وجع العيش بعد الحرب/ أسعد البصري

أنا النسر الذي يحملك أيها الشاعر
غير أن شاعراً كلماته ضعيفة لا تَمسك بأجنحتي
وتسقط من فوق حتى تنكسر رقبتك
لهذا لا أحمل معي سوى الشعراء الأقوياء
خصوصاً حين تكون الريح عالية
كما هي اليوم
لقد حملتُ في العواصف الكبرى
الشاعر الأعمى عبد الله البردوني حتى قال :
(( حبيبُ وافيتُ من صنعاء يحملني
نسرٌ و خلف ضلوعي يلهثُ العربُ ))
مع هذا أفكر بالحرب
حيث يمكنك العودة إلى التدخين
بلا قلق من أمراض السرطان
في الركض خلف نجاتك
تفقد كرشك المتراكمة بسبب السلام الوهمي
كلما رأيت الشيوخ والعجائز بفجر ڤانكوفر الخافت
في مطعم مگدونالد يشربون القهوة القوية و يتذكرون
كل ذلك لا يخيفك الآن
هذا الرصاص سوف يأتي بشفاء عاجل
لأمراض المفاصل والسكر
القتال في الظلام قصيدة رومانسية
لأن الوجع الحقيقي هو العيش
أين الطبيب يا عنترة بن شداد
(( وسيفي كان في الهيجا طبيبا
يداوي رأس مَنْ يشكو الصداعا ))
في هذا التزوير العراقي
الجندي الحقيقي يريد حربا
يستعيد بها رتبته من الجندي المزيف
والشاعر الحقيقي كذلك
لأن الشعراء الكبار لم يمجدوا الحياة فقط
بل كان لديهم من الموهبة ما يهددها أيضاً
رحلة أخرى يا سامي مهدي
(( وأرسطو يُلْهم الإسكندرَ الغزوَ
وقهرَ المدنِ التعبى
ويغريه بقتلِ الأمراءْ.
وأنا أنظر في هذا المصيرْ
وأرى الإنسانَ في الجبِّ صريعًا يستجيرْ
وأرى القيصرَ ما زالَ، كما كان،
إلهًا يَمْلكُ الإبرامَ والنَّقْضَ وتصريفَ الأمورْ
قلتُ: لا بدّ إذنْ من رحلةٍ أخرى،
ومن شوطٍ أخيرْ.
رحلةٌ أخرى؟
إلى أين؟
وكلُّ الأرضِ بستانٌ لقيصرْ
وعلى أطرافِهِ الجندُ يقيمونَ له ألفَ معسكرْ
ويغنُّون سكارى شِعرَ فرجيلَ
وروما تتبخترْ؟
رحلةٌ أخرى ولا شيءَ تغيّرْ
منذ أن دارت بنا الأرضُ،
وصار القردُ إنسانًا يفكّرْ؟
رحلةٌ أخرى وفي ظهرِكَ خنجرْ
وعلى صدرك رمحٌ،
وإلى جنبكَ لغمٌ يتفجّر؟
رحلةٌ أخرى ولم يبقَ من السربِ
سوى بعضِ بغاثٍ يتطيّر؟
ليكنْ (قلتُ) فإنّ الصمتَ أخطرْ )) /سامي مهدي

CONVERSATION

0 comments: