائلاً: إن لم يتم حل سياسي فإنه إذا قتل من الشعب السوري خلال عامين خمسين ألف فإنه سيقتل في هذا العام أكثر من مئة ألف.
الملفت للنظر أن وجهات النظر متطابقة بين لافروف والإبراهيمي بالنسبة لطريقة الحل السياسي الذي – في المقابل – ترفضه المعارضة ويرفضه الشعب السوري، الذي يصر على عدم الجلوس على مائدة المفاوضات إلا بعد رحيل الأسد ورموز النظام وجميع أركانه، لوضع خارطة طريق للون وشكل الحكم في سورية المستقبل بما يحقق أماني وطموحات الشعب السوري، وحجته في ذلك أنه لا يمكن أن يجلس على طاولة حوار مع نظام قتل أكثر من 60 ألف مواطن ودمر العديد من المدن السورية. وفي المقابل فالنظام يرفض الجلوس على طاولة المفاوضات مع معارضة مرهونة –كما يدعي النظام- للخارج وتضم في صفوفها عصابات إرهابية وتكفيرية.
إذن هناك حائط بين النظام من جهة والمعارضة والشعب السوري من جهة أخرى وهذا الحائط استعصى على العرب والمجتمع الدولي تفكيكه أو حلحلته، والشعب السوري يدفع الثمن شلالات من الدماء، ونزوح وتهجير وسجون ومعتقلات، وتدمير ممنهج للمدن والبلدات والقرى والبنى التحتية.
الغائب الحاضر هي الثورة السورية التي تحقق انتصارات ومكتسبات كبيرة وسريعة على الأرض في طول البلاد وعرضها هي وحدها – كما يعتقد كل المحللين المنصفين – أنها هي من تضع قواعد اللعبة وتحركها، وهي ماضية في طريقها بكل ثبات وإقدام تواجه النظام بأسلحته التي غنمتها منه وتلحق به الهزائم على مدى الساعة كما يشاهد العالم على الشاشات الفضائية التي لا يخطئها النظر، وقد تمكنت من وقف الحركة في المطارات السورية الدولية، والتي جعلت الإبراهيمي يزور دمشق براً عن طريق لبنان ونائب وزير خارجية سوريا فيصل المقداد يسافر إلى موسكو عبر مطار بيروت.
الذي يجري على الأرض – كما أعتقد – أن الثوار غير آبهين بكل ما يحيكه الكبار والصغار وما يفكر فيه هذا المجتمع الدولي الذي خذل السوريين ولم يفعل شيئاً لوقف نزيف الدم لأكثر من عشرين شهراً، وهم ماضون في طريقهم حتى النهاية، وفي المقابل فإن النظام في موقف لا يحسد عليه بعد ان تورط وأوغل في دماء السوريين ولا يزال مستخدماً أعتى ما لديه من أسلحة متطورة وفتاكة ظناً منه أنه سيحسم الأمر بهذه الوسائل، التي بات الثوار يتعاملون معها بشجاعة نادرة ومعنويات عالية وبذكاء وحنكة وخبرة فريدة، مما جعلهم في تقدم مستمر بثبات وإقدام أثار إعجاب العالم وغرابة كل الخبراء والمحللين العسكريين الاستراتيجيين كما نشاهد عند استضافتهم في المحطات الفضائية.
من هنا يمكن القول أن كلاً من الثوار والنظام سيذهبان بعيداً في هذا الصراع حتى النهاية، وكل منهما يريد كسر عظم الآخر وسحقه، وإذا ما نظرنا إلى ما يملكه كل فريق من أوراق نجد أن كفة الثوار أرجح بما يملكه من حاضنة شعبية، ووقوع انشقاقات في جيش النظام لصالح الثوار، وتشتت قوات النظام على طول مساحة البلاد وعرضها، وفقدان الخطط العسكرية والقيادة الحكيمة لهذه القوات، إضافة إلى تأييد عربي ودولي كبير للثوار، ولو أن هذا التأييد لم يُفعّل دعماً عسكرياً ولوجستياً، كما يطلب الثوار والمعارضة.
أما ما يملكه النظام من أوراق فأولها ترسانة الأسلحة التي يمتلكها بما فيها سلاح الجو والتي لم يوفر أياً منها في مواجهة المدنيين والثوار، والتلويح بالسلاح الكيماوي كملاذ أخير، الدعم الروسي على الصعيدين العسكري واللوجستي وفي أروقة مجلس الأمن، الدعم الإيراني الكبير في السلاح والخبراء والمال، ويمكن الوقوف عند هاتين الورقتين، فروسيا لم يعد من مصلحتها كدولة كبرى أن تظل على موقفها وهي ترى حليفها الذي تدافع عنه في تراجع مستمر وتصلب في المواقف دون تقديم اي تنازلات يمكن أن يبنى عليها بعض المواقف التي يمكن أن تؤدي إلى الخروج من هذا النفق المظلم الذي وضعت روسيا نفسها فيه، أما إيران فقد انهكتها العقوبات الاقتصادية المؤلمة والموجعة من قبل الغرب بسبب ملفها النووي، والتي باتت تؤثر على المواطن الإيراني بشكل كبير، كما تواجه الحكومة تبرم الشعب الإيراني الذي سئم من سياسات حكومة محمود أحمدي نجاد الذي يواجه العالم بمشروعه النووي، ويتدخل في شؤون دول الجوار ويعادي الصديق قبل العدو، ويخشى من أن تقوم في إيران ثورة شبيهة بثورات الربيع العربي، وهذا ما نتلمسه من إعلام المعارضة الإيرانية في كل مواقعها.
أما في قول الإبراهيمي أن سورية لن تقسم بل ستصومل فهذا كلام غير واقعي وليس هناك أي وجه للشبه، فسورية كلها نسيج وطني واحد تعرض لحكم ديكتاتوري على مدى نصف قرن وعانى جميع السوريين على مختلف انتماءاتهم إلى التعسف والحرمان والتهميش، وإذا كان هناك من هو مستفيد من تلك الحقبة فئة فإنه لا يتجاوز عددها 5% من الشعب السوري، تمسك بيدها ثروة البلاد وتتحكم بكل المفاصل الاقتصادية والأمنية والعسكرية، في حين كان هناك أكثر من 35% تحت خط الفقر، أما عن الحديث عن الطائفية وأن سورية في طريقها إلى الحرب الأهلية والطائفية، وقد سعى النظام منذ بداية الثورة اللعب على هذا الوتر، فإن السوريين لن ينجروا لمثل هذه الحرب القذرة بدليل أن الثوار لم تكن لهم أي ردات فعل تجاه ما يقوم به النظام من قتل وتدمير ممنهج للون واحد من مكونات الشعب السوري وهم المسلمون السنة، الذين يشكلون بحسب إحصائيات الانتداب الفرنسي الذي كان يلعب على نفس الوتر الذي يلعب عليه النظام اليوم، (80%)، أقول لو كان هناك نية عند الثوار في الانجرار لما يريده النظام لقامت باقتحام العديد من البلدات التي تقع ضمن تلك الأكثرية وهي قادرة على ذلك، سواء في ريف حلب أو ريف إدلب أو ريف حماة أو ريف حمص أو ريف دمشق، وبالعكس من ذلك تفيد التقارير الواردة من تلك المناطق أن الثوار يقدمون لهذه الأقليات الحماية وتيسير وصول المواد التموينية والنفط والغاز دون أية إعاقة، في الوقت الذي يضيّق النظام الخناق على السكان في كافة المدن السورية السنية ويحرمها من الغذاء والدواء والماء والاتصالات ويلاحق أبناءها ببراميل الموت والقنابل العنقودية والانشطارية والفراغية من الجو والبر.
المجتمع الدولي وأصدقاء الشعب السوري لم تتجاوز مساعداتهم الحقل الإنساني، وكل ما يشاع من دعم عسكري ولوجستي ومعلوماتي فهو كلام يجانب الحقيقة بحسب ما صرح به العديد من القادة الميدانيين لهذه الثورة، فبعد أكثر من سنة ونصف على لجوء الناس إلى السلاح للدفاع عن أنفسهم وأهليهم وأعراضهم وأموالهم لم نشاهد عبر كل القنوات أي سلاح نوعي أو مميز بيد الثوار، فكل ما معهم هو سلاح روسي غنموه من الجيش النظامي، أو صنّعوه بأيديهم في ورشات خراطة متواضعة منتشرة في معظم المدن والبلدات السورية.
ختاماً يمكن القول أن المواجهة بين الثوار والنظام قد تطول طالما أن المجتمع الدولي غير متفق على إيجاد حل لهذه المعضلة المستعصية، فأمريكا غير مهتمة بما يجري في سورية لأن لا مصالح حيوية لها فيها، وروسيا غير آبهة بكل هذا الدم الذي ينزف، وأوروبا مثقلة بهمومها الاقتصادية والمجتمعية.
الثورة السورية ولدت يتيمة وستبقى كذلك في ظل تجاهل هذا المجتمع الدولي لها، وبالتالي فإن رسالة الأخضر الإبراهيمي قد وصلت إلى النظام وهاهو يكثف من عملياته الإجرامية والوحشية بحق المواطنين العزل، وكانت ذروة جرائمه ما حدث في الحولة يوم أمس عندما قصف ببراميل الموت محطة محروقات كان يتجمع عندها الأهالي فأتت على العشرات حرقاً أو تحت أنقاض تلك المحطة، مما يجعل المواطنين السوريين يهتفون بملء أفواههم (يا الله مالنا غيرك)!!

CONVERSATION

0 comments: