أعذرينا كلينتون فالشعب السوري شب عن الطوق/ محمد فاروق الإمام

إذا ما وجدت موسكو وطهران عميلاً يمكن أن تحقق عن طريقه أجندتها في سورية، متمثلاً بالنظام السوري الذي ارتضى لنفسه أن يكون مطية لها، توسلاً في ديمومة حكمه وبقاء رأسه ممسكاً بصولجانه، أو في الحد الأدنى إطالة عمره، علّه يجد مخرجاً آمناً من سورية، يحفظ ماء وجهه من تلك الورطة التي أوقع نفسه بها، وهذا حلم أعتقد أنه بات بعيد المنال يصعب حتى على حلفائه وأسياده في موسكو وطهران تأمينه له بعد كل هذه الجرائم البربرية التي ارتكبها، وكل هذه الهزائم المتلاحقة التي ألحقها الجيش الحر بكتائبه وشبيحته في كل مواجهة بينهما، حيث تمكن الأول من قضم مساحات واسعة ومواقع جديدة كانت هذه الكتائب تفرض سيطرتها عليها بقوة النيران، والتي راحت منكفئة تزاحم الفئران عند هروبها من طرائدها، رغم ما يمتلكه النظام من أسلحة فتاكة ومدمرة يستبيح بها الإنسان السوري والمدن والبلدات والقرى السورية بكل تاريخها ودور عبادتها بوحشية وبهيمية ما سبقه إليها أحد، ورغم ما تقدمه له موسكو وطهران والضاحية الجنوبية وبغداد المالكي من مساعدات عسكرية ولوجستية ومعلوماتية واستخباراتية وإعلامية، وخطوط إمداد عبر جسور برية وجوية وبحرية وعلى مدار الساعة منذ انطلاقة الثورة وحتى هذه اللحظة.
أقول إذا ما تمكنت موسكو وطهران من وجود عميل رخيص لها لتنفيذ أجندتها وتحقيق أطماعها على الأرض السورية، أملاً من هذا العميل بالبقاء ممسكاً بتلابيب السلطة وصولجانها، معانداً القدر ونواميس الحياة وسنة الكون وإرادة الشعوب، فاعذرينا أيتها السيدة هلري كلينتون فالشعب السوري شب عن الطوق ومعارضته ولدت من رحم الثورة، شخوصها إما آباء للثوار المقاتلين أو أخوة أو رفاق لهم، تجمعهم هوية الوطن وعشق الحرية والتمسك بالكرامة، وقد فازوا بكل ذلك ولن يتراجعوا عن العض عليها بالنواجز حتى يحكم الله بينهم وبين هذا النظام الباغي!!
السيدة هلري كلينتون منذ نحو عشرين شهراً وأنت تتقلبين في وتيرة تصريحاتك بين علو وانخفاض وتشدد وتراخ، وتعيشين في حلم الأماني وتقدمين الوعود بالدعم والمساعدة، علك تجدين في المعارضة السورية أشباه لما وجدتيه في المعارضة العراقية، التي تربت على فتات موائد البيت الأبيض وكهوف ملالي قم ومحتل قصر المهاجرين وصغير الضاحية الجنوبية ولم يسعفك الحظ في ذلك، ولم تيأسي أو تكلي أو تملي إلى أن جف كل ما لديك من أفكار وطروحات، ونضبت قريحتك من كل أدبيات الشجب والاستنكار والخوف من المجهول ومن يقدم إلى دمشق بعد عميلكم الرخيص الذي مججتموه فتلقفه غيركم بالأحضان، معلنين الخوف من قدوم المتشددين والمتطرفين وهم صناعة أسدية بامتياز، فسورية الوسطية لم تعرف التشدد والتطرف يوماً إلا في ظل هذا النظام الذي تمكن من الإمساك بخناقها منذ نصف قرن، وهو يجيّش هذه العصابات من المتشددين والمتطرفين ويبعث بهم إلى دول الجوار يشيع فيها القتل والخراب والدمار، دون أن تفكر أمريكا للحظة واحدة بوضع حد لهذا المجرم وتقطع يده الطويلة، وفاء لما كان بينها وبينه من تحالف خدم أغراضها في العراق، وخفف عن كاهلها كثيراً من الصعاب، ووفر على جيوشها الكثير من التضحيات بما قدمه لها من خدمات مخابراتية ولوجستية. حتى إذا ما توجست أمريكا والغرب الخوف على ربيبتهم إسرائيل - وقد حفظ هذا النظام أمن حدودها الشمالية لنحو أربعين سنة - من أن تقع ترسانة الأسلحة غير التقليدية التي يمتلكها النظام بيد المتطرفين والمتشددين الوهميين بزعمها، راحت كلنتون تحذر المعارضة السورية من وقوع الثورة بيد المتطرفين والمتشددين.
المعارضة السورية التي تعرف معدن ومكونات الثائرين الذين يخوضون أشرس المعارك غير المتكافئة كمّاً وكيفاً مع عصابات النظام لم تأخذ على محمل الجد تحذيرات كلينتون، مما دفع هذه إلى الإعلان عن أن المجلس الوطني السوري، وهو أكبر فصيل معارض، لم يعد الممثل الأول للمعارضة، لتتراجع بعد يوم وتلعق كلامها، بعد أن أعلن رئيس المجلس الوطني عن رفضه لتلك التصريحات، لتقول إن أمريكا لا تتدخل في شؤون المعارضة السورية وليتها تحترم نفسها وتفعل، فإذا ما أرادت كلينتون أن تكون صديقة للشعب السوري حقيقة فهي تعرف ما عليها من استحقاقات، كونها تمثل القوة الأكبر في العالم، وعليها تقع المسؤولية الأخلاقية والإنسانية للتصدي لما يجري في سورية، وتوقف هذا النظام الفاشي عن جرائمه بكافة الأساليب والطرق التي تكفل وقف شلال الدم دون أن تفكر في أي أمر آخر يخص مصالحها وتوجهاتها وأجندتها، لأن الدماء التي تسفك هي أعز وأسمى من كل المصالح الرخيصة التي يمكن ان تحققها عبر سلوك المسار السليم والندية الكاملة، فالشعب السوري الذي دفع أرواحه رخيصة لانتزاع الحرية والفوز بالكرامة لن يقبل من أي دولة الوصاية أو التدخل في شؤونه، وهو الأجدر بمعرفة مصالحه وتقديرها، فقد ترك الشعب السوري خلفه الوصاية أو التبعية منذ أعلن ثورته على حكام دمشق البغاة، وآن لأمريكا أن تسلم بأن الشعب السوري شب عن الطوق!!

CONVERSATION

0 comments: